بينما تستمر أزمة رئاسة الجمهورية في لبنان منذ أكثر من عشرة أشهر، نتيجة انقسام القوى السياسية حول أحقّية المنصب، وفي الوقت الذي أنهى للتو مبعوث الرئيس الفرنسي الخاص إلى لبنان، جان إيف لودريان، زيارته الثالثة إلى بيروت من أجل التوصل لحل توافقي؛ يجري الحديث في الأوساط اللبنانية، عن أن الأوضاع تتجه نحو الحسم بين مرشح المعارضة قائد الجيش جوزيف عون، ورئيس “تيار المردة”، مرشح “حزب الله” وحلفائه، سليمان فرنجية.

فبعد أن فشلت جميع محاولات حسم منصب الرئاسة، ومع عدم توصل المبعوث الفرنسي إلى حلّ رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها منذ أشهر في دفع القوى اللبنانية نحو طاولة حوار يمكن أن تنهي الأزمة؛ قال وزير الإعلام اللبناني، زياد مكاري، “إننا ندخل في مرحلة فرنجية – عون”، بإشارة لاتجاه الوضع السياسي حول منصب رئاسة الجمهورية لحصر المنافسة بين المرشحين.

الأمر الذي يعني اقتراب المعارضة اللبنانية من تبني ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، لرئاسة الجمهورية بدلا من مرشحها الوزير السابق جهاد أزعور- الذي لم ينجح في حصد الأصوات الكافية لتسلّم منصب رئاسة الجمهورية- في مواجهة رئيس “تيار المردة” النائب السابق سليمان فرنجية، مرشح “حزب الله” وحلفائه.

لبنان وثنائية “فرنجية – عون”

إذ سبق وتبنت المعارضة اللبنانية، أزعور -الذي يعمل مسؤولا كبيرا في “ًصندوق النقد” الدولي- كمرشح لها لمنصب رئيس الجمهورية، بعد أن فشل في حصد تأييد ثلثي أعضاء “البرلمان” المطلوبين للفوز، حيث حصل على 59 صوتا في الجولة الأولى، مقابل 51 صوتا لسليمان فرنجية، المدعوم من “حزب الله” المدعوم إيرانيا، قبل أن ينسحب نواب “حزب الله” وحلفائه بمن فيهم حركة “أمل” الشيعية من الجلسة لعرقلة مسعى الأحزاب المسيحية الرئيسية لانتخاب أزعور.

قائد الجيش اللبناني جوزيف عون/ إنترنت + وكالات

بعد ذلك، انزلق لبنان أكثر فأكثر إلى أزمة الرئاسة، مما زاد التوترات الطائفية وتبددت الآمال في إحياء الدولة المنهارة اقتصادية منذ العام 2019، والتي تنتظر انتخاب رئيسا للجمهورية بفارغ الصبر، أملا في إنقاذ البلاد من كارثتها، وهو ما يتطلب بحسب قوى المعارضة، رئيسا مقبولا دوليا، ويتمتع بمؤهلات تساعده في التعاون مع “صندوق النقد” الدولي، الذي يشترط إصلاحات قاسية لتقديم المساعدة، وهو ما يرفضه “حزب الله” الذي يبحث عن مرشح يداري أجنداته.

حاليا، لا يزال الملف الرئاسي عالقا عند الاصطفافات السياسية وثبات القوى السياسية على مواقفها، إذ يرفض حزب “القوات اللبنانية” الحوار الذي اقترحه رئيس “البرلمان” نبيه برّي لمدة 7 أيام بحدوده القصوى، وينتهي بجلسات متتالية تُنهي الشغور الرئاسي، فيما يصرّ ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل” على ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وذلك في الوقت الذي لا يستجيب فيه الثنائي الشيعي لجهود المبعوث الفرنسي، الذي اقترح حوارا بين القوى السياسية للخروج من الأزمة.

هذا المشهد، أدى للانتقال من “مرحلة فرنجية – أزعور إلى مرحلة سليمان فرنجية – جوزيف عون”، فلا مرشح سواهما، بحسب وزير الإعلام، مكاري، الذي أكد أن فرنجية مرشح ثابت بدعم حلفائه وينطلق من قاعدة 51 صوتا مرشحة للارتفاع في أي جلسة مقبلة، وأن انسحابه غير وارد، معتبرا أن وصول جوزيف عون، ليس مسهّلا لأنه يحتاج إلى تعديل دستوري؛ ما يحتاج إلى توافق، وهذا يتطلب موافقة الثنائي الشيعي الذي لا يزال متمسكا بفرنجية بالتالي لم يتغير شيء حتى الآن.

في حين، يعتقد النائب في “البرلمان” أشرف ريفي، أن الأفضلية في ملف الرئاسة لقائد الجيش في هذه المرحلة الاستثنائية، قائلا، إن فرنسا من خلال الموفد الرئاسي جان إيف لودريان، قدمت في البداية اقتراحا رُفض من اللبنانيين ومن قبل القوى السيادية، وبعدها خرج لودريان من هذا الطرف لأنه شعر بالصدمة وبوجود عقبة مسيحية وسياسية”

المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية في لبنان

بالتالي، بحسب ريفي، إن “اليوم لودريان يقوم بتهيئة الخيار الثالث باعتبار أننا دخلنا معركة ما بين سليمان فرنجية وجهاد أزعور وثبت لحزب الله أن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه هو 51 صوتا، ففي حال أصر الثنائي الشيعي للحفاظ على ماء الوجه مع سليمان فرنجية ستكون المواجهة في الدورة الأولى بين فرنجية ومرشح المعارضة جهاد أزعور، ولكن في الدورة الثانية أتصور أن العماد جوزيف عون سيكون مرشح المعارضة”.

سليمان فرنجية المرشح للرئاسة اللبنانية/ إنترنت + وكالات

في هذا الصدد، يقول المحلل السياسي اللبناني، ربيع غصن، إن ملف الرئاسة اللبنانية هو ملف معقّد وقد لا يكون هناك في القريب العاجل نوع من الاتفاق اتجاه هذه المعضلة، ولابد من القول بأن دعم “حزب الله” لسليمان فرنجية، هو دعم يأتي من إطار ثوابت سياسية ما بين الحزبين، أما فيما يخص قائد الجيش جوزيف عون، فهو ليس مدعوما بشكل جلي من قوى “القوات اللبنانية” وحلفائها.

إذ كل ما في الأمر، أن هناك حديثا عاما حول ترشيح عون، بحسب غصن الذي تحدث لموقع “الحل نت”، قائلا، إن المشكلة بقائد الجيش؛ أن اللبنانيين لا يريدون مرة أخرى إيصال العماد قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية، فهم يريدون حصر الرئاسة بالشخصيات السياسية التي لها دور بارز في الحياة السياسية ولا يريدون إدخال المؤسسة العسكرية عمليا دائما في أزمات الرئاسة اللبنانية.

الخبير في الشأن السياسي اللبناني، أشار إلى أن مبدأ المحاولات للمبعوث الفرنسي أنها لم تعطِ النتائج المرجوة، لذلك قد أجّلت لما بعد شهر أيلول/سبتمبر الحالي، ذلك لأن لوريان اليوم يعمل على هامش حركة بسيط. ولا يستطيع إيتاء النتائج كما ينبغي لأن هناك نوعٌ ما ضغط أميركي لعدم اتمام القضية.

غصن، لفت إلى أن، لودريان دخل مسألة الحوار بشكل جدّي وكان فعّالا لدرجة أنه قطع أشواطا في هذه المسألة، لكن هناك فيتو أميركي على بعض النتائج التي توصل إليها المبعوث الفرنسي، وبالنظر إلى هذا المشهد بشكل عام، فإن المرحلة المقبلة ليست قريبة من الحل، مبينا أن مفهوم الرئاسة اللبنانية من دون أدنى شك، تحول إلى أن أصبح لزاما تسميته بالأزمة الدولية.

بالحديث عن حظوظ عون، أكد غصن، أن الاعتراضات عليه ليست شخصية، لكنها تأتي من باب وصول قائد الجيش مرة أخرى إلى سدّة الحكم، إذ يعاني لبنان دائما من أن قائد الجيش يصل إلى رئاسة الجمهورية، وتكون هناك مشاكل وأزمات، مما ترك انطباعا وشعورا لدى قائد الجيش دائما بأنه مشروع رئاسة جمهورية، فمنذ العماد إمام إيميل الحوت، وحتى اليوم مر لبنان بالعماد ايميل الحوت، العماد ميشيل سليمان، عماد ميشيل عون، واليوم يعاد طرح اسم عماد جوزيف عون.

الأزمة اللبنانية في السياق

لذلك، فإن الإشكالية التي تواجه جوزيف عون، هي بطرح رئيس من داخل المؤسسة العسكرية مرة جديدة، لهذا لا اعتقد أن جوزيف عون وحظوظ الوصول إلى رئاسة الجمهورية واردة، أي خلاف ما يتحدث عنه الإعلام كما لو أن عون أصبح رئيسا للجمهورية، كما يعتقد غصن، ويبين أن، الفرقاء السياسيين اليوم في لبنان يتفقون حول أن الشخصية التي ستصل إلى سدّة الحكم يجب أن تكون شخصية متوازنة، ومؤهلة للوقوف بوجه التحديات.

المبعوث الفرنسي للبنان جان إيف لودريان/ إنترنت + وكالات

منذ أشهر، تدير لبنان حكومة تصريف أعمال، وهي عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت تشهد البلاد منذ 2019، انهيارا اقتصاديا صنّفه “البنك الدولي” من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، حيث يشترط المجتمع الدولي إصلاحات مُلحّة من أجل تقديم دعم مالي.

الأزمة المركبة التي تمرّ بها لبنان حاليا ليس لها مثيل، ففي الوقت الذي تنهار فيه العملة المحلية والبنوك إلى أدنى مستوياتها، يتقاذف الفرقاء السياسيون في لبنان مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية بعد حوالي سبعة أشهر على الفراغ، فيما يبدو أن التوافق أو حتى قدرة أي فريق على إيصال مرشحه شبه مستحيلة حتى اللحظة نتيجة الانقسام العمودي في مقاربة الموضوع وعدم امتلاك أي فريق للأكثرية النيابية.

“حزب الله” يعطّل مسألة انجاز الاستحقاق الرئاسي، ويصرّ على أن يكون المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية من ضمن فريقه، تاركا البلاد ترزح تحت الأزمة الاقتصادية، بالرغم من يقينه أن إنجاز الاستحقاق الرئاسي هو المدخل الأساس لإعادة تشكيل السلطة التنفيذية وللجم السعر السياسي لليرة، وإجراء الإصلاحات المطلوبة للخروج من الانهيار.

هذا السيناريو قائم منذ انتهاء مدّة الرئيس ميشال عون، في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2022، حيث دخل لبنان مرحلة من الشغور الرئاسي، وأخفق “مجلس النواب” لأكثر من مرة في انتخاب رئيس الجمهورية، وكان آخرها في 19 كانون الثاني/يناير 2023.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات