منذ مرور شهر ونصف تقريبًا على القرار الحكومي بزيادة الرواتب والأجور بنسبة 100 بالمئة في سوريا، باتت معيشة الأسر السورية في مرمى الأضواء، حيث تثار التساؤلات حول تحسن ظروفهم المعيشية بفضل هذه الزيادة الكبيرة، وهل يمكن تفسير الارتفاع المستمر في الأسعار بفعل فائض السيولة النقدية الذي نشأ عقب هذا القرار.

زيادة الرواتب والأجور تمثل خطوة جريئة أخذتها الحكومة السورية بهدف تحسين معيشة المواطنين، ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التأثير السلبي لهذه الزيادة على الأسعار في الأسواق المحلية، حيث باتت السلع الأساسية متاحة بكميات أكبر، ولكن بأسعار تزيد عن متوسط الأسعار السابقة.

قد تبدو زيادة الرواتب بنسبة 100 بالمئة كمكسب لبعض الأسر السورية، ولكن عندما نلقي نظرة أعمق على التكاليف الحياتية، نكتشف أن الأمور ليست بهذه البساطة، فالغذاء يمثل جزءا كبيرا من ميزانيات الأسر، حيث تمثل وجبة الإفطار حاليا عبئا ماليا كبيرا، وبناء على متوسط أسعار هذه السلع في الأسواق الشعبية بالعاصمة دمشق، يمكننا أن نرى أن تكلفة وجبة الإفطار اليومية لأسرة تتألف من 5 أشخاص قد تصل إلى 750 ألف ليرة شهريا، وهذا يعني أن النفقات الغذائية تشكل نحو 60 بالمئة من تكاليف المعيشة الشهرية للأسرة، بينما تبقى الـ40 بالمئة لتغطية الحاجات الأخرى الضرورية.

عدو المواطن السوري

هذا الارتفاع الكبير في تكاليف الغذاء يجعل من الضروري التساؤل عن علاقة فائض السيولة النقدية بارتفاع الأسعار، هل فعلا كانت هناك تداعيات غير متوقعة لزيادة الرواتب، وهل يمكن أن تكون الزيادة في الإنفاق النقدي الحكومي هي التي تسببت في تضخم الأسعار.

طبقا لمتوسط الأسعار في الأسواق السورية، فسعر 5 بيضات هو 10 آلاف ليرة سورية، وصنف واحد من اللبنة مثل كيلو اللبنة البلدية 30 ألف ليرة، والجبنة 40-60 ألف ليرة، مع الخبز 500 ليرة، والشاي يصل إلى 25 ألف ليرة يوميا، وعليه فإن وجبة الإفطار لأسرة مكونة من 5 أشخاص باتت تكلف 750 ألف ليرة سورية، في حين الحد الأدنى لراتب الموظف بعد الزيادة الأخيرة وصل إلى 200 ألف ليرة.

طبقا للعديد من الخبراء الاقتصاديين، فإن السبب للغلاء هو السياسة المصرفية القائمة على تقييد استيراد قائمة من السلع بحجة منع خروج الدولار، وبالتالي أدى هذا التقييد لتراجع الإنتاج بشكل كبير.

الحديث هنا عن فائض السيولة، وهي الحالة التي يكون فيها العرض من النقود أكثر من الطلب عليها، أي أن هناك كمية كبيرة من النقود تتداول في السوق دون أن تجد سلعا أو خدمات تستحق الشراء، وهذا يؤدي إلى انخفاض قيمة النقود وارتفاع مستوى التضخم، أي ارتفاع الأسعار العامة للسلع والخدمات.

السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار في سوريا

في سوريا بحسب الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، فقد حدث فائض في السيولة بعد زيادة الرواتب والأجور بنسبة 100 بالمئة في شهر آب/أغسطس من العام الجاري، دون أن يتزامن ذلك مع زيادة في الإنتاج أو الواردات من السلع والخدمات. 

هذا أدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، ولكن العرض كان ثابتا أو ناقصا، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، كما أثر فائض السيولة على سعر الصرف، حيث انخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار والعملات الأجنبية، مما زاد من تكلفة الواردات والمواد الأولية؛ لذلك، فإن فائض السيولة رفع من أسعار البضائع بسبب انخفاض قيمة النقود وزيادة الطلب ونقص العرض. 

ففعليا أسباب ارتفاع أسعار السلع بعد زيادة الرواتب، فهي نتيجة تضخم نقدي لم يقابلها زيادة بالإنتاج، أي عدم وجود بضاعة تعادل كمية الأموال الموجودة تحقق التوازن بين البضاعة والعملة، وبالتالي الإنتاج يقل والكتلة النقدية في السوق تزداد، هذا أدى لارتفاع الأسعار رغم ثبات سعر الصرف وهذه الزيادة تراكمية بلانهاية للسيولة، وبالتالي باتت سوريا أمام تضخم تراكمي دون توقف حيث تتراكم في السوق الزيادات التي أضيفت إلى الراتب عن الأشهر السابقة.

لذا فإن زيادة الأسعار تشكلت على ثلاث مراحل، الأولى بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، والثانية بسبب ارتفاع سعر الصرف الدولار، وثالثا بسبب تراجع الإنتاج نتيجة تراجع الطلب على البضائع.

في هذا السياق، أشار الحمصي إلى أن بعض الآثار السلبية لفائض السيولة على المجتمع والاقتصاد في سوريا، ستكمن في انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، مما يزيد من تكلفة الواردات والمواد الأولية، ويؤدي إلى تفاقم العجز التجاري والميزانية.

كذلك، ارتفاع مستوى التضخم، أي ارتفاع الأسعار العامة للسلع والخدمات، مما يؤثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين، ويزيد من معدلات الفقر والبطالة، وتراجع الإنتاج والاستثمار في القطاعات الاقتصادية الحيوية، مثل الزراعة والصناعة والخدمات، بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والممتلكات والأصول الاستراتيجية جراء الصراع.

علامة على اقتراب أزمة اقتصادية جديدة

طبقا لما نقله موقع “غلوبال نيوز” المحلي، أمس الأحد، فإنه خلال الشهر الماضي، ارتفعت أسعار الحاجات الغذائية الأساسية الشهرية بشكل عام، حيث ارتفع سعر لتر الزيت من 12 ألفا إلى 25 ألف ليرة للتر، والسمنة من 18 ألفا إلى 38 ألف ليرة للكيلو.

كما ارتفع السكر من 8 آلاف إلى 15 ألف ليرة، والأرز وسطيا من 7 آلاف إلى 20 ألف ليرة، فضلا عن ارتفاع أسعار البرغل والعدس والفاصوليا البيضاء الحب التي ارتفعت من 14 ألفا للكيلو إلى 32 ألف ليرة، والدجاج ارتفع سعره من 20 ألفا إلى 30 ألفا للفروج المذبوح والمنظف، ووصل سعر كيلو صدر الدجاج إلى 60 ألف ليرة.

أما أسعار اللحوم ارتفعت حوالي 25 بالمئة، ووصل كيلو هبرة الخروف إلى 160 ألف ليرة سورية، وفيله العجل تجاوزت الـ 325 ألف ليرة، في وقت ارتفعت فيه أسعار الألبان والأجبان إلى الضعف وانتقل سعر كيلو الحليب من 3500 ليرة إلى 6500 ليرة.

على هذا النحو تضاعفت أسعار الخضر والفواكه، وانتقل سعر كيلو البندورة من 2500 ليرة إلى 5000 آلاف ليرة، والبطاطا من 1800 ليرة إلى 4500 ليرة، والفواكه اتخذت ذات المنحى متأثرة  بالارتفاعات، وبيع كيلو الموز في الأسواق ب 45 ألف ليرة، وكيلو العنب ب 14 ألف ليرة، والتفاح بين 6- 8 آلاف ليرة.

بالتالي وسطيا فإن تكاليف الغذاء شهريا لا تقل عن مليونين ونصف المليون ليرة، مع الأخذ بالاعتبار أن الأسعار شهدت تخبطا وارتفاعات متباينة بين منطقة وأخرى، وبشكلٍ أكبر بين المحافظات السورية.

نسبة كبيرة من السوريين لم يعد بمقدورهم شراء العديد من السلع الأساسية، خاصة تلك التي تعتبر غالية السعر بالنسبة لهم، مثل الفواكه والخضراوات، في حين امتنعت نسبة كبيرة من العائلات السورية عن شراء الفواكه بشكل عام، ولذلك يبدو أن العديد من العناصر الأساسية ستبقى بعيدة عن موائد السوريين طالما الواقع المعيشي في تدهور مستمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات