يبدو أن أحدث القضايا التي تجتاح سوريا تتعلق بمصير قطاع الزراعة وزراعة الخضار والفواكه على وجه التحديد، فمستقبل الزراعة في البلاد بات يشكل تحديا كبيرا للحكومة والمجتمع المحلي، حيث تشير بعض الأصوات إلى أن الزراعة قد تشهد تراجعا كبيرا في الأعوام القادمة.

أحد العوامل الرئيسية التي تضغط على المزارعين هي تكاليف زراعة الخضر والفواكه التي تفوق عائداتهم من مبيع المحاصيل، حيث يعيش المزارعون في حالة من عدم اليقين والترقب حيال مستقبل مشاريعهم الزراعية، مما يمكن أن يؤدي إلى تراجع إنتاج الزراعة.

الأسعار ارتفعت 60 بالمئة خلال أسبوع

سوريا التي كانت تعتبر من أغنى الدول العربية بالثروة الزراعية، ومن أهم المصادر للخضر والفواكه في المنطقة، تواجه خطر فقدان هذه الثروة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية والبيئية في البلاد، قد أدى هذا التدهور إلى تضرر حياة الملايين من الفلاحين، الذين يشكلون نحو ربع سكان سوريا، وإلى هجرة كثير منهم من ريفهم إلى المدن أو إلى خارج البلاد، بحثاً عن فرص عمل أخرى. 

بشكل متناقض، حذر عضو لجنة تجار ومصدري الخضر والفواكه بدمشق، محمد العقاد، الثلاثاء الفائت، من تراجع الزراعة وأن وضع المزارع يتحول إلى الأسوأ، مؤكدا أن المزارع خاسر لأن أسعار مبيع الخضر والفواكه لا تغطي تكاليف زراعتها وجنيها ونقلها، متوقعا أن تتقلص الزراعة خلال العام القادم، وترتفع أسعار الخضر والفواكه أكثر من العام الحالي في حال لم تتدخل الحكومة وتدعم الزراعة بشكل أكبر.

لكنه أكد أن الصادرات السورية من الخضر والفواكه إلى دول الخليج تعتبر جيدة وبأفضل حالاتها، وخصوصا الفواكه ولاسيما إلى السعودية ومن المتوقع أن تتحسن أكثر خلال الأيام القادمة، أما عن الحركة في الأسواق الداخلية فهي بطيئة جدا بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن.

العقاد” لفت إلى أن هناك انخفاضا في إنتاج المحاصيل من الخضر والفواكه هذا العام قياسا بالعام الماضي بنسبة كبيرة كما أن أسعار الفواكه خلال العام الحالي ارتفعت مقارنة بالعام الماضي بنسبة تتراوح 50 إلى 60 بالمئة، بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة وأسعار الأسمدة والبذار والنقل واليد العاملة والمازوت الذي يباع للمزارع بنحو 18 ألف ليرة لليتر الواحد الأمر الذي ينعكس سلبا على الأسعار وعلى كلفة الخضر والفواكه في الأسواق الداخلية.

سوريا ستتحول لدولة مستوردة

لم تقف تصريحات العقاد عند هذا الأمر، بل أشار إلى أنه لابد من الوقوف مع المزارع حتى لا تضطر دمشق لاستيراد الخضر والفواكه بالأعوام القادمة؛ فالوضع مع الفلاح سيئ ومع المواطن أسوأ لكنه مع المصدرين ممتاز، لأن الصادرات اليوم بأفضل حالاتها مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، نتيجة الطلب الكبير على المنتجات السورية وتغيرات سعر الصرف.

من خلال الإحصائيات التي جمعها “الحل نت”، تبين أنه في عام 2021، شهدت سوريا أخفض نسبة لإنتاج القمح منذ خمسين سنة، حيث بلغ إنتاجها 1.2 مليون طن فقط، مقارنة بـ 2.2 مليون طن في عام 2020، كما انخفض إنتاج الشعير إلى 200 ألف طن، مقارنة بـ 800 ألف طن في عام 2020، وأرجعت منظمة “الأغذية والزراعة” التابعة للأمم المتحدة (الفاو) هذا التراجع إلى تأثير الجفاف والحرب والأزمة الاقتصادية.

أما في عام 2022، توقعت “الفاو” أن تستمر نسبة تراجع الزراعة في سوريا، حيث قدرت المساحة المزروعة بالقمح بـ 1.5 مليون هكتار، مقارنة بـ 1.6 مليون هكتار في عام 2021، كما قدرت المساحة المزروعة بالشعير بـ 1.4 مليون هكتار، مقارنة بـ 1.5 مليون هكتار في عام 2021، وأشارت إلى أن الأسباب الرئيسية لهذا التراجع هي نقص المياه والأسمدة والبذور والوقود والآلات.

في حين لم تصدر “الفاو” أي تقرير رسمي عن نسبة تراجع الزراعة في سوريا لعام 2023 حتى الآن، لكن بعض المصادر المحلية أفادت بأن الوضع يزداد سوءا، خصوصا بعد رفع الحكومة السورية أسعار المازوت والأسمدة، وسط توقعات بأن تتقلص الزراعة خلال العام القادم، وترتفع أسعار الخضر والفواكه أكثر من العام الحالي.

بحسب تقارير متخصصة، فإن سوريا اضطرت إلى استيراد كميات كبيرة من المواد الغذائية، مثل القمح والذرة والسكر والزيوت، لسد حاجاتها، كما اضطرت إلى استيراد بعض أصناف الخضار والفواكه التي كانت تصدّرها سابقا، مثل العدس، وهذه الإجراءات زادت من عجز الموازنة وأثقلت كاهل المواطنين.

هجرة الفلاحين بدأت

هجرة الفلاحين السوريين نحو الغرب هي ظاهرة جديدة نسبيا، تزامنت مع تدهور الأوضاع الزراعية والاقتصادية والأمنية في سوريا، بسبب الحرب الأهلية والجفاف والأزمة المالية، حيث شملت الفلاحين في مختلف المناطق والمحافظات في سوريا، لكنها تركز بشكل أكبر في المناطق الريفية والزراعية، مثل حلب وإدلب والحسكة والرقة ودير الزور.

بحسب حديث المزارع، مروان القيق، لـ”الحل نت”، فإن هجرة الفلاحين السوريين نحو الغرب تهدف إلى البحث عن فرص عمل وعيش أفضل في دول أوروبية مثل ألمانيا والسويد وهولندا، حيث يأملون في الحصول على حقوق المواطنة والاندماج في المجتمعات المضيفة رغم خطر الموت غرقا أو بردا أو جوعا أثناء رحلة التهريب عبر تركيا والبحر المتوسط.

في عام 2020، حصل 50 ألف و200 سوري على جنسيات أوروبية، وشكلوا 7 بالمئة من جميع الحاصلين على الجنسيات الأوروبية المكتسبة، من بينهم، حصل 24 ألف و600 سوري على الجنسية السويدية، وهي أعلى نسبة بين دول الاتحاد، ومعظمهم كان من الفلاحين.

في حين وبحسب الأرقام التي رصدها “الحل نت”، سجلت “فرونتكس” في عام 2021، نحو 330 ألف محاولة من قبل المهاجرين وطالبي اللجوء لعبور الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي بطريقة غير شرعية، وهو أعلى رقم مسجل منذ عام 2016، ولم تذكر “فرونتكس” نسبة السوريين من بين هؤلاء المهاجرين، لكنها ذكرت أن أغلبهم يأتون من سوريا وأفغانستان.

في عام 2022، لم تصدر “فرونتكس” أو “يوروستات” أي تقرير رسمي عن عدد السوريين المهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن بعض المصادر غير الرسمية تشير إلى أن هذا العدد قد ازداد بشكل ملحوظ، ووفقا لصحيفة “أخبار سير”، فإن نحو 82 ألف سوري وصلوا إلى دول الاتحاد في منذ بداية عام 2023، معظمهم من طبقة الفلاحين والزراعيين عبر طرق غير قانونية.

بعد أن كانت سوريا من أغنى الدول العربية بالثروة الزراعية، ومن أهم المصادر للخضر والفواكه في المنطقة، يبدو أنها الآن تواجه خطر فقدان هذه الثروة، وهذه المشكلات تطرح تساؤلات حول قدرة سوريا على استعادة ثروتها الزراعية، التي كانت تشكل نحو 25 بالمئة من إجمالي ناتجها المحلي، وهل يمكن لسوريا أن تحافظ على تنوعها البيولوجي والزراعي في ظل هجرة الفلاحين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات