منذ أكثر من نصف شهر، تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا احتجاجات سلمية غير مسبوقة، تنادي بالحرية والعدالة والتغيير السياسي. فقد خرج آلاف الأهالي إلى الشوارع والساحات، رافعين شعارات تستهدف منظومة الحكم السياسي في دمشق مطالبين برحيلها وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. كما عبروا عن رفضهم للتدخلات الإيرانية والروسية في شؤون بلادهم، وللفساد والقمع والاستبداد الذي يعانون منه.

عبر معلومات خاصة وتسريبات مثيرة، رجحت مصادر مطلعة بأن الحكومة السورية بصدد استخدام حبوب المخدرات “الكبتاغون” كأداة من أجل تبرير قمع هذه الاحتجاجات، وذلك من خلال إغراق المحافظة بكميات كبيرة من المخدرات. واستندت هذه المصادر على شهادات من داخل المحافظة، وتحليلات لتقارير رسمية من داخل أروقة دمشق عن التعامل مع الاحتجاجات.

“الكبتاغون” وسيلة جديدة

“الكبتاغون” هو مخدر يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، ويزيد من نشاط الشخص وثقته بنفسه، ولكنه يسبب أضرارا جسدية ونفسية خطيرة، مثل التشنجات والهلوسة والعنف. وقد استخدم هذا المخدر في سوريا من قبل القوات النظامية وبعض الميليشيات الموالية له، لزيادة قدرتهم على التحمل في المعارك. كما استخدم هذا المخدر في سوريا كأداة للترويج لصورة سوداء عن المعارضة، بادعاء أنها تستخدمه لزرع الفوضى والإرهاب.

لكن ما هو جديد في هذه المرحلة هو أن الحكومة السورية تخطط لإطلاق حملة مكثفة لترويج هذا المخدر في السويداء، بهدف إثارة الفتنة بين أبناء المحافظة، وإثبات أن المظاهرات التي تشهدها ليست سلمية أو شعبية، بل هي نتاج لاستمرار تجارة المخدرات. 

هذه الحملة تتم بالتنسيق مع بعض العناصر الموالية للجيش السوري داخل المحافظة، حيث بدأت إجراءات هذه الخطة وفق ترجيحات مصادر “الحل نت” بانسحاب جميع الأجهزة الأمنية من المحافظة، وإخلاء الحواجز العسكرية من الطرق الرئيسية بين المدن والقرى، فيما بقية الحواجز التي تحيط الحدود الإدارية للمحافظة.

الخطة المرجح العمل بها جاءت بعد أن شهدت هذه المحافظة الجنوبية في سوريا في الوقت الحالي تحديات خطيرة ومعقدة. إنها تجربة حياة جديدة لأهلها، تمتزج فيها آمال الحرية والعدالة بالقلق والترقب. ففي زمن اندلاع الانتفاضات الشعبية في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يبدو أن السكان في السويداء أخذوا على عاتقهم مهمة المطالبة بحقوقهم وكرامتهم بحزم وسلمية.

على الرغم من صمت السويداء السابق في وجه الاحتجاجات التي اجتاحت العديد من مناطق سوريا، إلا أن الأحداث الحالية تشهد تحولا ملحوظا في سلوك الأهالي. السبب وراء هذه الاحتجاجات المتصاعدة هو الرغبة في تحقيق الحرية والعدالة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يواجهونها.

إلا أن هناك مخاوف متزايدة بشأن استجابة الحكومة السورية خصوصا بعد صمتها غير المبرر وعلى غير العادة خلال الأيام السابقة، ويبدو أن ذلك يأتي لتخطيط الحكومة السورية لاستخدام وسيلة غير تقليدية لقمع هذه الاحتجاجات السلمية. فبدلًا من اللجوء إلى القمع العسكري المباشر، يتم ترويج معلومات حول انتشار حبوب المخدرات “الكبتاغون” في السويداء من أجل تبرير التدخل العسكري كوسيلة لتفتيت المظاهرات وإثارة الفوضى داخل المحافظة.

التلاعب بالكلام والبيانات

هذا السيناريو المقلق في كسر إرادة الشعب يرجح نجاحه الخبير العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، لا سيما أنه يهدف أساسا لتغيير موقف المجتمع الدولي، الذي يطالب الحكومة السورية منذ سنوات بضبط الحدود الجنوبية من عصابات تهريب المخدرات.

ما يرجّح العمل بهذا السيناريو من قبل القوات الأمنية السورية بحسب حلاوة، هو بدء التلفزيون الرسمي بتناول موضوع الاحتجاجات بدأ من الأربعاء الفائت، رغم استمرارها منذ 11 يوما، وتزامن ذلك مع انسحاب الحواجز العسكرية من الطرق الرئيسية المؤدية للمدن والقرى في المحافظة.

التلفزيون الرسمي السوري  أفرد يوم الأربعاء الفائت، مساحة للمذيعة إليسار معلا، ناقشت الحالة التي تعيشها السويداء، تحت عنوان “المؤامرة والمخطط والخطاب الوطني”، وكان لافتا التركيز وتكرار عدة نقاط منها كلام الشيخ يوسف الجربوع المسؤول عن دار الطائفة في “مقام عين الزمان”، ويتركز نفوذه الديني في مدينة السويداء والقرى الصغيرة المجاورة لها، عندما تحدث لمبعوث الرئيس السوري، إلى السويداء، محافظ ريف دمشق صفوان أبو سعدة المنحدر من السويداء، حول عدم الخروج عن السلطة الحاكمة، والذي وصفته بأنه “يثلج الصدر”.

الحديث ذهب أكثر إلى أن دمشق أو “الدولة” تعرف كيف تتعامل مع المحافظة وتعلمت من التجارب المتراكمة، وطريقة التعاطي الحالية قائمة على “برود الأعصاب”، وأن الدولة قادرة على القتل لكنها لن تتجه إلى هذا المسار، مشيرة إلى أنه إذا خرجت السويداء عن السيطرة ستشهد ظهور “جولاني ثاني”، إشارة إلى زعيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، أبو محمد الجولاني.

هل ينتظر السويداء مصير أسود؟

لم يقتصر تعاطي الإعلام الحكومي مع احتجاجات السويداء على هذا الحد، بل نشرت صفحة وزارة الإعلام السورية على “فيسبوك” بيانا زعمت أنه صادر عن عائلات جبل العرب، مضمونه موجهٌ ضد الحراك الشعبي في السويداء. وتضمن المنشور ورقتين تحتوي إحداهما على تواقيع عدد من وجهاء العائلات.

بحسب ما نشره موقع “السويداء 24″، فقد تبيّن أن ثلاثة من الأسماء التي نُسبت التواقيع لها، نفوا معرفتهم بالبيان، وقالوا في منشورات على صفحاتهم وصفحات أقاربهم شخصية، إن التواقيع المرفقة مع أسماءهم مزورة، وهم بهيج الطويل حسب منشور لابنه، ورياض قرعوني، وكمال بكري، كما نفت صفحة “آل الصحناوي” توقيع العائلة على البيان.

طبقا لتحليلات الخبير العسكري، فإنه لا يمكن التنبؤ بمصير السويداء بشكل قاطع، لأن هذا يعتمد على عوامل عديدة، منها ردة فعل الحكومة السورية وخططها المرجحة ورد القوى الإقليمية والدولية، إذا ما حقا انتهجت حملتها في إغراق المحافظة بالمخدرات من أجل التدخل عسكريا.

لكن استمرار الاحتجاجات في السويداء، وإخلاء الجيش السوري لثكنات وحواجز عسكرية في قرية الرحى شرقي المحافظة، وثكنات على طريق السويداء صلخد جنوب المحافظة، يشير أن الحل الأمني والعسكري هو خيار مطروح على الطاولة لكن لخصوصية السويداء سيتم ذلك عبر سيناريو مختلف.

قد تكون هذه الحملة مضادة لدمشق، فبدلا من كسب التأييد أو التسامح من سكان المحافظة، قد تزيد من رفضهم واستنكارهم للحكومة والسلطة السياسية وسياساتها. كما قد تعرّض هذه الحملة دمشق لانتقادات واتهامات دولية، خاصة من المنظمات الحقوقية والإنسانية، التي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. وفي حال استمرار احتجاجات السويداء أو انتشارها إلى مناطق أخرى، قد تجد الحكومة السورية نفسها في مواجهة ضغط شعبي متزايد لإجراء إصلاحات جذرية أو التخلي عن السلطة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات