المبادرة العربية تجاه الحكومة السورية مؤخرا، ولا سيما إعادة مقعد سوريا لـ”جامعة الدول العربية”، أثارت العديد من الآراء والتكهنات حول مدى نجاعتها في حل الملف السوري، حيث شكك العديد بمدى جدّية دمشق مع خطوات هذه المبادرة ولا سيما في ملفّي تهريب المخدرات واللاجئين، والحل السياسي الشامل للبلاد.

في الواقع، منذ التحركات العربية تجاه دمشق سواء من زيارات بعض المسؤولين العرب إلى العاصمة أو عقد اجتماعات مثل اجتماع جدة ثم “اجتماع عمّان التشاوري”، وأخيرا حضور الرئيس السوري بشار الأسد، القمة العربية في السعودية لم تبرز خطوات ملموسة من الجانب السوري تجاه هذه المبادرة العربية.

قبل أيام قليلة، زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي العاصمة السورية دمشق، وبحث مع الأسد العديد من القضايا التي تمّ الحديث عنها ضمن المبادرة العربية بشأن حلّ الأزمة السورية. إلا أنه لم يمكن ثمة زخم إعلامي كبير من الجانب السوري على هذه الزيارة، وقالت بعض التقارير إن زيارة الصفدي أتت في سياق الحديث مع دمشق من حيث مدى التزامها بشروط التقارب العربي تجاهها، وإذا ما كانت تعمل على خطوات جدية في هذا الصدد.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول معاني زيارة الصفدي إلى دمشق ولقائه الأسد ودعوته إلى تطبيق الاتفاقيات الدولية، ومدى جدّية الحكومة السورية تجاه التقارب العربي معها وما الخطوات العربية القادمة في حال لم تبدِ دمشق أي خطوات جادة خلال الفترة القادمة، والعقبات التي تقف أمام المبادرة العربية تجاه حلّ الملف السوري.

دلالات زيارة الصفدي لـ دمشق

خلال الأيام القليلة الماضية، أعلنت عمّان أن الصفدي بحث مع الأسد خلال زيارته إلى دمشق يوم الإثنين الفائت، ملفّي اللاجئين السوريين ومكافحة تهريب المخدّرات. وقالت وزارة الخارجية الأردنية في بيان إن النقاش بين الصفدي والأسد تركّز على قضية عودة اللاجئين والخطوات اللازمة لتمكين العودة الطوعية للاجئين السوريين من الأردن.

الصفدي ناقش مع الحكومة السورية ملفي اللاجئين السوريين وتهريب المخدرات- “سانا”

الصفدي استعرض خلال اللقاء الجهود التي تقوم بها المملكة من أجل الوصول إلى حلّ شامل يُنهي المأساة السورية ويعالج تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية دوليا، وفي سياق المسار العربي الذي انطلق بعد اجتماعي جدة وعمّان، حيث تم التوافق على خطوات عملية أولية وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة” ضمن المسارات الثلاث، طبقا للبيان الوزاري الأردني.

في السياق، يرى الأكاديمي السياسي الأردني والخبير في الشؤون الاستراتيجية عامر السبايلة، أن زيارة الصفدي هي استكمال لما بدأته هذه الدول العربية في مسألة عودة سوريا إلى “جامعة الدول العربية” ومحاولة لإيجاد حل للمشاكل العملية في المنطقة، ابتداء من عودة سوريا وليس من خلال الخطوات التي يجب أن تتخذها سوريا.

في النهاية، تشير الدول العربية إلى أن الكرة دائما في ملعب الحكومة السورية في هذه المرحلة، وينتظرون خطوات عملية جادة من دمشق، باعتبار أنه في المقام الأول بالنسبة لهذه الدول هو موضوع المخدرات والأسلحة ووجود الميليشيات بالقرب من الحدود، كما أوضحه السبايلة لموقع “الحل نت”.

السبايلة يعتقد في حديثه أن دمشق بهذه الخطوات يمكن لها أن تُثبت مبادرة حُسن النية وأن تُقدم على خطوات تساوي ما قامت به هذه الدول. يشعر الأردن بتأثير تجارة تهريب المخدرات التي تدخل إلى البلاد بطرق عدة، وبالتالي تتأثر على عدة مستويات، سواء الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. ولهذا تجد عمّان أن هذه المعضلة لا بدّ أن تُعالج، حتى وإن كان بشكل ثنائي، إلا أنه ليس ثمة أية خطوات ملموسة من دمشق حتى الآن.

بعض التقارير قالت إن الصفدي وجّه نقدا مباشرا لدمشق لعدم قيامها حتى الآن بأي خطوة إيجابية فيما تخص المبادرة العربية للحل في سوريا، وتزامنت هذه الانتقادات مع صدور قانون “الكبتاغون” من قبل الإدارة الأميركية، الذي يعتبر استراتيجية مفصلة لتدريب وتمويل الدول المتضررة من تهريب المخدرات، علاوة على ما تتضمنه من أدوات اقتصادية وعقوبات ضد دمشق.

في هذا الصدد، لا يعتقد الكاتب الصحفي السوري عقيل حسين، أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، أن الصفدي انتقد الأسد بشكل مباشر لتنفيذ خطوات المبادرة العربية، لكنه ربما طالب بتنفيذها بشكل عملي، لكن على أي حال كان هناك بعض التوتر في الأجواء، وبدا واضحا أن الأسد لم يكن راضيا تماما أو ودّيا إن صح التعبير، وظهر ذلك في التصريحات التي أعقبت اللقاء سواء مع بشار الأسد أو وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.

هدف الزيارة بشكل أساسي كان لأجل مناقشة الترتيبات الخاصة باجتماع لجنة المتابعة العربية، والذي كان مقررا أصلا خلال أيام عيد الأضحى الفائت، لكن يبدو أن عدم تحقيق نتائج كبيرة جعل الاجتماع يتأجل، كما قالها الصفدي للشهر المقبل، على الرغم من أن الصفدي ومسؤولينَ آخرين تحدّثوا عن تقدم في ملف مكافحة المخدرات، وفق وجهة نظر حسين.

قضية اللاجئين معقدة!

خلال المؤتمر الصحفي المشترك بين الصفدي والمقداد، رأى الأول أن “اللاجئ لن يعود إلا إذا اقتنع بأنه قادر على أن يوفر العيش الكريم لأسرته، من الناحية الأمنية، ومن ناحية وجود متطلبات العيش الكريم. وقال إنه تحدث مع نظيره السوري حول “ما هو مطلوب سوريا وما هو مطلوب دوليا حتى نستطيع أن نتقدم إلى الأمام”.

الصفدي أردف في حديثه “في اجتماع عمّان كنا تحدثنا عن عودة طوعية لحوالي ألف لاجئ، حتى يعود هؤلاء ما هو المطلوب من الحكومة السورية، وما هو المطلوب من المجتمع الدولي، وأعتقد أننا قريبون جدا من بلورة الأسس التي ستتم وفقها هذه العملية”.

بهذا المعنى، اعتبر الصفدي أن دمشق لم تقم حتى اللحظة بأي إجراءات لتسهيل عودة اللاجئين، وفي هذا الإطار يرى السبايلة أن ملف اللاجئين معقّد للغاية ولا يعتمد على موافقة الحكومة السورية فيه، إذ يحتاج إلى قرار دولي وترتيب الظروف من الأماكن الآمنة إلى عدم التعرض للملاحقة ومشروع الاندماج. وبالتالي القضية معقدة جدا بحيث لا يمكن حلّها بسهولة، لكن مجرد البدء في الحديث عنها هو بالنسبة لهذه البلدان، بما في ذلك الأردن، أمرٌ جيد، لأنه يبقي القضية على الطاولة.

قضية عودة اللاجئين تعتبر قضية مهمة بالنسبة للأردن، حيث تغيرت الأولويات وانخفض الدعم المقدّم للاجئين بشكل كبير. على الرغم من الجهود والمحادثات الجارية مع دمشق، حيث إن هذه قضية معقّدة ومتشابكة، بما في ذلك الحاجة إلى ضمانات من الجانب السوري. لذا يجب معالجة هذه القضية كجزء من عملية مصالحة سياسية أوسع وتحت مظلة المجتمع الدولي. والسعي لحل هذه المشكلة على المستوى الثنائي مع دمشق أمر غير عملي ومن غير المرجح أن يكون ناجحا، وفق تعبير السبايلة.

حسين يقول إن الرسائل التي حملها الصفدي للأسد، هو المطالبة بالمزيد من المرونة والخطوات، ولكن التركيز كان على ملف اللاجئين، وذكرت العديد من المصادر العربية، أن الصفدي جاء برسالة مكتوبة للأسد بعنوان، قيام الحكومة السورية بإجراءات ملموسة تجاه اللاجئين من أجل تحفيز المجتمع الدولي بغية تغيير سياسته تجاه دمشق، فضلا عن أنه طالب بإجراءات أكثر توضيحا بخصوص عودة اللاجئين، إلا أن الحكومة السورية اكتفت بالقول “من يريد العودة أهلا وسهلا به وليس لدينا المزيد لما نفعله لأجله سوى أننا بحاجة إلى الأموال لكي نوفر لهم الخدمات”.

مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن- “AP Photo/Raad Adayleh”

بالتالي وفق تقدير حسين فإن دمشق تناور كما العادة وتستغل الوقت ومختلف العوامل، وهي تخشى هذه المرة أن تضيع الفرصة، ربما تدرك أنها فرصتها الأخيرة، فعندما تفتح لها الدول العربية وحكوماتها لإعادة تعويمها، فهي فرصة من الصعب أن تتكرر لدمشق، ولهذا ستحافظ عليها بكل الوسائل ولكنها لن تلتزم بما هو مطلوب منها، على الرغم من أن المطلوب قليل وفق معطيات المبادرة العربية. والدول العربية ليست أمامها سوى التوقف عن إعادة تعويم الأسد في حال عدم جدّيته.

ستكون هناك خطوات جادة في ملف اللاجئين ولكن بشكل سلبي، أي أنه سيتركز على إعادة اللاجئين، وهذا ما أراد الصفدي التنسيق بخصوصه عند زيارته لتركيا، وهو يحمل مبادرة تجاه دمشق بخصوص عودة اللاجئين، بغض النظر عن باقي الملفات الأخرى.

فيصل المقداد قال من جانبه “نحن نتشاور مع الأشقاء في الأردن حول الكثير من القضايا، بما في ذلك قضية اللاجئين، كما تعرفون، وأفضل السبل الكفيلة بعودة هؤلاء اللاجئين إلى بلدهم سوريا”، مضيفا “كررنا مرة أخرى لكل سوري أينما كان في هذا العالم الحق في العودة إلى بلده وهو مرحب به، وسيتم التعامل معه في إطار القانون وفي إطار السيادة، ولا يوجد في سوريا من دفع من قبل الدولة أن يترك وطنه، فهو ليس بحاجة إلى إطلاق الدعوة، لكن بحاجة إلى تأمين مستلزمات أساسية من أجل تحقيق هذه العودة”.

عقبات المبادرة العربية

في إطار العقبات التي تقف أمام المبادرة العربية تجاه دمشق وحلحلة الأزمة السورية، يرى حسين أن هناك الكثير من العقبات تجاه الملف السوري سياسيا، وهو أن دمشق غير مستعدة لتقديم أي تنازلات، وثانيا الدول العربية والروس غير جادين في تطبيق القرارين الدوليين “2254” وقرار “2118” حول الحل السياسي الشامل في سوريا، ويبدو أن العالم مشغول بقضايا تبدو أهم من الملف السوري، والدول العربية والإقليمية هي من تعاني من الأزمة السورية، ولكنها لا تملك أدوات صلبة لتحقيق ما تريده في هذا الملف، نظرا للرفض الغربي والعقوبات المستمرة على دمشق، وبالتالي الأمر منوط بالحكومة السورية وما الذي يمكن أن تقدمها في هذه المرحلة.

احباط محاولة تهريب مخدرات من الأراضي السورية إلى الأردن- “أرشيفية-وكالة الأنباء الأردنية”

السبايلة يقول إن العراقيل قد تكون كثيرة، منها أن سوريا اليوم لم تعد كما كانت قبل 2011، وبالتالي هناك العديد من اللاعبين في المشهد السوري، وهناك العديد من مراكز القوة داخل سوريا، وبالتالي لا يمكن الاعتقاد بأنه يمكن إيجاد حلّ سريع لكل هذه المشاكل، وهذا أمر مبالغ به، فالملفات أكثر تعقيدا مما يتصور.

السبايلة يرى أنه إذا لم تنجح هذه الدول في حلّ الملف السوري، فعندئذٍ تكون قد جرّبت مفهوم إعادة إنتاج مفهوم فكرة التضامن العربي التي تتحدث عن إعادة دمج سوريا وفكرة أن الأمور لم تنجح ليست بجديدة، حيث عاشت هذه الدول هكذا تجرة مع سوريا من قبل، في الثمانينيات والتسعينيات، وحتى بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني سابقا، رفيق الحريري وبدء الأزمة في سوريا، لم تشهد العلاقات بين هذه الدول ودمشق مستوى مستقرا للجانب الإيجابي، بل تقلبت كثيرا وكانوا أقرب إلى الانقلاب في كل مرحلة.

المبادرة العربية تجاه الحكومة السورية خلال الفترة الماضية لم تشهد أي تقدمات إيجابية تذكر، فلم يبدي أيّ من اللاجئين السوريين عودتهم إلى سوريا، وفق استطلاعات سنوية للاجئين في البلدان المجاورة لـ”الأمم المتحدة” مؤخرا.

هذا ولم تتوقف أي من عمليات تهريب المخدرات على الحدود، حيث تم الإعلان عن العديد من المضبوطات في العراق والسعودية والأردن ولبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة، فقد ألقت السلطات الأمنية في الأردن مطلع الشهر الجاري، القبض على أكثر من ألف من تجار ومروجي المخدرات خلال حزيران/ يونيو الماضي. وأكدت في بيان مقتضب مؤخرا، ضبط كميات مختلفة من المخدرات.

بالتالي، فإن إيجاد حلول للمشاكل المعقّدة التي خلقتها الأزمة المستمرة في سوريا وإيجاد حل سياسي شامل في البلاد من خلال المبادرة العربية يتطلب أولا جدّية حقيقية من جانب الحكومة السورية ثم عملية سياسية شاملة يقبلها المجتمع الدولي. وإلا ستبقى جميع الملفات على حالها وستزداد تعقيدا مع مرور الوقت وبقاء الحكومة السورية على عقليتها ونهجها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات