وسط انتشار السيارات الحديثة وموديلات العام 2023 بكثرة في مناطق الحكومة السورية، بالإضافة إلى طرح بعضها في المزادات العلنية للبيع في العاصمة دمشق، يدخل سوق السيارات من جديد لحلبة صراع غلاء الأسعار، لترتفع أسعار جميع السيارات إلى أكثر من 40 بالمئة، ووصول سعر أرخص سيارة إلى ربع مليار ليرة سورية، وسط شلل شبه كامل في حركة البيع والشراء.

اللافت أن مسؤولا في إحدى المؤسسات الحكومية السورية أقرّ بعدم وجود رقابة على سوق السيارات، وأنه أكبر سوق يسحب الكتلة النقدية بالليرة السورية والدولار، خاصة أن السيارات باتت مسعّرة بالدولار، وهو ما يخالف القوانين السورية. ولذلك هناك فساد وفوضى في الأسواق وأمام أعين الحكومة.

السيارات.. رتفاع غير مسبوق

خلال الأسابيع الماضية دخل سوق السيارات في ماراثون الارتفاع غير المسبوق ليتفوق هذا السوق على سوق العقارات لجهة ارتفاع نسبة زيادة أسعار جميع السيارات بحسب ما ذكره أهل السوق لصحيفة “البعث” المحلية يوم أمس الثلاثاء.

ارتفاع أسعار السيارات في سوريا- “فيسبوك”

الصحيفة المحلية تقول، إن الحسبة في هذا السوق لا تتوقف فقط على ارتفاع سعر الصرف الذي تُسعّر عليه السيارات اليوم علنا ليُضاف إليه العديد من الأسباب والحجج التي جعلت شراء هذه الآلية حكرا على التجار والأغنياء فقط. ومع الزيادة الأخيرة والمرتفعة لسعر البنزين بنسبة 167 بالمئة طغى الركود على سوق السيارات وانعدمت حركة البيع والشراء.

تاجرٌ للسيارات أكد للصحيفة المحلية ارتفاع سعر السيارات وقطع غيارها خلال الشهر الماضي بنسب كبيرة وصلت في الكثير من الأنواع إلى الـ 50 بالمئة، ليصل اليوم سعر أرخص سيارة  إلى ربع مليار ليرة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الشائعات التي تتحدث عن انخفاض سعر السيارات لا تمتّ للواقع بصلة.

بل على العكس فإن الارتفاع في الأسعار يكون شبه يومي، ولم يُخفِ تاجر السيارات أن حركة الشراء معدومة بالنسبة للمواطنين العاديين في حين تقتصر على الطبقة الغنية ممن يجمّدون أموالهم في العقارات والسيارات كون أسعارها في ارتفاع مستمر.

ليس فقط مع الغلاء الذي يجتاح البلاد، بل ومع أزمات النقل الخانقة في عموم المحافظات السورية ووعود الجي بي إس “الكمونية”، باتت أسعار السيارات في سوريا توصف بـ”الخيالية”، حيث طالب العديد من المواطنين عبر تصريحات صحفية سابقة بإعادة تفعيل مصانع السيارات داخل البلاد، والتي يبلغ عددها ثمانية، ثم انقطعت فجأة بقرارات حكومية متعثرة، وذلك بغية انخفاض أسعار السيارات. كما أن البعض رأى بأن الحل هو باستيراد المستعمل كونه يُباع بـ “تراب المصاري” خارج القطر.

فوضى في سوق السيارات

في المقابل قال عامر ديب، نائب المدير العام لمؤسسة رجال الأعمال العرب والسوريين إن سوق السيارات هو أحد أسباب معاناة الاقتصاد السوري، وسبب رئيسي في التضخم والمضاربة على الليرة السورية، لافتا إلى أن  المرسوم رقم /8/ يشمل مكاتب السيارات والعقارات، إلا أن “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية” لا تطبّق المرسوم على السلع، فكيف إذاً على السيارات.

ديب، أكد أن سوق السيارات أكبر سوقٍ ساحب للكتلة النقدية بالليرة السورية والدولار، خاصة وأن تسعيرة السيارات يتم بالدولار، نتيجة التلاعب بسوق السيارات من قبل “شقيعة” أي أشخاص متنفذين ويقف وراءهم جهات مدعومة، داعيا الجهات الحكومية بضرورة ضبط هذا السوق وإيجاد آلية تسعير صحيحة.

إلى جانب ضرورة تشجيع الصناعيين اليوم وضمان دوران رأس المال للمستثمر، كون أي مصنع يحتاج لأعوام للإنتاج لذا يجب إعطائه إجازة استيراد بناء على موافقة إنشاء المصنع وبدء العمل فيه، أي أن يتم إشادة المصنع وكتابة تعهد لوزارة الاقتصاد أن هذا المصنع خلال سنة سيتم تنفيذه فيأخذ المستثمر بذلك إجازة استيراد لـ 100 سيارة سياحية وشحن لتحريك رأس المال وتمويل مصنعه من الأرباح وبذلك يكون كسب الوقت، ورشد الاستهلاك وحرّك استثمارات ووفر إصلاح سيارات مهترئة في السوق وخفف من التضخم.

في خضم ارتفاع أسعار كل شيء تقريبا، خاصة حوامل الطاقة من المحروقات والكهرباء وغيرها في البلاد، ووسط غياب الرقابة وسيطرة المتنفذين و”الحيتان” على الأسواق السورية عموما، يبدو أن سوق السيارات بات بالفعل تحت سيطرة هؤلاء، إذ يتحكمون فيها كيفما يشاؤون، من استيراد السيارات الحديثة والفارهة إلى السيارات المستعملة وما إلى ذلك، وبيعها بأسعار خارج مقدرة عموم السوريين في الداخل.

في الواقع، غير معروف مَن يدير عملية استيراد أو تهريب السيارات والاتجار بها ولصالح مَن، ولكن المعروف حتى الآن أن أسعار معظمها توصف بـ”الخيالية”، فقد أصبح شراء السيارات بعيدا عن متناول معظم السوريين اليوم، وكأن الحصول على سيارة خاصة ضربٌ من الخيال، فيما يبدو أنه أصبح حكرا على الطبقة المخملية من التجار الكبار والأثرياء الذين يشكّلون النسبة الأقل في سوريا.

تحكم المتنفذين بسوق السيارات

يُرجع بعض تجار السيارات سبب غلاء هذا السوق إلى سيطرة بعض المتنفذين والمضاربين على أسعار سوق السيارات والمزادات. بمعنى أنه ثمة بعض المجموعات هي من تسيطر على هذا السوق ويتحكمون فيه وفق أهوائهم ويرفعون الأسعار حسب ما يريدون، دون وجود رقابة أو أي دورٍ للحكومة في تسهيل حصول المواطنين على السيارات، سواء عبر استيرادها ووضع شروط تتناسب مع الواقع المعيشي، من تقسيطٍ وما إلى ذلك، أو بمنح قروض تمكّنهم من الحصول على سيارةٍ خاصة بهم، لاسيما وأن أزمة المواصلات والنقل تتفاقم يوما بعد الآخر.

في المقابل، طرح البعض فكرة فتح استيراد السيارات بالتعاون مع الدول الصديقة، مشيرينَ إلى أنه حتى السيارات الحكومية قديمة وتعود لثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، وهي مرهقة جدا لميزانية الجهات العامة، إذ إن تصليحها بات يكلّف أكبر من قيمتها.

فيما تساءل البعض ”أليست مؤسسة التجارة الخارجية واحدة من المنصات التي باعت سيارة بقيمة وصلت إلى 3.8 مليارات ليرة سورية مؤخرا، عدا عن الرسوم والجمركة وغيرهما، فكيف سيلتزم التاجر والمواطن بسقف منطقي للأسعار“.

أحد خبراء الأسواق والسيارات أوضح لموقع “غلوبال نيوز” المحلي في وقت سابق، أن طريقة حساب قيمة السيارات هي من أكبر الأخطاء الشائعة في الأسواق السورية، محذرا من أن تقييم البضائع والسيارات والعقارات وفق أسعار صرف الدولار في السوق الموازية يشبه السرطان المستشري في الجسد بالنسبة لاقتصاد البلاد، ويجب تشديد المحاسبة على هذا الموضوع.

مزادات لسيارات حديثة في دمشق- “فيسبوك”

على سبيل المثال، فإن سيارة نوع “كيا” طراز “ريو- 2010″، كاملة المواصفات، كان سعرها قبل عام 2011 ما يعادل عشرة آلاف دولار في السوق الموازية، فكيف تباع في عام 2023 بسعر يعادل عشرة آلاف دولار، رغم أن كل قوانين الكون الاقتصادية تفيد بأن أسعار الأصول ولاسيما السيارات التي تخسر نسبة كبيرة من قيمتها السعرية مع مضي كل عام، لأنها ببساطة تخسر من قوتها وتتعرض للاهتراء وتحتاج مصاريف أكثر للصيانة، ناهيك عن زيادة صرفيات الوقود والزيت.

مؤخرا، أثار بيع سيارة “بي إم دبليو” بمبلغ يصل إلى 4 مليار ليرة سورية حفيظة الكثيرين، لا سيما وأن 70 بالمئة من السوريين يعتمدون في شراء المواد الغذائية والمحروقات على “البطاقة الذكية”، والتي تدل على أن حاملها من الطبقة الفقيرة.

إلا أن هناك العديد من المناطق في سوريا التي تتمتع باقتصاد أقوى من غيرها. على سبيل المثال، تتمتع مدينة طرطوس باقتصاد قوي، مما يسمح للكثير من سكانها بالعيش في ظروف معيشية أفضل من سكان المناطق الأخرى، ولكن هل ذلك يسمح لهم باقتناء سيارة بمليارات الليرات.

مؤخرا، بيعت في مزاد علني بدمشق، سيارة “بي إم دبليو” موديل “740i” والتي تعتبر سيارة كاملة الحجم فاخرة ألمانية المنشأ، يتم تصنيعها وإنتاجها بالكامل في ألمانيا، بقيمة 3 مليارات و850 مليون ليرة سورية، والذي يُعدّ ضعف سعرها المتعارف عليه دوليا والذي يُقدر بـ 93 ألف دولار أي ما يعادل مليار ونصف ليرة.

لم يقتصر هذا الظهور المثير للجدل على الشوارع فقط، بل نشر موقع “صاحبة الجلالة” المحلي مؤخرا، إعلانا يكشف عن إقامة مزاد علني لبيع سيارات موديل العام 2023، وذلك في مدينة “الجلاء” بالصالة الرياضية على أوتوستراد المزة. وأضيف إلى ذلك الإعلان صور بعض السيارات الفاخرة المشاركة في المزاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات