بعد أن طالت جميع السوريين أوهام الاستقرار الاقتصادي والارتياح، انفجرت الأسعار كحمم البراكين المندفعة بعد تبرير رئيس الوزراء السوري، حسين عرنوس، بأن الحكومة فعلت ما عليها وأكثر. 

وزارة الصحة السورية لم تجد حلا لارتفاع أسعار الأدوية ودخولية المستشفيات، سوى أن تنجب حملة “غير مسبوقة” لفحص ضغط الدم. فالحملة الطبية المثيرة تعرض على المواطنين إمكانية قياس ضغوطهم في زمن التحديات الاقتصادية المفجعة.

تفاعل فيسبوكي مع الحملة

في بادرة أشبه بالخيال، قررت وزارة الصحة أن تضحك في وجوه المواطنين البالغ عددهم الملايين، والذين يعانون تحت وطأة الضائقة المادية وانهيار القوت الشرائي، وتجعل لهم من الفحوصات الطبية أملا جديدا للتسلية والترويح!

صورة تعبيرية - إنترنت
صورة تعبيرية – إنترنت

“الصحة السورية” تبدو بهذه الحملة، وكأنها قررت أن تطفئ نيران الغلاء بكلماتها المعسولة وتحول غضب الشعب الجائع إلى ضحكات ساخرة.

على صفحاتها، أطلقت الوزارة، ما أسمتها بـ “الحملة الوطنية لفحص ضغط الدم” تحت شعار “من أجل كل نبضة قلب”، حيث من المتوقع أن تستمر الحملة في كافة المحافظات حتى نهاية شهر آب/أغسطس الجاري.

كوكب نبا، إحدى العاملات في مديرة الصحة بحمص، كانت أول المعلّقين على هذه الحملة، حيث كتبت “بدل هالحملة زيدوا الرواتب، وخفضوا الأسعار، ما عاد حدا بيرتفع ضغطوا”.

أما محمد العلي، الذي تحدث لـ”الحل نت”، فقال “يبدو أن الصحة السورية قد أدركت أخيرا أن مصيبتنا ليست في ارتفاع الأسعار وتدهور الاقتصاد، بل في ضغط الدم الذي يتسلل داخل أوصالنا بسرعة مخيفة، إنها لحظة مهمة للتأكيد على أن الأولويات ليست في معالجة الجوع والفقر ولكن في التأكد من أن الدم يجري في أوعية أجسادنا بشكل صحيح”.

ردود فعل حكومية منفصلة عن الواقع

الحديث عن الفشل الحكومي في التعامل مع الأزمة الاقتصادية في سوريا، تصاعدت حدته في الفترة الأخيرة، ورغم فشل مؤسسات الحكومة في تنفيذ وعودها المتعلقة بتحسين الواقع المعيشي في البلاد، إلا أن خبراءً أكدوا في عديد المناسبات أن الفشل الاقتصادي في البلاد يتجاوز الحكومة التي يسعى البعض إلى جعلها “كبش فداء”.

أطلقت وزارة الصحة السورية، ما أسمتها بـ "الحملة الوطنية لفحص ضغط الدم" - "سانا"
أطلقت وزارة الصحة السورية، ما أسمتها بـ “الحملة الوطنية لفحص ضغط الدم” – “سانا”

أستاذ الصف الرابع، محمد المقداد، ذكر في حديثه لـ”الحل نت”، أن الصحة السورية في بيانها الرسمي أعلنت عن تخصيص المزيد من الموارد لهذه الحملة، متسائلا هل يُخصص المزيد من المال الذي ينقصنا في شراء الطعام والدواء ليذهب إلى فحص ضغط الدم، هل الصحة تهتم بصحتنا أكثر منا نحن أنفسنا.

في آذار/مارس من العام الجاري عندما كان الدكتور عمرو سالم وزيرا للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، كان الجميع يتحدث عن فشل الوزير في أداء عمل الوزارة، وعلى الرغم من فشل الوزارة الفعلي في تحقيق أيّا من أهدافها، لكن يبدو أن العلة لم تكن بالوزير، فبعد التغيير الذي حصل في الوزارة، زادت أوضاع الأسواق سوءا وارتفعت أسعار المواد الغذائية وزاد انتشار المواد المغشوشة.

سالم في تصريحات جديدة، حمّل مسؤولية استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية والتضخم الكبير الذي رافقها، لإدارة “بنك سوريا المركزي” بشكل رئيسي ووزارة المالية بدرجة أقل، مشيرا إلى أن قيمة العملة المحليّة يحددها الميزان بين الوارد إلى الخزينة بالقطع الأجنبي من التصدير والتحويلات الواردة بأشكالها وبين العملة الصعبة الخارجة لاستيراد المواد المختلفة ومستلزمات الانتاج.

الأدوية ارتفعت أسعارها

كلمة رئيس الحكومة حسين عرنوس أمام البرلمان في جلسة يوم الاثنين الفائت “الاستثنائية”، كانت دليل على أن ردود الفعل الحكومية منفصلة عن الواقع، حيث بدت الكلمة محاولة يائسة لتضخيم الجهد الحكومي المبذول، مقابل تضخيم الصعوبات التي تواجههم في ذلك، إذ حاول عرنوس التأكيد على أن المشكلات التي تواجهها الحكومة بمثابة معادلات مستحيلة الحل، حتى ولو تمت إقالة الحكومة عشر مرات.

المعنيين بالصحة بدؤوا بدراسة زيادة أسعار الأدوية المصنّعة محليا - إنترنت
المعنيين بالصحة بدؤوا بدراسة زيادة أسعار الأدوية المصنّعة محليا – إنترنت

حملة وزارة الصحة تناست أنه مع كل قفزة في سعر الصرف يرافقها ارتفاع في أسعار الأدوية بسوريا، ويبدو الأمر كما لو أن الأدوية أصبحت بالفعل عبارة عن بورصة تتعلق بتقلبات أسعار الصرف، وحجج الشركات المصنّعة بزيادة تكاليف الإنتاج من استيراد المواد الأولية إلى زيادة أسعار حوامل الطاقة من وقت لآخر.

بمجرد أن تجاوز سعر الليرة السورية حاجز 10 آلاف أمام الدولار، ووصول الليرة وفق تداولات اليوم لأكثر من 12 ألفا، بدأت الأخبار تتداول أن المعنيين بالصحة بدؤوا بدراسة زيادة أسعار الأدوية المصنّعة محليا، الأمر الذي لم يتم نفيه من قِبل نقابة الأطباء في سوريا، بل أكدت ذلك ونسبته لمنعه من الانقطاع عن السوق.

الأستاذ في كلية الصيدلة بجامعة دمشق لؤي العلان، بيّن في تصريحات سابقة “اليوم نشاهد بداية أزمة من خلال انقطاع بعض أصناف الأدوية”، مشيرا إلى أن تقنين بعض المعامل في بيع الأدوية للمستودعات يهدد بانقطاع وهمي للعديد من الأصناف وذلك حتى يحافظ المعمل على مخزونه وبالتالي لا تكون هناك أيّ خسارات كبيرة.

في زمن التحديات والمأساة، “وزارة الصحة” لم تُصدر أي تسعيرة رسمية تحدد أجور الأطباء منذ أكثر من 12 عاما، تطلق حملة تحاول من خلالها أن تطبق ضحكتها العابسة على وجوه المواطنين المنهكة، بعد اشتعال الأسعار وانهيار القوت الشرائي لهم، لتُثبت أن الجوع والفقر بنظرها ليسا سوى مجرد حالة عابرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات