على وقع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها السوريون، خاصة بعد موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة، تزايدت ظاهرة انتشار السلع الغذائية والبضائع مجهولة المصدر بكثرة في الآونة الأخيرة، حيث تنتشر المواد الغذائية المتنوعة على الأرصفة من الشوارع والأسواق، في الوقت الذي لا يُعرف مصدر بعضها وبعضها الآخر منتهية الصلاحية، وتُباع بأسعار رخيصة مقارنة بأسعارها الحقيقية في المحلات التجارية.

اللافت أن الإقبال على هذه السلع كبير، نظرا لأنها تُباع بنصف سعرها أو أعلى من ذلك بقليل، ما يدل على أن الأوضاع المعيشية في البلاد في أدنى مستوياتها. ولولا حاجة الناس الماسة لما اشترى أحد هذه البضائع مجهولة المصدر ومنتهية الصلاحية، خاصة وأن لها آثار سلبية خطيرة.

سلع غذائية بنصف السعر

في أسواق محافظة اللاذقية تُفترش على أرصفتها مواد غذائية متنوعة، تُباع بأسعار رخيصة قياسا بأسعارها في المحال التجارية، بعضها مجهولة المصدر، وبعضها الآخر غير مخصص للبيع كما هو مكتوب على اللصاقة. وحولها يتزاحم المتسوقون.

أرجع هؤلاء المتسوقون إقبالهم على هذه السلع إلى أنها “أرخص مقارنة بأسعارها الحقيقية في المحال التجارية”، فيما أكد بعض البائعين لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الأربعاء، أن أسعار السلع المعروضة هي سبب رغبة المواطن في شرائها، كونها تحقق توفيرا للمشترينَ لا يقل عن 25 بالمئة، ومن هذه المواد الزيوت بأنواعها، التي تُباع بـ 20 ألفا للتر الواحد من نوع دوار الشمس، فيما يُباع الرز بـ 12 ألف ليرة سورية، بينما علبة “الطون” بـ 6 ألف ليرة، وعلبة “السردين” بـ 4000 ليرة، وسعر ربطة المعكرونة بـ 9000 ليرة.

كذلك، ثمة سلع مغشوشة تجتاح الأسواق السورية مؤخرا، وهي منتجات الألبان والأجبان وزيت الزيتون، فضلا عن العسل المغشوش. وحسب ما أورده تقرير محلي، فإنه نتيجة ارتفاع أسعار الألبان والأجبان المصنوعة منزليا، والتي لا تستطيع مئات العائلات السورية الآن شراءها، مُنح أصحاب المصانع والمعامل، الذين يعمل معظمهم خارج دائرة الرقابة الصحية، تأشيرة عبور خضراء لتصدير منتجاتهم إلى السوق.

هذه المنتجات تُعرض بأسعار أقل من المصنوعة منزليا، ولذلك تشهد إقبالا على شرائها، على الرغم من خفض جودتها وغير معروفة المصنع الذي صنعها، كما أنها غير موسومة بتاريخ الإنتاج. فمحال بيع الألبان والأجبان في عموم الأسواق السورية، تغصّ يوميا بالعشرات لشراء ما هو معروض على واجهاتها من هذه المنتجات، على اعتبار أنه لم يعُد بمقدورهم شراء المنزلية منها.

لاسيما بعد أن وصل سعر الكيلو الواحد منها، كامل الدسم إلى أكثر من 32 ألف ليرة سورية للبنة و42 ألف ليرة للجبنة، بينما أسعارها في هذه المحال للبنة تتراوح ما بين 10 آلاف ليرة وصولا إلى 17 ألف ليرة للكيلو الواحد، وأسعار الجبنة تتراوح ما بين 15 ألفا وحتى 20 ألفا.

أسباب زيادة الظاهرة

ظاهرة الغش والاحتيال في الأسواق السورية ليست بجديدة ولكنها في تزايد مستمر، وكل ذلك يعود إلى ضعف دور هيئات الرقابة والتموين في ضبط الأسعار بالأسواق، والتصدير وسياسة تسعير التوريد التي تتّبعها الجهات المعنية في “وزارة التجارة الداخلية السورية” التي لا تأخذ كل التكاليف بعين الاعتبار ولا سيما غير المرئية.

رئيس دائرة حماية المستهلك بمديرية التجارة الداخلية في محافظة اللاذقية، رائد عجيب، زعم بأن أغلب هذه المواد تدخل البلاد بطريقة غير شرعية، وبالتالي لا تخضع لأي رقابة لدى دخولها.

حيث إن المواد التي تدخل بشكل قانوني ونظامي تخضع للتحليل للتأكد من صلاحيتها للاستهلاك ومطابقتها للمواصفات القياسية السورية، وهنا تكمن خطورة المواد مجهولة المصدر فضلا عن كونها تؤثر على الاقتصاد المحلي.

رغم تأكيد المسؤول الحكومي على أن عناصر الرقابة التموينية يقومون بمتابعة هذه الظاهرة وتنظيم الضبوط ومصادرة هذه المواد، إلا أن هذه الظاهرة في تزايد ملحوظ في عموم الأسواق السورية، وتكون على مرأى الجميع، السكان وحتى دوريات الرقابة، وبالتالي فإن الحكومة وغياب دورها الحقيقي وراء تزايد هكذا ظواهر خطيرة على صحة الناس.

عجيب، زعم أن ثمة صعوبة في ضبط مثل هذه الظواهر، نظرا لأنها تكمن بتشغيل الأطفال فيها، فعند مشاهدتهم للدوريات يلجؤون للهرب ومعهم بضائعهم، مضيفا أنه تم تنظيم ضبط بحق مستودع يحوز على 1500 لتر زيت نباتي، وكمية 1000 قطعة معلبات وجميعها مجهولة المصدر.

“بسبب الغلاء”

في المقابل، تملأ الأسواق السورية في الوقت الحالي العديد من أنواع العسل المغشوش، في الوقت الذي عزا فيه رئيس اتحاد النّحالين العرب في سوريا إياد دعبول، تراجع كميات إنتاج العسل للموسم الحالي نتيجة عدة عوامل أبرزها التقلبات المناخية التي تعرّضت لها البلاد، وهو ما أدى لعدم خروج النحل من الخلايا وبالتالي تغيرت دورة حياته التي تعتمد على زيادة أعداده في توقيت معين، وفق تقرير آخر لموقع “غلوبال نيوز” المحلي، مؤخرا.

أما السبب الآخر فيعود لعدم زراعة اليانسون وحبة البركة، التي تشكل عادة القيمة الأعلى إنتاجيا من كميات إنتاج العسل سنويا، مؤكدا أن كميات الإنتاج تراجعت إلى النصف هذا العام مقارنة بالعام الماضي، ولم تتجاوز الكميات الألف طن، في حين أنّها سجلت أكثر من ألفي طن العام الماضي، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف وحدة الإنتاج على المربي.

طبقا لدعبول، يتراوح سعر كيلو العسل من مختلف الأنواع “حمضيات– جبلي” ما بين 75- 100 ألف ليرة، ورغم ذلك تبقى أقل من التكاليف وغير مرضية مقارنة بالتضخم الكبير وتدني قيمة الليرة وتراجع الإنتاجية.

العديد من التقارير الصحفية، تحدثت مؤخرا عن غياب شبه كامل لـ”إدارة الجودة” في سوريا، بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن، الذي لم يعد يهتم إطلاقا بالجودة على حساب السعر، فأصبح سعر المادة هو الفيصل في اتخاذ قرار شرائها بصرف النظر عن جودتها.

لا شك أن انتشار الغش في الأسواق السورية مؤخرا، زاد من معاناة الأهالي، لكنهم في الوقت ذاته وجدوا أنفسهم مضطرينَ إلى شراء المواد المغشوشة رغم علمهم بها، نتيجة عجزهم عن شراء المواد الأصلية المرتفعة الثمن.

فانحدار مستوى المعيشة، وصل إلى حدِّ تمكين المواد المغشوشة من الانتشار في الأسواق أكثر من المواد التي تراعي المواصفات القياسية المعتمدة، وذلك نتيجة الأسعار المرتفعة، حيث لم تعد الجودة هي المعيار الأول لشراء الغذاء بالنسبة للسوريين، بل الأهم الحصول على أسعار تناسب دخلهم المحدود جدا.

كما أن انتشار المواد المغشوشة في الأسواق، يأتي في ظل عجز حكومي تام عن ملاحقة تلك المواد، أو تحسين الواقع المعيشي إلى حدّ منعِ انتشارها، أو على الأقل لا يضطر معظم الأهالي إلى شرائها، بسبب عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف المواد الأصلية.

في سياق متّصل، تعديلات جديدة على “قانون حماية المستهلك” في سوريا، يُنتظر أن تقرّها الحكومة خلال الفترة القادمة، تقول إنها ستزيد من فعالية الرقابة على الأسواق، في وقت شكك فيه تجار ومستهلكون من جدوى القرارات الحكومية، خاصة وأنها على مدار سنوات طويلة فشلت في تحقيق أي حماية للمستهلك التي تتحدث عنه باستمرار.

الحديث عن تعديلات قانون “حماية المستهلك”، يأتي تزامنا مع فوضى غير مسبوقة تشهدها الأسواق السورية، خاصة فيما يتعلق بالسلع والمواد الغذائية، فضلا عن موجات ارتفاعٍ متتالية في الأسعار شهدتها البلاد منذ مطلع العام الجاري، ويعود هذا التخبط والتفاوت في الأسعار إلى عدة أسباب أساسية، لعل أبرزها غياب الدور الرقابي والتمويني الحكومي الحقيقي، وكذلك استغلال كبار التجار للأوضاع والظروف المتردية في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات