من الجدير بالذكر أن الصِرافة تشكل قطاعا حيويا في الاقتصاد السوري، حيث تعتمد العديد من الأُسر على تلقي الحوالات من الخارج لسد احتياجاتها الأساسية. وبالنظر إلى تدهور قيمة الليرة السورية بشكل مستمر، تصبح الحوالات أكثر أهمية من أي وقت مضى للكثيرين.

لكن ظاهرة ارتفاع أجور الحوالات بدأت تأخذ منحنىً آخر ففي هذا السياق، تروّج شركات الصرافة إلى أن أحد أسباب الحفاظ على استدامة أعمالها في وجه التحديات الاقتصادية الراهنة، عبر زيادة أجور الحوالات، لتحرك أعمالها ولتعويض خسائرها المتزايدة نتيجة انخفاض قيمة الليرة وزيادة تكاليف العمل. 

شركات الصرافة في سوريا تستغل الأزمة الاقتصادية

ارتفعت أجور الحوالات بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، مما أثقل كاهل المستخدمين وقلّصت من قدرتهم على التحويل والاستقبال. ففي حين كانت أجور الحوالات تتراوح بين 1 بالمئة و3 بالمئة من قيمة المبلغ المحوّل، أصبحت تصل إلى 10 بالمئة أو أكثر في بعض الأحيان. وهذا يعني أن المستخدم يدفع مبلغا إضافيا كبيرا لشركة الصرافة، دون أن يستفيد منه المستقبل.

منذ أمس الأحد، شهدت شركات الصرافة العاملة في سوريا بكافة فروع المحافظات ارتفاعا بأجور الحوالات، فحسب شركة “الهرم” باتت القيمة المستقطعة على المبلغ من 1 إلى 25 ألف ليرة سورية هي 800 ليرة، أما المبلغ الذي يصل إلى 50 ألف ليرة، فقيمة الحوالة ألف ليرة.

في حين وصلت القيمة المستقطعة على المبلغ نصف مليون إلى 750 ألف ليرة سورية إلى 10 آلاف ليرة، وما فوق المليون إلى المليونين 20 ألف ليرة، في حين بلغت قيمة الحوالة لـ 5 ملايين ليرة سورية 50 ألف ليرة. 

أسباب الزيادة الكبيرة التي أقرتها شركات الصرافة السورية، تعود وفقا لتصريحاتهم إلى الزيادة أسوة بباقي الخدمات نتيجة لارتفاع أسعار المحروقات وزيادة الرواتب والأجور الفائتة.

أجور الحوالات في سوريا عبء إضافي

بحسب حديث مالك محل صرافة “الطيف”، عمر البرماوي، لـ”الحل نت”، فإن ارتفاع أجور الحوالات في سوريا يرجع إلى عدة عوامل، منها انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، مما يزيد من تكلفة تحويل الأموال من وإلى سوريا وحتى داخل المحافظات السورية.

أيضا كما حدث مع بقية التجار، فإن ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء والضرائب والرواتب، زاد من تكاليف التشغيل لشركات الصرافة، وفقا للبرماوي. لكنه لم يخفِ استغلال بعض شركات الصرافة للأزمة الاقتصادية لزيادة أجور الحوالات بشكل غير مبرر، لتعويض خسائرها من فرق العملات أو لزيادة أرباحها.

بالمقابل فإن ارتفاع أجور الحوالات أثّر سلبا على المستخدمين والاقتصاد السوري بطرق مختلفة، منها تقليل قدرة المستخدمين على التحويل والاستقبال، خاصة للمغتربين الذين يحتاجون إلى مساعدة ذويهم في سوريا. فضلا عن تقليل قيمة المبالغ المحوّلة أو المستلمة، بسبب خصم أجور الحوالات منها.

ليس ذلك فحسب، بل توقّع البرماوي أن يقلّ حجم التجارة والاستثمار بين سوريا والدول الأخرى، بسبب زيادة تكلفة التحويلات، والذي بدوره سيزيد من مشكلة التضخم والفقر والبطالة في البلاد، بسبب انخفاض الدخل والإنفاق.

التدخل الحكومي لتنظيم سوق الحوالات السبب؟

التدخل الحكومي لتنظيم سوق الحوالات وحول مدى مشروعية وضرورة وفعالية هذا التدخل، والآثار والتداعيات المحتملة له على السوريين والاقتصاد السوري، انقسمت فيه الآراء إلى فريقين رئيسيين، الأول يرفض التدخل الحكومي في سوق الحوالات، ويعتبره تعدّيا على حرية السوق والمنافسة، ومصدرا للتّشوهات والانحرافات الاقتصادية.

هذا الفريق يستند إلى النظرية الليبرالية أو النيوليبرالية، التي تؤمن بأن قانون العرض والطلب هو المحدد الأساسي لأسعار وكفاءة السوق، وأن التدخل الحكومي يؤدي إلى خلق فجوات وفشل في السوق، وإلى خفض رفاهية المستهلكين. كما يستشهد هذا الفريق بالقوانين والاتفاقيات الدولية التي تحظّر أو تحدّ من التدخل في الأسواق المالية، مثل منظمة التجارة العالمية.

أما الفريق الثاني يؤيد التدخل الحكومي في سوق الحوالات، ويعتبره ضرورة ملحّة لحماية المستخدمين والاقتصاد من تأثيرات سلبية قد تنجم عن ترك السوق دون رقابة أو تنظيم. ويستند هذا الفريق إلى النظرية التدخلية أو المختلطة، التي تؤمن بأن قانون العرض والطلب لا يكفي لضمان كفاءة وعدالة السوق، وأن التدخل الحكومي يؤدي إلى تصحيح فشل السوق، وإلى زيادة رفاهية المستهلكين. كما يستشهد هذا الفريق بالأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سوريا، وبضرورة حماية المجتمع من آثارها.

لكن في سوريا السائد أن التدخل الحكومي في سوق الصرافة والتي يقوم بها البنك المركزي أو الحكومة للتأثير على سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، بغرض تحقيق أهداف اقتصادية أو سياسية، هو السبب الرئيسي بنظر البرماوي، خصوصا لعدم قدرتهم منذ سنوات على تثبيت سعر الصرف والحد من التقلبات غير المبررة أو المضرة بالاقتصاد.

مع ارتفاع أجور الحوالات في شركات الصرافة السورية، والحديث أن العام القادم قد تشهد الحكومة السورية عجزا يصل إلى 50 ألف مليار ليرة، بينما تظهر الأرقام الرسمية للميزانية أنها لا تصل إلى هذا الرقم الهائل، تزداد التساؤلات حول وضع الليرة السورية، وأن هذا الانحدار المالي يبدو وكأنه ينبئ بتدهور أكبر في القيمة الشرائية للعملة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات