نحو ثلاثة أشهر مرّت على اندلاع الصراع العسكري بين قوات الجيش السوداني التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع” المعروفة بدعمها الذي تتلقاه من روسيا بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”، في ظل عدم وجود مؤشرات على اقتراب الحل وإنهاء التوتر الحاصل في البلاد.

العديد من الهُدن التي حاولت قوى إقليمية ودولية من بينها الولايات المتحدة الأميركية التوسط فيها، لكنها تعرّضت للفشل والخرق من قِبل طرفي الصراع، الأمر الذي على ما يبدو دفع واشنطن إلى التلويح بإمكانية فرض عقوبات على طرفي الصراع في السودان من أجل فرض التهدئة.

جهود الولايات المتحدة الأميركية تركزت خلال الفترة الماضية بالتنسيق مع قوى إقليمية أبرزها المملكة العربية السعودية، وهذا التلويح بالعقوبات من قبل واشنطن، يطرح التساؤلات فيما يتعلق بفعالية الأدوات الأميركية لفرض تهدئة ما في البلاد، وهل سيكون بمقدورها السيطرة على الجيش و”قوات الدعم السريع” الرافضين للهدنة.

عقوبات جديدة؟

وزارة الخارجية الأميركية، أكدت استعداد واشنطن لاتخاذ خطوات إضافية فيما يخص فرض عقوبات على أطراف الصراع السوداني، وذلك في إطار خطوات التعاون مع الحلفاء في المنطقة لوقف الصراع المستمر منذ نحو ثلاثة أشهر بين الجيش و”قوات الدعم السريع”.

صحيفة “الشرق الأوسط” نقلت عن مسؤول في الخارجية رفض الكشف عن اسمه قوله، إن الولايات المتحدة تعمل مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ومنظمة “إيغاد”، والشركاء المحليين والدوليين، لحث طرفي النزاع على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.

بحسب تصريح المسؤول، فإن واشنطن اتخذت خطوات لفرض عقوبات على طرفي الصراع، بما فيها إدراج 4 شركات تابعة للقوات المسلحة السودانية و”قوات الدعم السريع”، ومستعدة لاتخاذ خطوات إضافية، حيث تعمل من خلال مرصد النزاع في السودان، على جمع ونقل المعلومات حول الأنشطة المرتبطة بالصراع، بهدف وقف القتال وترويج الشفافية والمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوب مع الاحتياجات الإنسانية للشعب السوداني.

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، رأى أن الولايات المتحدة الأميركية لديها الأدوات الكافية للضغط على طرفي الصراع في السودان وفرض إنهاء القتال في البلاد خلال الفترة القادمة، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى وجود بعض المصالح الدولية لاستمرار الصراع في ظل تدخل أكثر من طرف دولي في السودان.

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أدوات واشنطن كثيرة في المنطقة منها التأثير على القرار السياسي وامتلاكها القدرة على المفاوضات مع العسكر، لأنها تعلم جيدا كيفية الدخول مع العسكر وكيفية المفاوضات، بل هي تدير عملية المفاوضات مع الجيوش في الشرق الأوسط وتجيد التعاون معهم وتعرف مداخلهم جميعا وكيف تفاوضهم”.

بالتالي فإن واشنطن لديها الأدوات الكافية التي تمكّنها من الضغط على طرفي الصراع، كذلك فإن واشنطن ستسعى من خلال التدخل في السودان وفق رأي مشرف “إلى إعادة ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط وخلخلة الوجود الروسي في السودان. كانت روسيا تمتلك مواقع حيوية وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر ما جعل نفوذها على المياه الدافئة وكان لروسيا قرار سيادي على حميدتي ومناجم الذهب في جبال عامر جنوب السودان، لذلك هناك فرصة لواشنطن لتحجيم روسيا في السودان”.

مؤشرات التصعيد

مؤشرات عديدة ظهرت مؤخرا تدل على تصاعد المواجهات العسكرية، أبرزها إصرار الجانبين على حسم الصراع بشكل عسكري، وذلك بعد فشل جميع الجهود الإقليمية والدولية في إنجاح أيٍّ من الهُدن التي تم الإعلان عنها على مدار الأشهر الثلاثة الماضية.

من هنا لم يتوقع مشرف نهاية قريبة للصراع العسكري بدون وجودة إرادة داخلية ودولية، وأضاف “إذاً الصراع صعب، وهو صراع بين قوتين عسكريتين ولهما دعم وغطاء سياسي ودولي، برهان وحميدتي لهما أطماع في السلطة، الذي سيدفع الثمن الشعب السوداني للأسف”.

كذلك فإن من أسباب إطالة أمد الصراع وفشل الهُدن في السودان التنافس الإقليمي على النفوذ في البلاد، حيث أن هناك إثيوبيا في صف حميدتي و”قوات الدعم السريع” ومصر في طرف الجيش السوداني، فضلا عن الصراع الخليجي الخليجي فيما يخص السودان، خاصة وأن البلاد تمتلك ثروات كبيرة وموقع استراتيجي هام.

أما عن الحلول لإنهاء الصراع في السودان، فقد أوضح مشرف أن “السودان تحتاج إلى وطنيين مخلصين وسياسيين لديهم الوعي الكافي القادر على إنهاء هذا الصراع، والقادر على تقديم حميدتي والبرهان إلى المحاكمة العسكرية فورا، إضافة إلى إرادة شعبية تنزل للشارع وإلا سيدفع السودان ثمنا باهظا، لذلك يجب على الشعب السوداني أن يدرك ذلك، وإنهاء وجود قوات الدعم السريع ودمجها في الجيش ضمن قوة واحدة لتوحيد القيادة العسكرية، صراع الجانبين حاليا ليس نابع من مصلحة وطنية بل صراع على السلطة”.

حتى الآن لا يبدو أن هناك أيّة مؤشرات على تهدئة الصراع المحتدم منذ نيسان/أبريل الماضي، خاصة في ظل فشل الهُدن التي تمّ التوصل إليها سابقا، فيما يوحي بأن السودان مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد العسكري خلال الأشهر القادمة.

قد يهمك: هل يُحفّز تمرد “فاغنر” الحركات الانفصالية الروسية؟

في إطار إصراره على الحسم العسكري، دعا الجيش السوداني قبل أيام الشباب السودانيين القادرين على حمل السلاح إلى تسجيل أنفسهم في أقرب قيادة عسكرية للقتال ضد “قوات الدعم السريع” شبه العسكرية، وأصدر الجيش بيانا اعتبر أن القتال في صفوف الجيش “واجب للدفاع عن السودان، وقد تم توجيه قيادات الفِرق والمناطق العسكرية باستقبال وتجهيز المقاتلين، وعليهم التوجه لأقرب قيادة أو وحدة عسكرية”.

ما يعزز فكرة التصعيد على الأقل وفق المعطيات الراهنة، هو طريقة تعاطي “قوات الدعم السريع” مع التطورات الميدانية، حيث أكد مستشار حميدتي أن قواته لديها من التمويل العسكري والمؤن ما يكفي لمواصلة القتال لمدة عامين آخرين، في إشارة لرفض أي جهود للتهدئة لا تتضمن تنفيذ شروط قيادة “الدعم السريع”.

وزارة الخارجية في السودان، أعلنت الثلاثاء، رفضها نشر أي قوات أجنبية في البلاد، ردا على بيان الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق إفريقيا “إيغاد”، الذي صدر الإثنين، ودعا لإطلاق عملية سلام لحل الصراع في السودان، عبر نشر قوات في السودان لحماية المدنيين.

دور الدعم الخارجي

السودان شهد على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، قتالا عنيفا بين الجيش و”قوات الدعم السريع” في صراع على السلطة، بعد 18 شهرا من انقلاب عسكري أدى إلى ضرب مساعي وآمال الانتقال إلى الحكم المدني، في وقت شهدت فيه العاصمة الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، فرارا لآلاف المدنيين إلى مناطق أكثر أمنا.

لكن المؤشرات في السودان، لا توحي حتى اللحظة بإمكانية قبول “قوات الدعم السريع” حلّ نفسها، أو الانخراط في الجيش السوداني، خاصة وأنها تحاول مؤخرا هزيمة قوات الجيش والسيطرة على العاصمة السودانية، بدعم مباشر من روسيا.

الدعم الخارجي الذي تقدمه بعض الدول الخارجية كروسيا الداعمة لـ “قوات الدعم السريع”، يُعتبر من أبرز عوامل ترجيح إطالة أمد الصراع في السودان، إضافة إلى عدم إبداء أي طرف استعداده للتهدئة، فحتى الهُدن التي تم الإعلان عنها خلال الأسابيع الماضية بوساطات خارجية، لم يلتزم بها أحد على الأرض.

جميع المؤشرات منذ البداية توحي بأن هذا الصراع سيمتد ولن يُحسم في وقت قريب، فموازين القوى الظاهرية وإن كانت تميل لصالح الجيش السوداني إلا أن الجيش لم يتمكن من حسم هذه المعارك ضد “قوات الدعم السريع”، لذلك يؤكد محللون أن قبول الأخير بالانخراط بالجيش مرهون بالجهات الخارجية الداعمة له.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات