قبل خمسة أشهر، عندما تم الإعلان عن عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، كان بعض المحللين يعتقدون أن ملف تطوير العلاقات بين السعودية وإسرائيل قد انتهى، لكن مع تطور الأحداث في الشرق الأوسط، وظهور عدم جدّية إيران في التعاون مع القوى الإقليمية لحل الملفات العالقة في المنطقة، يبدو أن ملف العلاقات بين الرياض وتل أبيب سيعود إلى الواجهة مجددا.

فأهداف الرياض من وراء إعادة علاقاتها مع طهران لم يتحقق منها ما يشجع المملكة على المضي قدما في ملف عودة العلاقات، لا سيما في ظل استمرار دعم الحكومة الإيرانية لـ”الحوثيين” المتمردين على الشرعية الدولية بالأسلحة، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول ما إذا كانت المحادثات بين الرياض وطهران في أيامها الأخيرة.

السعودية وإسرائيل لديهما العديد من المصالح المشتركة في الشرق الأوسط، أبرزها الملف الإيراني وما يتفرع عنه من مشاريع عدائية تمارسها طهران منذ سنوات، من التدخل في شؤون الدول العربية ودعمها الحركات المسلحة، إلى ملف تطوير برنامجها النووي وما يشكل من خطر على أمن واستقرار المنطقة.

تفاؤل إسرائيلي؟

في إطار جهود حكومته لتطوير علاقتها مع السعودية، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل والسعودية ستعمّقان العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما، حتى لو لم يعترف كل منهما بالآخر رسميا.

رغم عدم تطرقه إلى الجانب السياسي، لكن نتنياهو أشار خلال مقابلة أجرتها وكالة “بلومبيرغ” الأميركية الإثنين، إلى أن “تل أبيب غير مستعدة لتقديم تنازلات تهدد أمن دولة إسرائيل في إطار تطوير العلاقات مع السعودية”، الأمر الذي لا ينفِ بالطبع وجود رغبة إسرائيلية للمُضي قدما في العلاقات مع المملكة.

الإشكال الإيراني السعودي، يتعلق بالعديد من القضايا الإقليمية، هذا فضلا عن الرغبة الدولية  في عزل النظام الإيراني بعد تحالفه مع روسيا، إضافة إلى انعدام الثقة بين الجانبين اللذان بقيا على عداوة لمدة زادت عن 40 عاما، ما يطرح التساؤلات حول وجود آليات عملية وجدّية من أجل عودة العلاقات وفق اتفاق آذار/مارس الماضي.

هذا ما يعزز احتمالية أن نشهد تقدما في العلاقات السعودية الإسرائيلية، بعدما فشلت الرياض في احتواء خطر طهران من خلال فتح قنوات الاتصال معها بطريقة دبلوماسية، بينما تؤكد إسرائيل أن أحد أهدافها الاستراتيجية والعاجلة مواجهة الخطر الإيراني في الشرق الأوسط.

الباحث السياسي عفيف أسامة، رأى أن المملكة العربية السعودية ستُخطي خطوات لتطوير علاقاتها مع إسرائيل، لكن ستكون من البوابة الاقتصادية وربما بشكل بطيء بما يمهّد لتطير العلاقات السياسية، بهدف مواجهة التمدد الإيراني داخل الدول العربية، مشيرا إلى ارتفاع احتمالية انهيار الاتفاق الإيراني السعودي خلال الفترة القادمة.

قد يهمك: الصين وإيران.. اللاعبان الخفيان في أزمة النيجر

أسامة قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “بداية أنا أرى أن الاتفاق الإيراني السعودي هشٌّ ولا بدّ أن ينتهي في وقت ليس ببعيد، والشواهد على ذلك كثيرة منها تجميد فتح السفارة السعودية في دمشق التي لم يتوقف نظامها عن بيع الأراضي للإيرانيين ولرجال أعمال شيعة لبنانيين موالين لحزب الله اللبناني، كما لم يتوقف إنتاج وتهريب الكبتاغون من سوريا”.

أبرز ملفات المنطقة

كذلك وفيما يتعلق بالملف اليمني الذي يشكّل أهمية بالغة بالنسبة للرياض من وراء اتفاقها مع طهران، فعمليات تهريب الأسلحة للحوثيين من قِبل إيران لا تزال مستمرة، فضلا عن محاولة اغتيال وزير الدفاع اليمني في مدينة تعز والتي حمّلت الحكومة اليمنية جماعة “الحوثي” المدعومة إيرانيا المسؤولية عن تنفيذها.

أما فيما يتعلق بالملف اللبناني، فقد أوضح أسامة، أنه لو لم يكن اتفاق السعودية وإيران هشّا، لكان ألقى بظلاله على الملف الرئاسي اللبناني، لكن على العكس تماما “حزب الله” الذي يمثل إيران وسياستها ظلّ متمسكا بمرشحه مع مزيد من التعنت، وبقيت الدولة اللبنانية بلا رئيس إلى الآن، “بالنتيجة إيران لم تتخلى عن هدفها بالتمدد أكثر في المنطقة العربية ولا ننسى أن الخلاف مع إيران عقائدي ووجودي لأن إيران تمثل التطرف الشيعي في المنطقة”. 

بالتالي من وجه نظر أسامة، فإن “السعودية ستُخطي خطوات بطيئة وربما غير معلنة نحو التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، لما في ذلك مصلحة اقتصادية في الوقت الراهن واستراتيجية مستقبلية لمواجهة التمدد الإيراني داخل الدول العربية، و ستسير على خطى الدول العربية التي طبّعت العلاقات مع إسرائيل دون التخلي عن القضية الفلسطينية والتي اخترقتها إيران أيضا عبر الجماعات المحسوبة عليها”.

الاتفاق الذي تمّ بين السعودية وإيران في آذار/مارس، ركّز على عودة العلاقات الدبلوماسية عبر استئناف عمل البعثات الدبلوماسية، وبنود عامة مثل احترام السيادة المتبادل والابتعاد عن اللهجة العدائية في الخطابات، وقد خلا الاتفاق من أي  إشارة إلى الملفات التي تشكّل أساس التوتر والخلاف بين البلدين، وفي مقدمتها الملف اليمني والملف النووي الإيراني.

الاستراتيجيات السعودية في الوقت الراهن لعلها تكمن في تعزيز ترساناتها الأمنية، سواء كانت مساعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي العسكري أو الحصول على السلاح النووي، عبر عدة مسارات. أما الاستراتيجيات الأخرى فهي فكرة توسيع وتنويع علاقاتها مع عدة دول، لتحصين أمنها وتهدئة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، نظرا لاقتراب الخطر من أمنها.

عودة قريبة؟

التصريحات المتبادلة المتعلقة بعودة العلاقات الثنائية، توحي فعلا بوجود الرغبة، لكن الأخيرة وحدها بالتأكيد لا تكفي لحل العديد من المشاكل والخلافات العالقة على الرغم من التصريحات المتفائلة، والتي كان آخرها قول الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إن “إيران لن تقبل اعتبار السعودية عدو، أو أن تكون إيران عدوة لها”.

الأوساط الإسرائيلية، حاولت خلال الأشهر القليلة الماضية التقليل من تأثير عودة العلاقات بين السعودية وإيران، فهي ما زالت تراهن على استمرار مشاريع التطبيع مع دول الشرق الأوسط وتحديدا الدول العربية، وما يدعم هذه المحاولات هو أن عودة العلاقات بين الرياض وطهران، لا تعني بالضرورة أن الخلافات انتهت، فما زالت السعودية هي أبرز المتضررين من تطوير إيران لبرنامجها النووي.

هناك العديد من الأسباب التي ما زالت قائمة للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، خاصة على مستوى الخطر الإيراني، فحتى الآن كلُّ ما يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام من اتفاقٍ بين السعودية وإيران لم يتم، إنما ما حصل هو عودة العلاقات الدبلوماسية وهي الأخرى على أعتاب الفشل، وهذا لا يعني بالضرورة حلّ جميع الخلافات، أو نجاح السعودية في ضمان أمنها القومي المعرّض للتهديد بسبب برنامج إيران النووي.

وقفُ مساعي إيران في الحصول على القنبلة النووية هو أبرز ما يجمع الرياض وتل أبيب، فامتلاك طهران لهذا السلاح يعني تهديد كامل لأمن واستقرار المنطقة، وهنا أوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي وجدان عبد الرحمن في حديث سابق مع “الحل نت”، “الخلافات بين إيران والسعودية ليست فقط سياسية ودبلوماسية ومتعلقة بالنفوذ، هناك أيضا خلافات تاريخية وعقائدية بين الجانبين، فضلا عن التهديدات الإيرانية الأخيرة من خلال ميليشياتها وأذرعها بالمنطقة وعبر المسيّرات والصواريخ البالستية، لذلك ما زالت المملكة مرشّحة لتسهيل أي قرار حقيقي من قِبل المجتمع الغربي أو واشنطن لمواجهة هذه المخاطر”.

كذلك فإن المملكة العربية السعودية، قد تحتاج الجانب الإسرائيلي لمساعدتها في الحصول على موافقة الولايات المتحدة الأميركية بشأن البدء بتخصيب اليورانيوم، ما يعني أن هناك العديد من التعقيدات لتعزيز العلاقات السعودية الإسرائيلية، لكن في المقابل توجد مؤشرات عدة تدعم هذا التقارب خلال الفترة القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة