حرق الميليشيات الإيرانية في سوريا: عنوان المرحلة الحالية بمباركة طهران!

حرق الميليشيات الإيرانية في سوريا: عنوان المرحلة الحالية بمباركة طهران!

مع مغادرة القوات العسكرية الأميركية ميناء حيفا باتجاه الحدود اللبنانية والسورية، شنّت إسرائيل فجر اليوم الاثنين ضربات جوية استهدفت موقعَين عسكريين في محافظة درعا جنوبي البلاد،  ردّا على قصف صاروخي من الأراضي السورية باتجاه الجولان، تؤكد مصادر محلية، أن ميليشيات إيرانية من قامت بإطلاقها.

في ذات التوقيت، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أن الولايات المتحدة وجّهت ضربات إلى منشأتَين شرقي سوريا يستخدهما “الحرس الثوري” الإيراني ومجموعات مرتبطة به، ردا على سلسلة من الهجمات على القوات الأميركية في كل من العراق وسوريا، مضيفا أن الضربات تمت بأمر من الرئيس جو بايدن في إطار الدفاع عن النفس، وأكد أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع الهجمات على الأميركيين وستدافع عن مصالحها.

هذا التصعيد جاء بعد أن بدأت ميليشيات إيرانية في سوريا والعراق، بشنّ هجمات على قواعد الجيش الأميركي و”التحالف الدولي”، في محاولة لإثبات أنها تقف مع حركة “حماس” في غزة، إلا أن هذا التذرع ليس بصحيح، فحسب مصادر مطلعة، هناك أبعادا وراء هذا التصعيد.

الميليشيات الإيرانية في سوريا أصبحت بمثابة الورقة التي يتم اللعب بها في هذه اللعبة الخطيرة، يتجدد الحديث عنها باستمرار، ولكن هذه المرّة بعنوان جديد: “حرق الميليشيات الإيرانية في سوريا”. ويبدو أن طهران أعطت الضوء الأخضر لهذا السيناريو الجديد، وهو ما يجعله محور التساؤلات والتحليلات.

الميليشيات بيدقا في تفاوض إيران مع الغرب

ارتفع عدد الهجمات التي تعرّضت لها القواعد الأميركية في سوريا والعراق إلى أكثر من 20 هجوما خلال أسبوع واحد، وبينما تنظر الإدارة الأميركية بعيون حذرة إلى هذا السيناريو الجديد، يضغط صقور الجمهوريون بشدة للرّد على إيران بطريقة أكثر حزما، حيث يعتبرون الرّد الضعيف من إدارة بايدن خطوة تجاه تعزيز النفوذ الإيراني وتمكينه.

حرق الميليشيات الإيرانية في سوريا
عراقيون يحملون نعوشًا خلال موكب جنازة في مدينة النجف وسط المدينة في 31 ديسمبر 2019، لمقاتلي الحشد الشعبي الذين قتلوا في نهاية الأسبوع في غارات جوية أمريكية على قاعدة في غرب العراق بالقرب من القائم، على الحدود. مع سوريا.

تعتزم الولايات المتحدة إرسال رسالة قوية إلى إيران من خلال توجيه ضربات ضد الميليشيات الموالية لطهران في سوريا والتي استهدفت القوات الأميركية، ومن خلال استهداف منطقة للذخيرة والتخزين مساء الخميس بتوقيت الولايات المتحدة، سعت واشنطن إلى توضيح أن الهجمات الأخيرة بطائرات بدون طيار والصواريخ التي تسببت في إصابة 21 جنديا أميركيا بجروح طفيفة في العراق وسوريا لن تمرّ دون ردّ.

فبعد الضربات الأولى على القوات الأميركية في سوريا والعراق في 17 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، قرر الرئيس بايدن تأجيل القيام بعمل عسكري، وبدلا من ذلك أرسل كبار المسؤولين في حملة رسائل عامة تهدف إلى ردع وكلاء إيران من شنّ المزيد من الهجمات في المنطقة، وفقا لمسؤول أميركي.

ولكن بعد ظهور أنباء عن وفاة مقاول أميركي إثر نوبة قلبية في 18 من الشهر الحالي بينما كان يحتمي من الهجمات، بعد انطلاق إنذار في قاعدة “عين الأسد” الجوية بالعراق، قال المسؤول إن فريق بايدن قرر أن هناك حاجة إلى إجراء أقوى. 

وقال المسؤول إنه مع تزايد التقارير عن وقوع إصابات نتيجة الهجمات خلال الأيام التالية، طلب بايدن من “البنتاغون” تطوير خيارات عسكرية للرد بطريقة متناسبة وتم اختيار المواقع في سوريا، بالقرب من البوكمال، لأن الولايات المتحدة لا تطلب من دمشق الإذن بضربها فالعراق سيطلب ذلك بالتأكيد، ولأنها كانت مرتبطة بالقوات والميليشيات التابعة لإيران، الذراع شبه العسكرية لطهران. 

وقال مسؤول عسكري كبير إن هذه المنشآت استخدمتها مجموعات تابعة لإيران لتخزين ذخائر مرتبطة مباشرة بالهجمات الأخيرة، والعامل المهم الآخر هو أن المواقع المستهدفة ليس لها أي صلة بالمدنيين، وأن ضربها من غير المرجّح أن يعرّض الأبرياء للخطر.

ما يثير الدهشة، أن حمم الصواريخ التي تلقتها الميليشيات من السماء، لم تردعها منظومة الدفاع الجوية السورية أو الروسية، بل بالذهاب إلى أكثر من ذلك، فإن الحوار السائد داخل عناصر هذه الميليشيات، أنهم يدفعون ثمن تنفيذ أجندات النظام الإيراني، وأن طهران أعطت الضوء الأخضر لحرقها.

إيران أشعلت برميل البارود

لا تزال تداعيات الهجوم الذي شنّته “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول مستمرة في الانتشار، حيث دفعت إيران ميليشياتها في سوريا والعراق للتحرش بالقواعد الأميركية، لكن هذه المرة ليس من باب “وحدة الساحات” الشعار الذي تغنت به طهران وميليشياتها على مدى سنوات تحت راية “محور المقاومة” وطريق القدس، بل من أجل جر واشنطن لطاولة المفاوضات.

حرق الميليشيات الإيرانية في سوريا: عنوان المرحلة الحالية بمباركة طهران!
حرق الميليشيات الإيرانية في سوريا عنوان المرحلة الحالية بمباركة طهران – إنترنت

أجل، النظام الإيراني يريد استغلال مشهد غزة بأقصى الإمكانيات، ويريد تصعيد التوترات مع أميركا، وإجبارها على التفاوض معها بشأن الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية، في ظل الفراغ السياسي والأمني في سوريا، وتوسيع نطاق نفوذها وتأمين ممرات إمداد لـ “حزب الله” في لبنان، الذي من المتوقع أن يحظى بجائزة مقعد الرئاسة لعدم دخوله في معركة مفتوحة مع الجيش الإسرائيلي.

الجواب على سؤال، هل ستسمح طهران بحرق هذه الميليشيات في سوريا، بالتأكيد الإجابة بالموافقة هو الصحيح، فمن المعلوم أن النظام الإيراني مستعد بالتضحية ببعض من هذه الميليشيات وحتى حرقها كليا، من أجل مصالحها السياسية والاقتصادية، وفي ذات الوقت تحافظ على الميليشيات الأكثر ولاء وقوة. 

مَن لا يجد منطقية في هذا الطرح، له عبرة بحسب الباحث والسياسي السوري، محمد عبيد، في طرد الرئيس السوري، بشار الأسد، لوفد جماعة “الحوثي” اليمنية، من مقر السفارة اليمنية في دمشق، بعد سبع سنوات من تسليمها لهم، حيث كان الأسد أول شخص عربي يسمح للجماعة التابعة لإيران، بتمثيل أنفسهم دبلوماسيا.

يقول عبيد لـ”الحل نت”، إن إعلان “الحوثيين” عن فشلهم في التمثيل الدبلوماسي في سوريا يكشف أن الحفاظ على السلطة والنظام، هو الهدف الأول والأساسي للأسد، وهو ما دفعه إلى البحث عن حلفاء قادرين على دعمه عسكريا وسياسيا واقتصاديا في مواجهة المعارضة الداخلية والضغوط الخارجية، ورأى أن مصلحته في كسب السعودية والدول العربية، مقابل حرق أوراقه مع “الحوثيين” الذين يصنّفون أنفسهم ضمن “محور المقاومة” الذي يتغنى به الأسد.

إيران من جهتها، التي تعاني من ضغوط داخلية وخارجية، وتحاول تخفيف التكاليف المادية والبشرية لتدخلها في سوريا، وتواجه صعوبات في التنسيق والإشراف على هذه الميليشيات، التي تتبع أجندات مختلفة وتنافس بعضها البعض، لا ترى رسميا في حرق هذه الميليشيات أي مانع، بل على العكس، تعتقد أن هناك فوائد من ذلك، سواء على المستوى السياسي، أو على المستوى المحلي.

سياسيا، ستربح إيران جلسة مع الغرب لمحاولة التخفيف من العقوبات الاقتصادية والعودة إلى الاتفاق النووي، أما على المستوى المحلي، فهي تخلصت من ميليشيات تفقد السيطرة عليهم كليا رغم تنفيذهم لأجنداتها، وأيضا كسب قاعدة مؤيدة داخل الميليشيات التي لها نفوذ عليها، بأن طهران وأذرعها المتذرعون بـ “المقاومة” لا يزالون مستهدفين من الغرب.

المواجهة العسكرية في سوريا: قادمة

كان بايدن قد أمر في السابق بنشر مجموعتين من حاملات الطائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​في عرض لردع أعداء الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة.

حرق الميليشيات الإيرانية في سوريا عنوان المرحلة الحالية بمباركة طهران! (4)
نساء عراقيات يتفاعلن خلال موكب جنازة في مدينة النجف وسط المدينة، لمقاتلي الحشد الشعبي الذين قتلوا في نهاية الأسبوع في غارات جوية أمريكية على قاعدة في غرب العراق بالقرب من القائم، على الحدود مع سوريا.

وقال العديد من المسؤولين الأميركيين لشبكة “سي إن إن”، إن الولايات المتحدة لديها معلومات استخباراتية تفيد بأن الميليشيات المدعومة من إيران تخطط لتكثيف الهجمات  ضد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، حيث تسعى إيران للاستفادة من رد الفعل العنيف في المنطقة.

موازة في هذا السياق الذي يخدم أجندة قادة النظام الإيراني، يقدم “الحرس الثوري” الإيراني و”فيلق القدس” التابع له، ملايين الدولارات لتمويل تسليح وتدريب مجموعات الميليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط لتأكيد السلطة في المنطقة.

ويشكل ما يسمى بـ “محور المقاومة” جزءا أساسيا من سياسة إيران الخارجية، التي تستخدمها لممارسة نفوذها مع تقليص نفوذ منافسيها – الولايات المتحدة وإسرائيل على الجانب الغربي – والمملكة العربية السعودية.

حسب تقديرات الأمم المتحدة، تنفق إيران متوسط 6 مليارات دولار سنويا في سوريا لدعم الحكومة السورية والميليشيات الموالية لها في سوريا، وطبقا لمشروع قانون الموازنة الإيرانية لعام 2022، تخصص إيران نحو 930 تريليون ريال (ما يعادل 22 مليار دولار) لـ “الحرس الثوري” الإيراني، وهو ضعف ما خصصته في عام 2021.

لذا، فإن حرب إقليمية تعمل إيران على تأجيجها، واستخدام عناصر الميليشيات التابعة لها كبيادق في الصراع، هي الطريقة التي اختارها النظام الإيراني، وهذه الرسالة مهمة: في المناطق التي تعمل فيها الميليشيات غير السورية، فإن طهران – وليس دمشق – هي التي تتخذ القرار.

مع ذلك، فإن مصالح الحكومة السورية وطهران تتقاطع أيضا في هذا الشأن، فحكومة دمشق لا تمتلك الموارد أو الرغبة لمهاجمة إسرائيل بشكل مباشر بالمقابل تريد حكومة دمشق التخلص من وجود هذه الميليشيات، ومع وجود العديد من القوات المدعومة من إيران داخل البلاد، بما في ذلك “حزب الله” وميليشيات  “الحشد الشعبي” العراقية، يفتح الباب أمام “التحالف الدولي” والقوات الأميركية للضرب نيابة عنها.

صناع القرار الأميركي باعتقاد الباحث في الشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، باتوا يدركون تماما تداعيات بسط النفوذ الإيراني على المنطقة العربية عموما، لا سيما في سوريا ولبنان الجبهتين القريبة من الحدود الشمالية مع الأراضي الفلسطينية، وبالتالي إعادة تقييم الموقف سياسيا وعسكريا واقتصاديا يتطلب جهود مغايره عن ما كانت عليه، وبناء عليه يجب استثمار خطط بديله من أجل أن تؤدي تلك النتائج أو تلك الخطوات إلى مزيد من التقدم في هذه الملفات العالقة.

بخصوص دفع الميليشيات الولائية متعدده الجنسيات والمسميات التي ظهرت مؤخرا لاسيما فصائل المقام الإسلامية في العراق والتي تعتمد على استهداف التموضع الأميريكي وحلفائه في المنطقه العربية خاصه في سوريا والعراق، يقول النعيمي لـ”الحل نت”، إن إيران ماضيه في عملياتها التصعيدية وربما ستكون بوتيرة أسرع.

لكن حرق هذه الميليشيات يبدو واردا، فطبقا لحديث النعيمي، فإن تموضع الولايات المتحدة والقدرات العسكرية القتالية الهائلة التي وصلت إلى المنطقة لا سيما الجنرال فورد، إضافه إلى حاملة الطائرات “ايزنهار” التي تحمل ما يصل إلى 60 طائرة، بما في ذلك مقاتلات “إف-18إي” والتي تستطيع من خلالها توجيه ضربات موجهة لتلك الميليشيات.

الولايات المتحدة اليوم وفق النعيمي، تتجه هذا الصوب نظرا لأن هنالك الكثير من الملفات على ما يبدو عالقه، وباتت هذه المرحلة أرضا خصبه لمعالجتها، وذلك لأنها بأقل التكاليف، واليوم لا تحتاج الولايات المتحدة تحريك أساطيلها التي باتت موجودة وتستطيع من خلالها تنفيذ تلك الضربات بأقل التكاليف من خلال ضربات الجوية والبري، وإضافة إلى البحرية.

مشروع منتهي الصلاحية

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، يبلغ عدد هذه الميليشيات نحو 15 ألف مقاتل، وتتمركز الميليشيات بشكل أساسي في المنطقة الواقعة بين البوكمال ودير الزور القريبة من الحدود مع العراق، وتوفر المنطقة موقعا استراتيجيا لإرسال الأسلحة ونقل قوات “الحرس الثوري” من داخل إيران عبر الطرق البرية. 

أعضاء من جماعة الحشد الشعبي العراقية الموالية لإيران يرفعون أعلام الجماعة وفصائلها على سطح مبنى السفارة الأمريكية في العاصمة بغداد خلال احتجاج على الغارات الجوية التي شنتها الطائرات الأمريكية نهاية الأسبوع على عدة قواعد تابعة لكتائب حزب الله بالقرب من القائم، وهي منطقة عراقية على الحدود مع سوريا – غيتي

قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع للفرع الخارجي لـ “الثوري” الإيراني، والذي قُتل في غارة جوية أميركية في يناير/كانون الثاني 2020 على موقعه في بغداد، كان موجودا في البوكمال لفترة طويلة خلال ذروة الحرب الأهلية السورية، حيث كان يقود العمليات في ساحة المعركة مباشرة. 

لواء “فاطميون” هو مجموعة ميليشيا أخرى تضم لاجئين ومهاجرين أفغان تم تدريبهم وتسليحهم من قبل “الثوري” الإيراني، وهي تشكل جوهر الميليشيات الخاضعة لسيطرة إيران في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، يتألف لواء “زينبيون” من مقاتلين شيعة باكستانيين تم دمجهم في الميليشيات التي يدعمها “الحرس الثوري” في سوريا. 

وقد تم تعزيز هذه الجماعات بشكل أكبر من خلال إضافة الميليشيات العراقية، بشكل أساسي من كتائب “حزب الله” في العراق، لتشكيل منظمة ميليشيا أكبر في شرق سوريا، تضم ما لا يقل عن أربع ميليشيات، فضلا عن ميليشيا “حزب الله” اللبناني، وبعض الميليشيات المحلية السورية التي تدعمها إيران.

الواقع هنا هو أن الميليشيات الإيرانية في سوريا أصبحت عبئا دوليا يتطلب تفكيرا متعمقا، فهي تمتلك القدرة على تقويض استقرار المنطقة وتشكل تهديدا للمصالح الغربية والأميركية وحلفائها، وهذا يجعل الضغط على إيران ومنعها من دعم هذه الميليشيات أمرا ضروريا.

من ناحية أخرى، تبدو إيران مصممة على استخدام هذه الميليشيات كوسيلة للتحرش بالقواعد الأميركية في المنطقة، لكنها تراهن على أن هذا التصعيد سيجر واشنطن إلى طاولة المفاوضات وسيمنحها مزيدا من القوة في المفاوضات النووية، حتى على حساب أرواح آلاف المقاتلين التابعين لها، فهي تطبق مقولة السياسة للتدبير لا للتبرير، ولا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة.

5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول سياسة

جديداستمع تسجيلات سابقة