مجددا، يعود ملف الأزمة اللبنانية إلى الواجهة، مع زيارة المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، إلى السعودية، وذلك بعد أشهر من استمرار أزمة الشغور الرئاسي منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، حيث تنقسم القوى السياسية فيما بينها على هوية مَن يخلف عون، الأمر الذي ألقى بظلاله على الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ العام 2019، وفاقم تردي الأوضاع.

لدوريان التقى خلال زيارته السعودية المستشار بالأمانة العامة لـ “مجلس الوزراء” السعودي، نزار العلولا، في ديوان وزارة الخارجية بالرياض، وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين السعودية وفرنسا، وبحث آخر تطورات الملف اللبناني. كما تمت مناقشة المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

لقاء لودريان بالعلولا، وصِف بـ “المثمر” من قبل السفير الفرنسي لدى السعودية، لودوفيك بويلي، الذي أشار إلى أنه دار حول العلاقات الفرنسية السعودية والتطورات الأخيرة في لبنان، وجاء ذلك قبل أن ينتقل مبعوث الرئيس الفرنسي الخاص للبنان، إلى قطر لعقد اجتماع خماسي الاثنين المقبل.

بيروت قِبلة لورديان المقبلة

بعد الاجتماع الخماسي، سيعود لودريان إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوضعه في الأجواء، على أن يتوجه فيما بعد إلى بيروت للقاء المسؤولين فيها، وسط ترجيحات بمكوثه أياما عديدة للبحث عن صيغة توافقية للأزمة الرئاسية.

الحديث يجري عن أن لودريان يقترح إمكانية انعقاد حوار لبناني في “مجلس النواب”، للتوصل إلى قواسم مشتركة، أو رؤية متكاملة لعرضها في الاجتماع الخماسي في قطر تمهيدا لإعلان خريطة طريق واضحة، في حين تتعارض المواقف اللبنانية أمام ذلك، وسط رفض بعض قوى المعارضة لفكرة الحوار خوفا من أن يُطرح عليها ملف تعديل النظام أو تغيير الصيغة التي تؤسس عليها مشاريعها.

في هذا السياق، وصفت مصادر مواكبة للحراك الفرنسي زيارة موفد الرئاسة الفرنسية جان ايف لودريان، الى السعودية بأنها زيارة تنسيقية تنطوي على إشارة واضحة إلى أن الرياض في قلب المسعى الفرنسي وشريكة مباشرة في الحراك الفرنسي حول الملف اللبناني الذي يشكل حلّه أولوية أساسية بالنسبة إلى باريس والرياض، في مساعدة اللبنانيين على التوافق على انجاز استحقاقاتهم الدستورية، وهو ما أكد عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

هذه الزيارة تأتي في إطار ما كان مقررا سابقا، بأن يقوم لودريان بجولة على الدول المعنية بالملف اللبناني أي دول خماسية باريس، فكانت المملكة العربية السعودية هي البداية، في حين يمكن أن تكون له وقفة في العاصمة المصرية القاهرة، على أن يكون يوم الاثنين المقبل في الدوحة حيث تلتئم الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني في اجتماع.

وسط ذلك، وعلى الرغم من الزيارة التي قامَ بها المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان الى الرياض، فإنه بحسب الصحفية والباحثة بالشأن اللبناني ميسم رزق، لا شيء يوحي بأن المأزق الرئاسي يسير في اتجاه الحل، فلقاء لودريان مع المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي نزار بن سليمان العلولا، في ديوان وزارة الخارجية في الرياض هو استكمال للحراك الفرنسي تجاه عدد من الدول المعنية بالملف اللبناني، لا سيما المجموعة الخماسية التي تُعد السعودية أحد أعضائها.

حياد أميركي بانتظار النتائج

رزق تقول لموقع “الحل نت”، إن هذه الزيارة أتت عشية انعقاد اجتماع المجموعة للمرة الثالثة للنقاش في الملف اللبناني، لكن حتى اللحظة لم تتوافر أي مؤشرات تؤكد وجود تغير في الموقف السعودي الذي استقر عند الحياد الإيجابي بإعلان المملكة أنها لا تضع فيتو على اسم أي مرشح رئاسي، وكان هذا الإعلان الذي نقله أكثر من مسؤول سعودي قد أكد إصرارا على عدم الانخراط في التسوية التي عرضها الفرنسيون ولا يزال الموقف السعودي على حاله. 

المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي للبنان يزور السعودية في سياق تحريك ملف الأزمة اللبنانية/ إنترنت + وكالات

الصحفية اللبنانية تضيف، أن أي تحول سعودي ايجابي يتقاطع مع المبادرة الفرنسية سيكون له أثره على المشهد اللبناني، لكنه لن يكون كافيا لسببين، أولاً، الموقف الأميركي، حيث لم تنخرط الإدارة الأميركية بشكل مباشر في الملف الرئاسي اللبناني، فهي تعتبر أنه لا يزال هناك وقت من أجل التدخل المباشر، وأن وقت التسوية الشاملة لم يحن بعد وبالتالي تركت لفرنسا مساحة للعب دور محدود بانتظار المزيد من التطورات في المنطقة.

ثانيا، وفقا لرزق، هو الموقف المسيحي الذي يتوحد خلف رفض المرشح الذي يدعمه “حزب الله” و”حركة أمل”، وهو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وذلك يعني أن الحراك الفرنسي وإن نجح في استمالة الرياض للانخراط في التسوية، فلا بدّ وأن تتوافر له ظروف داخلية حيث لا مجال لتخطي الموقف المسيحي. 

رزق تشير إلى أنه، أمام حالة المراوحة التي يعيشها لبنان سيكون الواقع مفتوحا على كل الاحتمالات، خاصة وأن أزمة الفراغ الرئاسي تأتي في لحظة إقليمية ودولية حساسة ودقيقة، فضلا عن أن البلاد تعيش حالة من الانهيار على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، ناهيك عن “التوتر على الحدود مع إسرائيل”، ما يجعل السيناريو الأمني الممسوك حتى الآن قابل للانفجار في أي لحظة.

حراك لودريان، يأتي بعد جولة كان قد أجراها في أعقاب فشل انتخاب رئيسٍ جديد لجمهورية لبنان، للمرة الثانية عشرة منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعلى وقع استمرار الأزمة السياسية والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، حيث ينتظر الكثيرون نتائج المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، بشأن لبنان أملا في التوصل إلى حلٍّ يُفضي إلى إنهاء حالة الشغور الرئاسي التي عطّلت الدولة، وضاعفت من الأزمة الاقتصادية.

حيثيات في الأزمة اللبنانية

مع ذلك، لا ينتظر اللبنانيون زيارة الموفد الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان ما إذا كانت لديه مبادرة للخروج من أزمة الفراغ الرئاسي المستعصية، وإنما ليتأكدوا مما إذا كانت الأزمة في بلادهم لا تزال تحظى باهتمام دولي.

حراك فرنسي سعودي بشأن الملف اللبناني/ إنترنت + وكالات

على هذا النحو، يأتي الدور الفرنسي بشأن إمكانية إيجاد مخرج للأزمة اللبنانية، بينما يبدو أن باقي الأطراف لا تزال تقف على مسافة واحدة من الأزمة دون إبداء أي جدّية في التدخل، وذلك بالنظر إلى معرفة أن حجم الهوّة بين الأطراف المتصارعة أكبر من أن تُردم.

يشار إلى أنه، في السابع من حزيران/يونيو الماضي، عيّن ماكرون وزير الخارجية السابق إيف لودريان مبعوثا خاصا إلى لبنان للمساعدة في إيجاد حلّ توافقي وفعّال للأزمة اللبنانية التي تفاقمت، خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس 2020.

منذ أشهر، تدير لبنان حكومة تصريف أعمال وهي عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت يشهد البلاد منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنّفه “البنك الدولي” من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، حيث يشترط المجتمع الدولي إصلاحات مُلحّة من أجل تقديم دعم مالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات