حكم قضائي نادر في لبنان أصدر بحق الإعلامية اللبنانية ديما صادق لمدة سنة، بتهمة إثارة النعرات الطائفية والقدح والذمّ، وذلك في الدعوى المقدمة ضدها من قبل حزب “التيار الوطني الحر” والحليف لـ”حزب الله” اللبناني، الموالي لإيران.

الحكم القضائي جاء على خلفية تغريدة لديما صادق تعود للعام 2020، وصفت عبرها “التيار الوطني الحر” بـ”النازي”. وحكم القضاء اللبناني على الإعلامية اللبنانية أيضا بغرامة مالية تبلغ 110 ملايين ليرة لبنانية، 1200 دولار، وتجريدها من حقوقها المدنية.

حكم على ديما صادق

المحكمة الجزائية اللبنانية، أصدرت الحُكم بحق ديما صادق، وذلك في الدعوى المقدمة ضدها من “التيار الوطني الحر”، ممثلا برئيسه جبران باسيل، وفق عدة تقارير صحفية يوم أمس الثلاثاء.

“التيار” قال إن الحكم صدر على خلفية الشكوى المقدمة في حقها من المحامي ماجد البويز بالوكالة عن “التيار الوطني الحر” لتلفيقها الأكاذيب واتهامها شباب “التيار الوطني الحر” زورا بأنهم عنصريون، وبأن التيار “حزب نازي”. ورأى أن “الحكمة من هذا الحكم أن الحق يظهر مهما طال الزمن”.

محامي “التيار الوطني الحر” نشر على منصة “تويتر” صورتين للقرار القضائي الذي أصدرته القاضية روزين حجيلي. وردا على هذا القرار، نشرت صادق فيديو عبر “تويتر” أوضحت فيه أن القضية تتعلق بتغريدة تعود لعام 2020، وصفت فيها أعضاء “التيار الوطني الحر” بـ”العنصريين والنازيين”.

صادق أردفت في تغريدتها أن رئيس “التيار” النائب جبران باسيل “انتزع قرارا قضائيا بسجني سنة دون إيقاف التنفيذ من محكمة الجزاء من خلال القاضية روزين حجيلي”، واصفة الحكم بأنه “سابقة استثنائية”. ولفتت إلى أنه “في لبنان، بات الصحافيون يُسجنون بدعاوى القدح والذم”، مؤكدة أنها ستستأنف الحكم، وستكمل النضال.

هذا الحُكم أثار جدلا واسعا في لبنان وصدمة في الوسط الإعلامي والحقوقي في البلاد، ووصف بكونه استثنائيا وخطيرا، لناحية الحكم بالسجن بحق صحفية بسبب تغريدة عبّرت فيها عن رأيها، الأمر الذي من شأنه تهديد حرية التعبير والحريات الإعلامية والصحفية في البلاد، وفق ما يقول الحقوقيون، الأمر الذي تُرجم إلى موجة استنكارات واسعة عمّت مواقع التواصل الاجتماعي.

تغريدة صادق حينها كانت تعليقا على فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر مرافقي النائب عن “التيار” حينذاك زياد الأسود، يعتدون بالضرب على شاب لبناني من طرابلس في مدينة جونية، متوجهين إليه بالقول “إنت من طرابلس شو جايي تعمل هون”.

تضامن مع ديما

في المقابل، عبّر العديد من الصحفيين والإعلاميين والمنظمات المدنية تضامنهم مع صادق ونددوا بالحكم القضائي وتضييق الخناق على حرية الرأي والتعبير. فقد غرّد النائب ميشال معوض عبر “تويتر” قائلا “كأن بهذه السلطة تعود بنا إلى زمن القضاء العضومي، زمن ملاحقة الإعلاميين وكم الأفواه، زمن 7 آب”. مضيفا أن “‘الحرية هي صنع لبنان. والعودة عن الخطأ إلزامية، كل التضامن مع الاعلامية ديما صادق في معركتها بوجه محاولات الترهيب والتهويل وقمع حرية التعبير”.

من جانبه، أكد رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل، أن “محاولات الترهيب التي تُمارس على الأقلام والإعلام الحر لن تجدي نفعا بل ستزيدها إصرارا في الدفاع عن قضيتها حتى النهاية”، مضيفا “كل التضامن مع الإعلامية ديما صادق في معركتها، مع التذكير أن محكمة المطبوعات هي المكان الصالح لمحاكمة الصحفيين وليس القضاء العدلي”.

كذلك، استنكرت منظمة “العفو الدولية” القرار وكتبت عبر “تويتر” بالقول “تستنكر منظمة العفو الدولية بشدة التصعيد القضائي في تجريم حرية التعبير، إثر إصدار القضاء الجزائي حكما بسجن الصحافية ديما صادق لمدة عام واحد وتغريمها مبلغ 110 مليون ليرة، بجرم إثارة النعرات الطائفية والقدح والذمّ”.

مفوضية الإعلام في “الحزب التقدمي الاشتراكي” قالت “أيا تكن الوقائع فإن حرية الإعلام التي تصونها شرعية حقوق الإنسان كما الدستور اللبناني تبقى فوق كل اعتبار، وتحت هذا السقف فإنه من المستهجن صدور حكم بالسجن بحق الإعلامية ديما صادق، وهو ما يتعارض مع فكرة لبنان وميزته القائمة على حرية الرأي والتعبير”.

النائب في كتلة “الجمهورية القوية” جهاد بقرادوني بدوره قال في تغريدة على “تويتر” “لا تُعالَج الشوائب، إذا وُجِدت، في حرية الرأي، إلا بالمزيد من الحرية، لا بالمزيد من الأَحكام الجائرة، كأننا في زمن الأَحكام العرفية أيام الأتراك”، لافتا إلى أن “القرار بحق الإعلامية ديما صادق سقطة للقضاء اللبناني. والمطلوب من وزير الإعلام ولجنة الإعلام النيابية اتخاذ موقف صارم ضد التعدي على الحريات العامة وحرية إبداء الرأي. سيبقى لبنان منبرا للحرية”.

كما أدان “نادي الصحافة” في بيان، الحكم القضائي “وذلك انطلاقا من عدم المس بحرية التعبير وتعزيزا لاستقلالية القضاء”، مطالبا القضاء “تصحيح هذا الخطأ الذي كان يفترض ألا يحدث على أساس أن الجهة المخولة بالنظر في الدعاوى التي تطول الصحافيين على خلفية عملهم الصحافي هي محكمة المطبوعات”، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط”.

كما وذكر البيان أن “السياسيين والمتعاطين في الشأن العام، بأن لبنان بلد الحريات، ويجب أن يكون أيضاً بلد القانون الذي يطبّق على الجميع”، داعيا الصحافيين إلى الالتزام بالأصول المهنية والأخلاق الإعلامية وعدم الدخول في مهاترات لا جدوى منها سوى منح المتربصين بحرية التعبير المزيد من الذرائع للانقضاض عليها.

وزير الإعلام في حكومة تصريف الإعلام زياد مكاري قال في تغريدة على “تويتر” أنه “بعد صدور حكم قضائي يقضي بسجن الإعلامية ديما صادق، يهمّنا أن نشدد على احترامنا لاستقلالية القضاء، وأن نؤكد على إيماننا المطلق بحرية التعبير التي هي جوهر لبنان”.

مكاري أردف “عليه نجدد دعوتنا للبرلمان اللبناني، لمناقشة وتبني تصوّر قانون الإعلام العصري الذي تقدمنا به أمامه، والذي يُلغي الأحكام السجنية بحق الصحفيين، إذ يبقى القانون الذي يحترم المعايير العالمية الضمانة الوحيدة لصون حرية العاملين في الحقل الإعلامي، وحمايتهم من أحكام قانون العقوبات الجزائية التي يلجأ إليها البعض بغرض تضييق الخناق على الصحفيين وترهيبهم”.

الممثل ومخرج ومقدم برامج لبنان، نيقولا معوَّض قال إنه متضامن مع صادق عبر ستوري على منصة “انستغرام” وكتب “حرية التعبير حق مقدس.. متضامن مع ديما صادق ومع كل إنسان حر في وجه طبقة سياسية فاسدة وقمعية..”.

في مقابل ذلك، احتفى “التيار الوطني الحر” بالحكم الصادر، في بيان صادر عن لجنة الإعلام والتواصل، اعتبر فيه أن القضاء اللبناني “أنصفه” ودان الإعلامية “بجرائم القدح والذم وإثارة النعرات الطائفية”.

سياسة الترهيب والتخويف

في الإطار، اعتبرت صادق أن الحكم يأتي في سياق تأديبي، وقالت لموقع “الحرة” إن “أحزاب السلطة الحاكمة بدأت تستعيد أساسها، عقب ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ومن الواضح أنها تريد تحصين نفسها بكل الطرق كي لا تشهد إعادة لما حصل حينها، لناحية تصاعد أصوات كثيرة في وجهها”.

صادق تضع ما حصل في سياق الترهيب والتخويف، بهدف “قمع أي محاولة للاعتراض والسخط والثورة، وإسكات أي صوت في هذا الإطار، يرون أنهم حين يخوّفون شخصا بهذه الطريقة، يمنعون غيره أيضا عن الكلام”.

كما أن صادق أبدت استغرابها من الحكم الصادر من “دون وقف تنفيذ”، وترى أن الأمور ذاهبة باتجاه تطبيق الحكم بسجنها.

صادف أضافت “هناك شيء عجائبي يحصل في لبنان، دائما ما تحاكم الضحية، ففي قضية انفجار مرفأ بيروت مثلا جرى استدعاء شقيق أحد الضحايا إلى التحقيق من ناحية المطلوبين للقضاء في القضية، من قبل جهاز أمن الدولة، الأمر نفسه اليوم يحصل، تغريدتي كانت ضد النعرات والممارسات العنصرية، والآن يحاكمونني أنا بالعنصرية، إنه جنون”.

يذكر أن تغريدة موضوع الدعوى المقدمة من ناحية التيار بحق صادق، كانت قد كتبتها صادق على خلفية اعتداء تعرّض له شابان من مدينة طرابلس في مدينة جونية، من قبل مناصري “التيار الوطني الحر” بتاريخ 6 و7 شباط/فبراير 2020، وذلك بسبب مشاركتهما الاحتجاجات التي كانت قائمة في لبنان بذلك الوقت ضد السلطات الحاكمة في البلاد وعلى رأسها “التيار الوطني الحر” الذي كان مؤسّسه، ميشال عون، لا يزال رئيسا للجمهورية حينها.

آنذاك وصفت صادق في تغريدتها التيار بـ”النازي”، وقالت تعليقا على الحادثة “اعتداء جديد من قبل التيار النازي بضربه على رأسه ورميه في المجارير.. وقالوا له عون تاج راسك وراس طرابلس”.

هذا وتُعتبر ديما صادق من أشد المعارضين لـ”حزب الله” الموالي لإيران، وتعتبر أن هذا الحزب من دمّر لبنان سواء اقتصاديا أو سياسيا، وفي برنامجها الإعلامي، انتقدت فيه “حزب الله” بشدة، وخاصة سياسات أمين الحزب، حسن نصرالله.

أحد أعنف هجوم على “حزب الله” اتهمت صادق عبر برنامج “حكي صادق” على شاشة قناة الـ”إم تي في”، “حزب الله” بقتل الباحث والكاتب السياسي لقمان سليم، قبل نحو عامين. واعتبرت صادق أن “حزب الله” قتل سليم لأنه يمثل الصوت الشيعي الحر بوجهه، قائلة “نحتقركم لأنكم قتلتم كل مفكري البلد، من سمير قصير الى جبران تويني ولقمان سليم”.

إزاء هذه الانتقادات، كانت صادق دائما في مرمى شتائم وتهديدات أنصار “حزب الله”، ففي عام 2019 انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لرجل دين شيعي، يوجه اتهامات إلى صادق، بعدما نشرت منذ أيام فيديو تتحدث فيه عن عملية سرقة هاتفها.

خصص إمام بلدة النبطية الفوقا محمود برجاوي والمنتمي لـ”حزب الله”، خطبة الجمعة للحديث عن ديما صادق، مستحضرا عبارات القدح والذم والتشهير والتحريض ورمي الاتهامات بالخيانة والتعامل مع العدو بحقها، معتبرا كلامها “وقاحة” ومشرّعا قطع يد ورِجلي صادق التي وصفها بالفجور والتسبب بالقتل وما إلى ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات