في قلب الأزمة السورية المستمرة، حيث يعيش المواطنون تحت وطأة الحروب والمعاناة اليومية، يظهر قرارٌ مثير للجدل يهدد حياة الكثيرين ويشكل تحدّ خطير للقطاع الصحي في البلاد، حيث يتعلق هذا القرار بأسعار وحدات الدم، والذي بات الآن سُلعة تُباع وتُشترى في الأماكن الطبية الحكومية.

تأثير هذا القرار يمتد إلى ميزانيات الأُسر، حيث يجبر الأشخاص على تحمل أعباء مالية غير متوقعة للحفاظ على صحتهم، فزيادة سعر لتر الدم من 40 ألف ليرة سورية إلى أكثر من 65 ألف ليرة، تُعد ضربة كبيرة للأُسر السورية، إذ تواجه المستشفيات الحكومية والخاصة تحدّيات في توفير وحدات الدم ومواد التحاليل الضرورية بأسعار مرتفعة.

الدم بسعر الذهب

الأزمة الصحية في سوريا ليست جديدة، فالبلاد تشهد نقصا حادا في الأدوية والمستلزمات الطبية والكادر الطبي، نتيجة للسياسات الحكومة التقليدية والفساد؛ لكن أزمة نقص الدم تُعتبر من أخطر هذه المشاكل، فهي تهدد حياة المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حوادث أو عمليات جراحية. 

الدم في سوريا بات سلعةً تبُاع وتُشترى، حيث أبدى عدد من المواطنين استياءهم من ارتفاع أسعار أكياس وحدات الدم مؤخرا في المشافي الحكومية التي من المفترض أن تقدّم خدماتها مجانا، موضحين بأن سعر لتر الدم ارتفع مثل الذهب وبقية السلع المحلية، رغم وجوب عدم المساس بالدم ومشتقاته ولاسيما للمرضى الذين يحتاجونه بشكل شبه يومي.

مدير الهيئة العامة لمشفى “درعا الوطني”، عبد المعين الربداوي، أوضح بأنه يتمّ تقريبا وبشكل يومي تأمين وحدات الدم لمرضى السرطان والأمراض المزمنة،  ومرضى الفشل الكلوي ومرضى الطوارئ والحوادث والأشد عوزا وعناصر الجيش بشكل مجاني دون إجبارهم على تسديد ثمن الإيصال، مؤكدا بأن 99 بالمئة من المرضى تنطبق عليهم هذه الشروط.

لكن مصدر في بنك الدم بدرعا أكد لموقع “غلوبال” المحلي، أمس الأحد، بأن أكياس الدم توزع بشكل مجاني للمشافي العامة، وبسعر 200 ألف ليرة لمرضى المشافي الخاصة، ويأتي ذلك نتيجة ارتفاع أسعار الدم الفارغة ومواد التحاليل اللازمة للتأكد من سلامته وخلوه من الأمراض.

هل ستتوقف العمليات الجراحية في سوريا؟

من الممكن القول إن هناك خطر حقيقي على استمرارية العمليات الجراحية في سوريا، بسبب ارتفاع أسعار وحدات الدم ونقص أطباء التخدير ومقدمي الرعاية الصحية الآخرين، وارتفاع أسعار المواد والمستلزمات الطبية، وانخفاض جودة الخدمات والرقابة في المشافي.

وفقا لتقارير سابقة، فإن دمشق قد دقّت جرس الإنذار حول هذه المشكلة، وطلبت من المنظمات الدولية تقديم المساعدة لتأهيل أطباء التخدير وتوفير المعدات والأدوية اللازمة، كما أن بعض المستشفيات قد أعلنت عن توقف بعض العمليات الجراحية بسبب نقص الموارد، وأشار بعض الأطباء إلى أن أسعار العمليات تضاعفت منذ عام 2019 بأربعة وخمسة أضعاف، مما يجعلها خارج متناول الكثير من المرضى.

ارتفاع أسعار وحدات الدم يأتي ضمن عدة عوامل بحسب حديث الطبيب، عبد الرحمن مسالمة، لـ”الحل نت”، أبرزها انخفاض عدد المتبرعين بالدم، بسبب الخوف من الإصابة بالأمراض أو ضعف البنية الجسدية نظرا لارتفاع أسعار المواد الغذائية، كما أن بعض المتبرعين يطلبون مقابل مادي للتبرع، مما يزيد من تكاليف الدم.

أيضا من الأسباب الأخرى، هو ارتفاع أسعار الأكياس الفارغة ومواد التحاليل اللازمة للتأكد من سلامة الدم وخلوّه من الأمراض، وهذه الأسعار تتأثر بسعر الصرف والتضخم، فضلا عن النقص في التخزين والتوزيع والإشراف على بنوك الدم، بسبب ضعف البنية التحتية والإدارة والرقابة، وقد أدى هذا إلى حدوث حالات فساد وسرقة وتلاعب بالدم، مما يهدد سلامته وجودته.

ليس ذلك فحسب، بل أشار المسالمة إلى أن هناك عدة جهات ممكنة تستفيد من ارتفاع أسعار الدم في سوريا، أبرزها شركات صناعة الأدوية المحلية، التي تطالب بزيادة الأسعار لتغطية تكاليف استيراد المواد الخام وتشغيل المولدات.

كذلك، المخابر الطبية التي تسعر التحاليل بحسب وضع كل منها، دون أي تقيد بالأسعار الرسمية، والذي ولد طبقة من الفاسدين والمتلاعبين بالدم، الذين يسرقون أو يبيعون أو يغشون في الدم.

 أزمة جديدة تواجه المرضى

في ظل التحديات الهائلة التي تواجهها سوريا منذ سنوات عديدة، يظهر الآن أزمة صحية جديدة تضاف إلى قائمة الصعوبات التي يواجهها السوريون، وتزداد أهمية هذه الأزمة يوما بعد يوم، حيث تعد وحدات الدم حياة العديد من المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة وحالات طارئة.

الأمر لا يتعلق فقط بالأثر المالي على المرضى، بل يتعلق أيضا بتوفر وحدات الدم بشكل عام، كما تزامن ارتفاع أسعار الدم مع ارتفاع أسعار مواد التحاليل الضرورية للتأكد من سلامة الدم وخلوه من الأمراض، مما يزيد من تحديات توفير الدم الآمن والنقي للمرضى.

ومع استمرار الانهيار الاقتصادي الذي بلغ ذروته في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، لم ينجو القطاع الطبي من الضربات التي أثّرت على المرضى والأطباء في آن واحد، حيث أصبحت العيادة الطبية أخر وجهات المواطن السوري في حال شعر بالألم أو أصيب بمرض ما، وذلك نتيجة عدم قدرته على تحمّل تكاليف العيادات والأطباء.

هذا الارتفاع في أجور زيارة العيادات الطبية، زاد من أوجاع المرضى، حيث أن هذا الأمر يهدد بكارثة محتملة على صحة الإنسان في سوريا، فقط الألم الخارج عن التّحمل يدفع السوريين للذهاب إلى الطبيب أو المشفى، فهم يقولون إن ألم العلاج في كثير من الأحيان يكون أصعب من ألم المرض، في ظل ارتفاع تكاليف زيارة المراكز الصحية في البلاد.

تكلفة المعاينة بحسب تقارير محلية تبدأ من 50 ألف ليرة سورية، وقد تصل إلى 250 ألف في بعض العيادات، الأمر الذي يزيد من المعاناة النفسية والجسدية للمرضى نتيجة تحمّلهم أعباء مالية مرهقة من معاينات طبية وأدوية وصور شعاعية وتحاليل وغيرها.

الوضع الطبي في سوريا دخل في مرحلة جديدة من المعاناة، بعدما بدأ يعاني مؤخرا من نقص في كوادر التمريض، متأثرا بتراجع الوضع المعيشي في البلاد، حيث أعلنت العديد من المشافي السورية مؤخرا، عن نقص في كوادر التمريض، بعد موجة الاستقالات التي واجهتها مؤخرا، في ظل عجزها عن إيجاد كوادر بديلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات