باتت النميمة تنتشر في المجتمعات السورية كواحدة من السمات البارزة والمعروفة، فمع كل الصعوبات والتحديات التي يواجهها الأفراد والمجتمع في سوريا، يبدو أن النميمة أصبحت لغةً للتعبير ووسيلة للاستمتاع بالابتعاد عن الواقع المؤلم المحيط. وفي حين قد يبدو الأمر سطحيا وغير مهم، إلا أن النميمة تحمل في طياتها تأثيرات قوية على المجتمع والعلاقات الاجتماعية.

قدمت دراسة جديدة، قام بها مجموعة من علماء النفس، نتائج مفاجئة تكشف عن فوائد النميمة وتأثيرها الإيجابي على الأشخاص. حيث توصل الباحثون إلى أن التحدث عن الآخرين وتبادل الأخبار الشائعة يرتفع مستوى هرمون “الأكسيتوسين” والمعروف بـ”هرمون الحب”، في أجساد الأشخاص. وهذا يجعل النميمة وسيلة فعّالة لتعزيز العلاقات الاجتماعية وبناء الروابط القوية بين الأفراد.

مع الواقع الاقتصادي الصعب الذي يمرّ به الشعب السوري، أصبحت النميمة جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية والموظفين الحالية. حيث تُعد النميمة وسيلة شائعة للتعبير عن الآراء والمشاعر، فهي تسمح للناس بالتخفيف من حمل الأحداث الصعبة والضغوط النفسية المستمرة. وتعتبر النميمة نافذة صغيرة للهروب من الواقع المرير ولحظات للاسترخاء والتسلية.

لغة للتعبير في المجتمع السوري

في حديثها لموقع “الحل نت”، تقول الموظفة في وزارة المالية، ورد اللبواني، عن ممارسة النميمة داخل الوزارة، “بكل ثانية ونحنا بالشغل، للأمانة بتريح الأعصاب وبعدها منستغفر”، حيث بالنسبة لموظف يتقاضى راتبا لا يتجاوز 13 دولارا أميركيا، فالنميمة طريقة للتخفيف من الضغوط النفسية.

تحليل دور النميمة كلغة للتعبير في المجتمع السوري - صورة تعبيرية
تحليل دور النميمة كلغة للتعبير في المجتمع السوري – صورة تعبيرية

طبقا لحديث الباحث في الشؤون الاجتماعية، عبد الرحمن الخال، فإن الشعب السوري يعيش في ظروف صعبة ومحنة تتسبب في ضغوط نفسية مستمرة. وتأتي النميمة كوسيلة للتسلية والترفيه، حيث يجد الناس فيها فرصة للتخلص من الضغوط اليومية وتفريغ التوترات النفسية. وتُعد النميمة بمثابة نافذة للابتعاد عن الواقع المؤلم وتقديم قسط من الراحة النفسية.

أيضا بحسب حديث الخال لـ”الحل نت”، فإن الحديث عن الآخرين وتبادل الأخبار والنميمة يعتبر وسيلة لبناء الروابط الاجتماعية في المجتمع. وتتيح النميمة للأفراد التواصل وتبادل الأفكار والآراء، وتقرب بين الناس وتعزز التعاطف والتضامن في ظل الظروف الصعبة التي يمرون بها.

كما تعد النميمة وسيلة للتعبير عن المشاعر والآراء في المجتمع السوري. وقد تكون هذه النوعية من الحديث ملاذاً للأشخاص للتعبير عن انتقاداتهم أو تعابير الإعجاب أو حتى التعبير عن الغضب والاستياء. ويمكن أن تكون النميمة وسيلة لتبادل الأخبار والمعلومات واستكشاف الآراء المختلفة في المجتمع.

وبعيدا عن المعنى الشائع للنميمة، فإنها بحسب الخال تلعب دورا في تعزيز الانتماء الاجتماعي والاندماج في المجتمع السوري. فعندما يشارك الأفراد في النميمة، يشعرون بالانتماء والاندماج في المجموعة الاجتماعية ويكونون جزءاً منها. وتعتبر النميمة وسيلة لتقوية العلاقات الاجتماعية وتعميق الروابط الشخصية.

إلا أن هذه القراءة لا تحجب أن استخدام الناس للنميمة يكون أحيانا للتحكم في الصورة العامة للأفراد. وقد ينشرون الشائعات أو الأخبار الملتوية عن الآخرين بهدف تشويه صورتهم أو تغيير وجهة نظر الناس تجاههم. ويمكن للنميمة أن تصبح أداة سلبية عند استخدامها بشكل غير أخلاقي وتأثيرها الضار على الأفراد والمجتمع في مجمله.

نميمة السوريين.. الأسباب والمحفزات

علماء النفس من بافيا في إيطاليا درسوا آثار “القيل والقال” (النميمة) على مجموعة من النساء، حيث ذكرت الدكتورة ناتاسكيا بروندينو، المؤلفة الرئيسية للدراسة، إنها ترغب في دراسة تأثير النميمة على الدماغ، وذلك بعد ملاحظتها بأنها شعرت بالراحة والتّقرب من زميلاتها بعد الثرثرة.

الأسباب والمحفزات التي تدفع الناس إلى استخدام النميمة كوسيلة للابتعاد عن الواقع - صورة تعبيرية
الأسباب والمحفزات التي تدفع الناس إلى استخدام النميمة كوسيلة للابتعاد عن الواقع – صورة تعبيرية

الباحثون وجدوا أن دماغ المرأة يفرز كميات أكبر من “الأكسيتوسين” بعد النميمة، وهو الهرمون الذي يفرز عند ممارسة العلاقة الحميمية، حيث يساعد على توثيق الصلة مع الأشخاص المقربين.

مي بيطار، أوضحت لـ”الحل نت”، أن النميمة أو ما يعرف بحديث الجماعة سواء رجال أو نساء بات في سوريا وسيلة للتسلية والترفيه عن النفس. في ظل الضغوط الحياتية والمشاكل اليومية، يلجأ الأشخاص إلى النميمة كوسيلة للاستمتاع والابتعاد عن الواقع المليء بالتحديات، لا سيما وأن الانشغال بالإنترنت والتلفاز صعب بسبب أن الكهرباء لا تأتي إلا بشق الأنفس.

كما توضح بيطار أن النميمة مصدرٌ للفضول والمغامرة، فبسبب هجرة أكثر من نصف السوريين ووجودهم في معظم دول العالم، قد يكون البعض مهتمين بمعرفة آراء الآخرين وتفاصيل حياتهم، وبالتالي ينجذبون إلى استخدام النميمة للحصول على المعلومات والشائعات.

كذلك ترى بيطار وتحليلا من الواقع الذي تعيشه، أن الاستخدام الشائع للنميمة يمكن أن يكون وسيلة للهروب من الواقع المؤلم والصعب. فقد يشعر الناس بالاستياء أو الإحباط من حالتهم الحالية، وبالتالي يلجؤون إلى النميمة للابتعاد عن هذه المشاعر السلبية.

علاوة على ذلك، هناك أسباب أخرى تسردها البيطار، وهي الشائعة لدى المجتمع المحلي، في أن البعض قد يستخدم النميمة كوسيلة للتعبير عن الغضب والانتقام. من خلال نشر الشائعات وتبادل الأخبار الملتوية، حيث يمكن للأشخاص الشعور بتحقيق شكل من أشكال الانتقام أو التحكم في الآخرين، فيما يشعر البعض بالاقتراب من الآخرين وتعزيز الروابط الاجتماعية عندما يشاركون في النميمة وتبادل الأخبار والقصص حول الآخرين.

تأثير النميمة على العلاقات الاجتماعية

وجد الباحثون أن التأثير الناتج عن النميمة لا يتغير مع تغير شخصية الفرد. فعلى سبيل المثال، لم يؤثر ارتفاع “الأكسيتوسين” الناتج عن النميمة على تغيير صفات وحالات معينة مثل الحسد والتوحد والتعاطف.

أثير النميمة على العلاقات الاجتماعية والتواصل في المجتمع السوري - صورة تعبيرية
أثير النميمة على العلاقات الاجتماعية والتواصل في المجتمع السوري – صورة تعبيرية

بحسب الخال، فإن النميمة تُعدّ عاملا رئيسيا في تفكيك الثقة وتدهور العلاقات الاجتماعية. فعندما تنتشر النميمة، يتعرض الأفراد للشائعات والادعاءات التي تؤثر سلبا على صورتهم وسمعتهم في المجتمع. ويتأثر التواصل الصحيح والمفتوح بالشك والشكوك المستمدة من النميمة.

كما ينعكس تأثير النميمة على قدرة الأفراد على التفاهم والتعاطف مع بعضهم البعض. حيث تشتت الانتباه والتركيز على الشائعات والأقاويل يمكن أن يؤدي إلى عدم القدرة على فهم ومشاركة المشاعر والتحديات التي يواجهها الآخرون.

كما تعمل النميمة بحسب الخال على تقليل مستوى الاتصال الحقيقي والصادق بين الأفراد. وبدلا من التواصل المباشر والصريح، ينتقل الكثيرون إلى النميمة كوسيلة غير صحية للتعبير عن الآراء والمشاعر. وهذا يؤدي إلى انعدام الثقة والتباعد بين الأفراد.

الحالة في سوريا وبسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية يمكن أن تؤثر النميمة على صحة المجتمع. فعندما تنتشر النميمة بشكل واسع ومستمر، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ضعف الروابط الاجتماعية وتآكل القيم والثقافة المشتركة، مما يعكس سلبا على التطور والتقدم الاجتماعي للمجتمع.

فهم أسباب النميمة في سوريا يساهم في إلقاء الضوء على تجارب الأفراد وتفاصيل حياتهم في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها. ومن خلال التحليل العميق لهذه الظاهرة، فالواضح أن النميمة ليست مجرد لغة للتسلية، بل هي أيضا طريقة للتعبير والتواصل والبقاء قويا في ظل الصعاب التي يواجهها المجتمع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات