أسعار العملات الأجنبية في سوريا وطريقة التعامل بها، دائما ما تطرح العديد من التساؤلات، خاصة وأن هناك سعرين دائما للعملات أمام الليرة السورية، فالدولار الأميركي دائما ما يتم تسعيره في “بنك سوريا المركزي”، بتسعيرة مختلفة تماما عن التسعيرة في السوق السوداء، وهي التسعيرة التي تعبر عن السعر الحقيقي للعملة.

مؤخرا سعت الحكومة السورية إلى تعديل السعر الرسمي للدولار الأميركي، ليقترب من السعر الحقيقي، ورغم محاولات “بنك سوريا المركزي” المستمرة لضبط سعر الصرف، وتدخلاته في السوق عبر تعديلات يومية على نشرة أسعار الحوالات والصرافة، فإن هذه التدخلات لا تبدو ناجعة، وبدا عاجزا عن مجاراة سعر السوق السوداء، وفق مراقبين.

بحسب آخر نشرة لـ”بنك سوريا المركزي”، فإن السعر الرسمي للدولار الأميركي 9900 ليرة سورية، في حين سجل سعر الدولار اليوم الخميس في السوق السوداء 12100 ليرة، في وقت فإن البنك المركزي يعترف ضمنيا بأن سعر السوق السوداء هو السعر الحقيقي للدولار ويتعامل على هذا الأساس.

اعتراف ضمني بالسعر الحقيقي

هذا الاعتراف الضمني من قبل المركزي السوري، تحدث عنه خبراء اقتصاديون ومسؤولون في الحكومة، وذلك نظرا لسلوك البنك برفع السعر توازيا مع ارتفاع أسعار السوق السوداء، حيث أشار أمين سر “جمعية حماية المستهلك” عبد الرزاق حبزة، إلى أن “هناك علامات استفهام حول ما يجري في سوق الصرف، وحول سلوك المركزي برفع السعر مع السوق السوداء لتثبيت السعر، وكأن السوق السوداء أصبحت حكومية”.

حبزة أكد في تصريحات نقلها موقع “بزنس تو بزنس”، أن الحكومة تعترف ضمنيا بسعر الصرف في السوق السوداء، “وعلى الحكومة تقديم تفسير السوريين وإيضاح ما الذي يحدث؛ كونه لا يوجد مبررات أمام هذا التغير في سعر الصرف”، ما يعني أن السوق السوداء تسير بإشراف حكومي غير مباشر بصرف النظر عن السعر الوارد من البنك المركزي.

التغير في أسعار الصرف في سوريا، يتسبب بفوضى كبيرة في الأسواق السورية أسعار مختلف السلع والخدمات، كذلك فإن الانهيار المتواصل في قيمة الأجور والرواتب للسوريين الناتج عن هذا التغير، يفاقم من الأزمة المعيشية التي يعيشها السوريون منذ سنوات.

وفقا لأرقام كشفها ”المكتب المركزي للإحصاء”، تجاوز معدل التضخم في سوريا 16 ألفا بالمئة خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2023. إذ إن معدل التضخم بلغ 3852.29 بالمئة بين عامي 2011 و2021.

البيانات الصادرة عن وزارة المالية، قدّرت معدلات التضخم لعام 2022 بنسبة 100.7 بالمئة، ولعام 2023 بنسبة 104.7 بالمئة، مما يجعل معدل التضخم بين عامي 2011 و 2023 يبلغ 16137.32 بالمئة.

الأسعار بدورها ارتفعت بمقدار 40 ضعفا بين عامي 2011 و 2021، وزادت بما يتجاوز 161 ضعفا في الفترة من عام 2011 إلى عام 2023، في حين أشارت الخبيرة رشا سيروب، إلى أن السلع الغذائية والمشروبات غير الكحولية، ونفقات السكن والكهرباء والمياه، تشهد أكبر ارتفاع في الأسعار، وتمثل حوالي 75 بالمئة من إنفاق الأُسر. مؤكدة في الوقت ذاته، أن دخل الموظف في سوريا ارتفع بمقدار 10 أضعاف منذ عام 2011، ولكنه لا يزال أقل بكثير مقارنة بارتفاع المستوى العام للأسعار.

زيادة رواتب؟

منذ أشهر والحكومة السورية تتحدث عن خطة وشيكة لزيادة الرواتب والاجور في سوريا، تزامنا مع استمرار نزيف متوسط الأجور في البلاد، أما تكاليف معيشة الأسرة السورية، والارتفاع المتواصل لأسعار مختلف السلع والخدمات.

منذ أيار/مايو الماضي، بدأ الحديث في أوساط المؤسسات الحكومية السورية عن قرار زيادة الرواتب الأجور، وكان سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء السورية نحو 7500، وفي شهر حزيران/يونيو تحدث عضو مجلس الشعب السوري محمد زهير تيناوي بشكل رسمي عن وجود خطة تتعلق بزيادة الأجور بنسبة لا تقل عن 70 بالمئة.

قد يهمك: راتب لا يشتري الخبز.. ما هو متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية هذا العام؟

يبدو واضحا أن الحكومة السورية عاجزة عن إقرار اي زيادة في الرواتب والأجور مهما كانت نسبتها، والتسريبات الأخيرة ما هي إلا “إبرة مخدر” للسوريين الذي أنهكتهم الارتفاعات المتتالية في أسعار اسلع والمواد الأساسية، حيث وصلت الظروف المعيشية إلى حد لم تعد فيه أية زيادة في الرواتب قادرة على مواكبة ارتفاع الأسعار.

بحسب تقارير متخصصة فإن رواتب العاملين والموظفين في سوريا الثابتة منذ بداية العام الجاري، فقدت نحو 35 بالمئة من قيمتها منذ مطلع العام، حيث واصلت أسعار السلع والخدمات في البلاد ارتفاعها، أم ردود أفعال الحكومة فاقتصرت على اقتراح خطط تتعلق بزيادة الرواتب دون إقرارها حتى الآن.

هزالة الأجور السورية وصلت إلى حد تهديد الأمن الغذائي بالنسبة للعاملين، خاصة أولئك الموظفين في القطاع الحكومي، الذين أصبحوا غير قادرين على تحمّل تكاليف الغذاء بمختلف أنواعه، بعد أن خرجت العديد من المواد من قائمة مشترياتهم لا سيما اللحوم والمكسرات وبعض أنواع الفواكه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات