عندما يتخذ رئيس مجلس الوزراء خطوة تجاه تقشف الإنفاق وترشيد الاستهلاك، يثور السؤال الوحيد في أذهان المواطنين، هل هذا القرار الجديد سيكون مفتاحا لرفع الاقتصاد الوطني، أم أنه مجرد قرار آخر يضاف إلى قائمة الإصلاحات السطحية. 

إن إلغاء المفكرات السنوية المطبوعة في المؤسسات السورية، هذا القرار “الحكيم” كما وصفه بعضهم بسخرية، يبدو وكأنه يدور في محيط تفكير الحكومة السورية، ولكن ما هي الفوائد والآثار المتوقعة من هذه الخطوة.

قرار وقف طباعة المفكرات السنوية يشكل بالفعل توجها نحو ترشيد الإنفاق العام، ولا يمكن إنكار أن تحقيق الاقتصاد في الورق والطباعة يمكن أن يساهم في تحسين الأوضاع المالية للبلاد. لكن في الوقت نفسه، يرى بعض النقاد أن هذه الخطوة تبدو كأنها غير كافية لحل تحديات الاقتصاد الوطني الهائلة التي تواجهها سوريا، وهي تجربة ضئيلة قياسا بمتطلبات الحياة المعقدة التي يواجهها المواطنون اليوم.

ما يجعل هذا القرار أكثر إثارة هو الجدل حول ترشيد المصروفات في المؤسسات الحكومية. حيث يرى الكثيرون أنه إذا كان المواطنون يتجهون نحو مشاكل المواصلات اليومية، فمن المنطقي تشجيع المسؤولين والموظفين الحكوميين على استخدام وسائل النقل العامة أكثر بدلا من الاعتماد على السيارات الحكومية الفارهة. إذ بالنهاية، يجد الكثيرون أن هذه الخطوة ستكون ذات تأثير إيجابي على رفعة وهيبة الدولة من قرار إلغاء طباعة المفكرات السنوية، وهذا التصرف يندرج تحت شعار “روح الانتماء الوطني”.

 وضع الوزارة سيء وتعيش بفوضى

تحت بند تقشف حكومي، أصدر رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس، أمس الأحد، بلاغا يطلب فيه من الجهات العامة إيقاف طباعة المفكرات السنوية حتى إشعار آخر، وذلك بهدف ترشيد الإنفاق العام ورفع كفاءته والاستخدام الأمثل له، وكذلك ترشيد استهلاك مادة الورق.

البلاغ بحسب عرنوس، جاء استنادا إلى ما تقرر في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 11 تموز/يوليو الماضي؛ بخصوص العمل على ضبط وترشيد الإنفاق في الوزارات والجهات التابعة أو المرتبطة بها، خلال الفترة القادمة وخاصة ما يتعلق بـالكهرباء، المحروقات، القرطاسية، الأثاث وغيره.

رغم أن أي قرار تقشف يجب أن يكون إيجابي في جميع حالاته، إلا أن قرار إيقاف المفكرات السنوية كان له صدى واسع من السخرية لدى السوريين، إذ بعد عدة اجتماعات دورية للحكومة، تخرج بقرار لم يشكل أي فائدة للمواطن، الذي لم يعد يستعمل المفكّرات سوى لتسجيل ديونه في البقاليات.

خلال رصد “الحل نت” لعدد من التعليقات على القرار، ذكر المواطن سليمان أبو الحسن متسائلا، “هل بعد قرار التوفير يعني أن هناك زيادة رواتب 10 بالمئة”، فيما تهكم باسم علي، قائلات “الحمد الله الشعب سيستفيد كثيرا من هل القرار العظيم”، مضيفا “خطوة إيجابية تسهم في حل معظم المشاكل والعقبات في هذا الزمن العصيب، الضربة القاصمة لظهر المغتربين”.

“خلصت الأزمة الاقتصادية” هي العبارة التي تم تداولها بشكل واسع، لكن تم ردفها بصيغة استفهامية حول عدم إقرار الحكومة لإلغاء سيارات الدولة التي يركبها المدراء والوزراء والمسؤولين، والتي تستهلك القدر الأكبر من المحروقات، في ظل نقص كبير للبنزين والمازوت داخل البلاد وارتفاع أسعاره، إذ إن احتياجات الحكومة من النفط الخام يصل إلى 2 و3 ملايين برميل شهريا.

أبطال التقشف

بعد انهيار العملة المحلية خلال الأيام الماضية، تداولت صفحات سورية مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تسخر من الظروف المعيشية المتردية التي وصلت إليها البلاد، وتعرضت الحكومة السورية لانتقادات لاذعة من قبل المتابعين، وتساءلوا عن كيفية تحمّل المواطن غلاء الأسعار في حين أن راتبه لا يشتري كيلو واحد من اللحم.

من ناحية أخرى، قال خبير اقتصادي من العاصمة دمشق، إن الأوضاع المعيشية التي وصل إليها المواطنون في البلاد سيئة جدا، واقتصاد البلاد في مرحلة خطيرة، نتيجة خسارة الليرة السورية لأكثر من 65 بالمئة من قيمتها خلال الأيام الماضية.

صحف سورية سخرت من تصريحات الحكومة التي تدعو المواطنين دائما إلى الصمود في مواجهة ارتفاع الأسعار حتى انتهاء الأزمة السورية، دون القيام بواجباتها تجاه المواطنين سواء برفع الرواتب أو بتحسين الوضع المعيشي قليلا، وسخرت الصفحة من شكل الصمود الحقيقي في البلاد “أبطال الصمود والتصدي.. هذه بعض الصور من أسطول السيارات، بيئة مناسبة للصمود”.

تظهر في المنشور صور بعض الشبان الأغنياء في البلاد، ويبدو أنهم إما أبناء مسؤولين أو أحد أمراء الحرب، إذ يحمل أحدهم سلاحا بيده، وتفاعل المتابعون بعد ذلك مع التدوينة وانتقدوا الحكومة السورية بشدة فكتبوا ” بس ماحدا ساعدو هو ضب ايدو شوي و تعب ع حالو، الله حيوااا أهل الصمود، ساحب سلفه لا تظلموه عايش عالراتب، عنجد بيئة مناسبة للصمود”.

أسباب قرارات الوزارة عند منتصف الليل

الوزير السابق عمرو سالم، والذي لم يصدح صوته إلا برفع الأسعار خلال توليه منصب وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بات يطل بكثرة منتقدا الحكومة وسياساتها بعد إقالته، حيث ذكر في حديثه أمس الأحد لإذاعة “نينار إف إم” المحلية، أن قرار إقالتي من الوزارة إبرة مخدر.

سالم لمح إلى أن قرارات الحكومة وخصوصا فيما يتعلق برفع الأسعار عند منتصف الليل كان اضطراري؛ من أجل أن يسري مفعول القرار الجديد عند الدقيقة الأولى من اليوم الجديد.

سلسلة من القرارات الحكومية صدرت مؤخرا، تتعلق بمزيد من رفع لأسعار السلع والخدمات في سوريا، أبرزها قرار وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، رفع سعر البنزين إلى 10 آلاف ليرة سورية، حيث تم رفع السعر بمقدار 1400 ليرة، الأمر الذي كان له انعكاسات على مختلف السلع والخدمات في البلاد.

أيضا ذكر سالم أن بنك “سوريا” المركزي بسياسته النقدية يتحمل مسؤولية ما يجري، بالإضافة إلى أن العقوبات ليست شماعة، ويجب على المصرف إيجاد مصادر جديدة لدخول القطع الأجنبي. إذ إن وضع السوق اليوم سيء للغاية ويعيش بفوضى والأسعار مرتفعة جدا بمقابل القدرة الشرائية الضعيفة.

الجدير ذكره أن مجلس الشعب خصّص الدورة “الاستثنائية” الأخيرة لدراسة ومناقشة الواقع الاقتصادي والمعيشي وسعر صرف الليرة السورية، إلا أنه ليس هناك أيّة إجراءات وقرارات حقيقية طارئة صدرت وحققت نتائج ملموسة على أرض الواقع.

في النهاية، يظل إلغاء المفكرات السنوية قرارا لا يستحق التحليل والنقاش العميق. إذا إن تنفيذه لن يساهم في خلق واقع اقتصادي جديد في ظل إسراف وترهّل في المؤسسات الحكومية، وهذا ما يجعل أداء الحكومة السورية دائما ما يطالها موجة انتقادات واسعة من الشارع السوري ومن كافة الفئات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة