كانت ثمة مخاوف من حدوث عمليات وهجمات مباغتة ينفّذها أفراد تابعين لتنظيمات إسلاموية متطرفة، بما فيها تنظيم “داعش”، وسط الحرب المشتعلة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة “حماس”، كما كثُرت التحذيرات من استغلال هذه التنظيمات الجهادية للوضع المعقّد لشنّ هجمات متفرقة في عدة مناطق ومدن حول العالم. ويبدو أن هذا ما يحدث فعليا في الوقت الراهن.

خلال الفترة الماضية، وتزامنا مع ارتفاع مطّرد في حوادث “معاداة السامية والإسلاموفوبيا” في العديد من الدول عقِب حرب غزة، وقع عدد من حوادث العنف والقتل في العالم، بما في ذلك في دولٍ أوروبية، ولعل أحدثها تلك الحادثة الأخيرة التي وقعت قبل نحو يومين في العاصمة الفرنسية باريس، حيث نفّذ شخص هجوما بالقرب من برج إيفل، أودى بحياة سائح ألماني -فلبيني طعنا وخلّف جريحين آخرين.

متطرف بايع “داعش”

في السياق، أفاد المدعي العام الفرنسي في قضايا مكافحة الإرهاب جان-فرنسوا ريكار، بأن منفذ الهجوم قرب برج إيفل، بايع تنظيم “داعش” الإرهابي في شريط مصور قبل تنفيذ العملية.

المدعي العام الفرنسي بيّن خلال مؤتمر صحافي يوم الأحد الماضي، أن المنفّذ أرمان رجابور مياندواب، وهو فرنسي من أصل إيراني يبلغ السادسة والعشرين، تكلّم بالعربية في الشريط المصور وأعلن “دعمه للجهاديين الذين ينشطون في مناطق مختلفة”.

الشرطة الفرنسية في موقع الحادث وسط العاصمة باريس- “إ.ب.أ”

وأوضح أن الفيديو بُثّ خصوصاً على حسابه على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) الذي فتحه في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، وتضمن عدّة منشورات حول حركة “حماس” وغزة وفلسطين بشكل عام، وفق ما نقلته وسائل الإعلام.

والمشتبه به معروف بتطرّفه ومعاناته اضطرابات، وسبق أن حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بعد إدانته بتهمة الانتماء إلى “عصابة أشرار بغية التحضير لعمل إرهابي” في العام 2016 في حي “لا ديفانس” للأعمال  في غرب باريس. وقد خرج من السجن في 2020 بعدما أمضى أربع سنوات وراء القضبان.

وقد ردّد “الله أكبر” عند حصول الوقائع وقال إنه “يحمل حزاما ناسفا” بحسب المدعي العام. وذكر وزير الداخلية أن المهاجم قال لعناصر الشرطة الذين اعتقلوه إنه “لم يعد يمكنه تحمل موت المسلمين في أفغانستان وفلسطين”. وإن فرنسا “متواطئة فيما تفعله إسرائيل” في غزة.

وفي فرنسا نحو 5200 شخص معروفين بالتطرف، بينهم 1600 شخص تتم مراقبتهم بشكل خاص من قبل المديرية العامة للأمن الداخلي، وفقاً لمصدر داخل الاستخبارات أوضح أن 20 بالمئة من هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم خمسة آلاف يعانون من اضطرابات نفسية.

اللافت أن هذا الهجوم يأتي بعد أقل من شهرين على هجوم وقع في أراس شمال فرنسا وأودى بحياة مُدرّس. ووُضعت فرنسا في حال تأهّب تحسباً لهجوم وشيك، وقررت الحكومة نشر 7 آلاف جندي في الداخل بعد هجوم أراس الذي وقع منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وفي مواجهة خطر انعكاس الحرب بين إسرائيل و”حماس”، توتراً على أراضيها.

وهذه ليست الحادثة الوحيدة، فقد وقعت هجماتٌ سابقة في العاصمة الفرنسية، مثلا في عام 2018، قتل رجل فرنسي من أصل روسي وُلد في الشيشان أحد المارة بسكين وأصاب أربعة قبل أن تقتله الشرطة، وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن ذلك.

تزايد هجمات “داعش”

منذ اندلاع الحرب في غزة، والدول الأجنبية تحذّر من خطر انبعاث الأعمال والهجمات الإرهابية في دولها ودول العالم بشكل عام، وتدلل حادثة الطعن التي وقعت قبل أيام في باريس، خصوصا أنها حصلت في موقع سياحي، على مدى ارتباطها بأحداث الحرب الدائرة في غزة، تزامنا مع تزايد التهديدات بهجمات ينفذها إسلاميون متطرفون كلما حصلت أزمة أو حرب ما يكون أحد طرفيها من مدّعي “الإسلام”، ويعتقد مسؤولون أمنيون أوروبيون أن “الذئاب المنفردة” الذين يصعب رصدهم يمثّلون الخطر الأكبر.

وبالفعل نفّذ تنظيم “داعش” العديد من الهجمات في سوريا والعراق فضلا عن بعض الدول الأوروبية وفي القارة الإفريقية وغيرها، بالإضافة إلى أن التنظيم يحاول استغلال حرب غزة لحشد مقاتلين جُدد وإعادة الانتشار، وهو ما يثير مخاوف من تجدد الهجمات في أوروبا ودول العالم عموما، بحسب العديد من المحللين.

ففي الـ16 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي في بروكسل، وعلى هامش مباراة كرة قدم بين بلجيكا والسويد، أطلق رجلٌ النار على مشجعين سويديين؛ ما أدى لمقتل اثنين في الحادث الذي أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عنه.

تزايدت الأعمال الإرهابية ولا سيما من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي خلال الشهر الأخير بالتزامن مع حرب غزة، لتصل إلى 16 عملية في إفريقيا فقط.

كما قال “مرصد الأزهر”، إن تنظيم “داعش” نفّذ عددا من العمليات الإرهابية على كنائس وقرى وتجمعات مسيحية كان آخرها استهداف التنظيم لقداس كاثوليكي جنوبي الفلبين، يوم الأحد الماضي، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 4 أشخاص وإصابة حوالي 50 آخرين، وفق ما نشرته السلطات الفلبينية.

“مرصد الأزهر” لمكافحة التطرف، أشار إلى تزايد هذه الأعمال الإرهابية خلال الشهر الأخير بالتزامن مع حرب غزة، لتصل إلى 16 عملية، أدت إلى مقتل وإصابة 30 شخصا، في 8 قرى، وتدمير 46 منزلا، و 3 كنائس، حسبما نشره التنظيم الإرهابي عبر منصاته.

هذا فضلا عن أن “داعش”، أودى بحياة قرابة 39 عنصرا من القوات السورية في هجمات متفرقة على مواقع عند مثلث الرقة – حمص – دير الزور، بجانب تنفيذ هجمات متتالية على عدّة حواجز أمنية تابعة للقوات الحكومية في بادية حمص، أسفرا عن مقتل 5 جنود وإصابة آخرين.

كما وقُتل مدنيون وعناصر في قوات “الأسايش” التابعة لـ”لإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى إصابة آخرين في هجمات متعددة لـ”داعش” ضد مواقع ونقاط أمنية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

“داعش” وتكتيك “الذئاب المنفردة”

في هذا الصدد، يرى الكاتب والباحث السياسي الدكتور سامح مهدي، أن تكرار هجمات العنف والقتل من قبل التنظيمات الإرهابية ولا سيما من “داعش”، سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط أو في العالم عموما، يشير إلى أن التنظيم يستغل عبر فروعه وخلاياه النائمة، الظروف والأزمات، لتنفيذ عملياته، وخاصة عبر ما يعرف بتكتيك “الذئاب المنفردة”.

وأردف مهدي لموقع “الحل نت” أن التنظيمات الإرهابية عادة ما تستغل الحروب والأزمات وخاصة الحساسة منها مثل حرب غزة. وبالفعل استغلت التنظيمات المتطرفة مثل تنظيمي “داعش والقاعدة” أزمة غزة في حربها مع الغرب والدول التي تعتبرها “معادية” لها، من حيث بث خطابات ومواقف تحريضية وتعبوية إلى تنفيذ عمليات إرهابية متعددة.

هذا فضلا عن دعوة كلّ الإسلاميين والمتعاطفين معه إلى شنّ حرب شاملة ضد “اليهود والأجانب” وكل من يدعم إسرائيل، أي دعوة مفتوحة لجميع الجماعات الإسلاموية في الولوج في حروب وهجمات ضد الغرب، وتحديدا تركيز التنظيمات المتطرفة على عبارة أن “السبيل الوحيد لتحرير الأمة الإسلامية من براثن أنظمة الكفر هو الجهاد في سبيل الله”.

وبالتالي، فإن تنظيمي “داعش والقاعدة” وعموم التنظيمات الإسلاموية، يسعون لتحريف أسباب حرب غزة الحقيقية بما يتوافق مع أهدافهم وأيديولوجياتهم. وذلك من أجل استقطاب الأفراد، وخاصة الفئة الشابة، وتوظيفهم في عمليات وهجمات إرهابية “الذئاب المنفردة”، ومن المرجح أن ينفذ التنظيم الإرهابي هجمات أخرى خلال الفترة المقبلة سواء في أوروبا أو في سوريا والعراق، طبقا لتحليل مهدي.

من الواضح أن تنظيم “داعش” يحاول دائما إرسال إشارات من خلال عملياته الفردية أو حرب العصابات، للتأكيد مجددا على أنه لا يزال حيّا فضلا عن محاولة إحياء قدراته العسكرية، وأنه لا يزال يشكّل تهديدا مستمرا بسبب بنيته اللامركزية وقدرته على تنظيم هجماتٍ متنوعة ومعقّدة، وأنه موجود بشكل حيوي وعملياتي ومستمر في الاحتفاظ بقدرات قتالية رغم فقدِه لقادته، خاصة أنه يحظى بحاضنة شعبية جيدة حتى يومنا هذا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة