مخاوفٌ عدة تتزايد من استغلال تنظيم “داعش” الأحداث الأخيرة التي تشهدها المنطقة، على خلفية اندلاع الحرب في قطاع غزة، بين إسرائيل وحركة “حماس”، ومن ثم التوترات المتبادلة ما بين الولايات المتحدة والميليشيات الإيرانية في كلٍّ من سوريا والعراق، حيث يقوم هذا التنظيم الإرهابي بشنّ هجمات متفرقة بين الحين والآخر على عدة مناطق وقوى في الساحة السورية، وبالتالي فإن هذا يعني أن ثمة أهداف ومصالح تسعى جهات معينة إلى تحقيقها، والتي ظهرت مع ظهور التنظيم المتطرف الساعي لاستغلال الثغرات وانشغال العالم بغزة من أجل إعادة تشكيل صفوفه وتنفيذ عمليات متعددة.

هجمات “داعش” في هذا التوقيت بالذات، والتي تتزامن مع استمرار حرب غزة، لا تخدم إلا أطرافا معينة، وتحديدا إيران، وبالتالي نحن أمام فرضية تقول: ثمة بعض التنسيق بينهما لشنّ هجمات منفصلة في المنطقة، وهذا ليس بالأمر الغريب، كما كشفت التقارير والتحقيقات السابقة حول وجود ترابط وتعاون سري بين “الحرس الثوري” الإيراني وتنظيم “داعش”.

وما يدعم هذه الفرضية هي هجمات “المقاومة الإسلامية في العراق” المتحالفة مع إيران على قواعد واشنطن في سوريا والعراق، خلال الفترة الماضية وحتى اليوم، وبالتالي يبقى التساؤل الذي يطرح نفسه هنا: ما دلالات تكرار هجمات التنظيم في المنطقة، وما احتمالية استخدام طهران لـ”داعش” كما تستخدم فصائل “المقاومة الإسلامية” لصالح أجنداتها وأهدافها التكتيكية، في ظل تفاقم حرب غزة.

سوريا ودلالات هجمات داعش

على الرغم من هزيمة تنظيم “داعش” في معقله الأخير في بلدة الباغوز بدير الزور شرقي سوريا عام 2019، على يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وبالتعاون مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن، إلا أن عناصره الذين فرّوا إلى البادية السورية الشاسعة، لا يزال بإمكانهم شنّ هجمات تستهدف حينا قوات حكومة دمشق، أو “قسد” في شمال شرقي سوريا.

زيادة وتيرة هجمات “داعش” في سوريا والعراق- “إنترنت”

هذا وقُتل حوالي 39 عنصرا من القوات السورية في هجمات متفرقة لـ”داعش”، ففي 8 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، شنّ عناصر التنظيم هجوما عنيفا على مواقع عند مثلث الرقة – حمص – دير الزور. ويعتبر هذا الهجوم هو الأكثر دموية منذ بداية العام 2022، حيث قُتل ما يقارب 34 جنديا، إضافة إلى هجومين متتاليين نُفّذا يوم الأربعاء 14 الشهر الجاري، على عدة حواجز أمنية تابعة للقوات الحكومية في بادية حمص، أسفرا عن مقتل 5 جنود وإصابة آخرين.

ولا تزال حصيلة القتلى مرجّحة للارتفاع لوجود جرحى بعضهم في حالة خطيرة، إضافة إلى معلومات عن سقوط قتلى آخرين، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”. وفي سياق متّصل، قُتل مدني وعنصر في قوات “الآسايش” التابعة لـ”لإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا، في هجوم جديد لـ”داعش” استهدف سيارتهما. وقال المرصد السوري إن خلية تابعة للتنظيم استهدفت السيارة بالرصاص بشكل مباشر على الطريق المؤدي إلى بلدة المنصورة بريف الرقة الغربي، ما أدى إلى مصرعهم، إضافة إلى هجمات سابقة خلال الأيام القليلة الماضية، أدت إلى سقوط ضحايا وجرحى في مناطق سيطرة “قسد”.

ضمن هذا الإطار، يقول الدكتور زارا صالح، الباحث السياسي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في جامعة “كوفنتري” في بريطانيا، إنه منذ هزيمة تنظيم “داعش” في آذار/مارس 2019 على يد “قوات سوريا الديمقراطية” والتحالف الدولي، يحاول هذا التنظيم دائما إرسال إشارات من خلال عملياته الفردية أو حرب العصابات و”الذئاب المنفردة”، للتأكيد مجددا على أنه لا يزال حيّا فضلا عن محاولة إحياء قدراته العسكرية، وأنه لا يزال يشكّل تهديدا مستمرا بسبب بنيته اللامركزي وقدرته على تنظيم هجماتٍ متنوعة ومعقّدة، وأنه موجود بشكل حيوي وعملياتي ومستمر في الاحتفاظ بقدرات قتالية رغم فقدِه لقادته، خاصة أنه يحظى بحاضنة شعبية جيدة حتى يومنا هذا.

إضافة إلى وجود معسكرات وسجون تضم آلاف المعتقلين من عناصر التنظيم الإرهابي، وربما العمليات الأخيرة في البادية السورية، سواء المناطق التابعة لحكومة دمشق أو تلك التابعة لـ”قسد”، دليل على سعي التنظيم لإعادة تشكيل صفوفه وتهريب عناصره من السجون، وفق صالح.

وأردف صالح لموقع “الحل نت”، أن تنظيم “داعش” يحاول إحياء نفسه بوجوده من خلال عملياته المتعددة، سواء باستهداف الشاحنات أو العمليات الانغماسية، خاصة في تلك المناطق التي تُعتبر صحراوية ومفتوحة ويصعب السيطرة عليها.

عوامل انبعاث “داعش”

بيد أن ازدياد وتيرة العمليات الأخيرة للتنظيم الإرهابي، من وجهة نظر زارا صالح، يعود إلى عدة عوامل وظروف في هذه الفترة، كان بدايتها انشغال “قوات سوريا الديمقراطية” بالاشتباكات مع الفصائل الموالية لتركيا، فضلا عن الهجمات الأخيرة التي نفذتها أنقرة ضد مناطق وبُنى تحتية في مناطق شمال شرقي سوريا، وبذلك أعطى كل ذلك للتنظيم فرصة أكبر لأن يحيا في تلك المناطق.

استهدافات الميليشيات الإيرانية ضد القواعد الأميركية في سوريا والعراق، عزز فرص ظهور “داعش” وانتعاشه من جديد، والقيام بعمليات متعددة في المنطقة.

الباحث السياسي، زارا صالح لـ”الحل نت”

والعامل الآخر هو انشغال قوات الحكومة السورية وروسيا بعملياتهما في مناطق شمال غربي سوريا، ومن ثم جاءت حرب غزة بين إسرائيل و”حماس”، وانشغال العالم كله بهذه الحرب.

وكما نعلم، بدأت الميليشيات الإيرانية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، بتصعيد غير مسبوق ضد القواعد الأميركية في مناطق مختلفة في سوريا والعراق، كردّ فعل على دعم أميركا لإسرائيل في حرب غزة، وبالتالي عزز ذلك فرص ظهور “داعش” وانتعاشه من جديد، والقيام بعمليات متعددة في المنطقة، بحسب تعبير زارا صالح.

وكان متوقعا أن يُترك أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، المجال لـ”داعش” لكي يعود ويهاجم عدة مناطق في سوريا أو العراق، وبالفعل نفّذ التنظيم عدة هجمات في خضم الحرب المستمرة في غزة، فضلا عن الاستهدافات المستمرة من قبل الميليشيات الإيرانية للقواعد الأميركية في سوريا والعراق.

ليس ذلك فحسب، فبالتزامن مع هجمات “داعش”، يشهد مخيم “الهول” الذي يأوي عوائل التنظيم بريف الحسكة شمالي سوريا، توترا أمنيا منذ منتصف ليل الإثنين-الثلاثاء الماضيين، نتيجة احتجاج زوجات عناصر التنظيم، للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن المعتقلين في سجون “قسد”، وفق مصادر محلية عدة.

أداة وظيفية لإيران

من ناحية أخرى، فإن ما يحدث حاليا في غزة، وما نتج عنه من توترات في سوريا والعراق، أعطى لـ”داعش” فرصة مجانية للانبعاث وإعادة تشكيل صفوفه، لكن على الرغم من عملياته المتعددة، فمن غير المرجّح أن يتمكن من إحياء “دولة الخلافة” المزعومة مرة أخرى كما في عامي 2013-2014، لكن من الواضح أنه يحاول استغلال حرب غزة ليثبت للعالم أنه لا يزال موجودا، سواء من خلال الهجمات في سوريا أو حتى في أفغانستان.

تنظيم “داعش” قد يكون أداة وظيفية أحيانا لأجندة إيران في المنطقة- “رويترز”

لكن لا يمكن أن نتجاهل فرضية أن هناك استغلالا لهذا التنظيم من قِبل إيران لخدمة أجنداتها، خاصة بعد أن كشفت تحقيقاتٌ عدّة عن وجود شبهات وتعاون سرّي بين طهران و”داعش”، بالإضافة إلى استفادة الأولى من وجود “داعش” لإعطاء مبرّر لانتشار ميليشياتها في سوريا، وبالتالي فإن تحرّك “داعش” الذي على الرغم من امتلاء المنطقة بميليشيات طهران، يؤكد كيف يتم صناعة الحواضن للإرهاب.

بالعودة إلى زارا صالح، فإنه يرى في هذا الصدد، أن عمليات “داعش” الأخيرة دليلٌ على استغلاله للوضع الحالي (حرب غزة)، وكذلك العمليات التي تنفذها إيران عبر وكلائها الشيعة المتطرفينَ في سوريا، و”المقاومة الإسلامية في العراق” من استهدافٍ للقواعد الأميركية، فإن كل ذلك يصبّ في خدمة إحياء التنظيمات الإرهابية.

ما تفعله إيران اليوم، سواء في العراق أو سوريا، وحشد الفصائل تحت مسمى “المقاومة الإسلامية”، لا يُستبعد أن يكون تنظيم “داعش” ضمن أجندتها في مناطق شرق الفرات، وما يحدث ليس محض صدفة.

الباحث السياسي، زارا صالح لـ”الحل نت”

وطهران، باعتبارها دولة راعية للإرهاب، سواء من خلال التنظيمات السُّنية أو الشيعية، تستغل كل هذه الفصائل المتطرفة لصالح أجندتها. وما يحصل اليوم، بتقدير زارا صالح، لا يُستبعد أن تكون إيران في مرحلة تمهدٍ أو تهيئة الأجواء بشكل مباشر أو غير مباشر لانبعاث “داعش” من جديد، خاصة في مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، حيث تواجد القواعد الأميركية.

وما يدعم هذا الكلام، أن ميليشيا طهران تقصف قواعد التحالف بقيادة واشنطن في سوريا، في حين أنهم لا يقومون بأي إجراء للدفاع عن قوات دمشق (حليفة طهران) التي تتعرض للضربات من قبل “داعش” في البادية السورية.

ولذلك فإن ما تفعله إيران اليوم، سواء في العراق أو سوريا، وحشد الفصائل تحت مسمى “المقاومة الإسلامية”، لا يُستبعد أن يكون تنظيم “داعش” ضمن أجندتها في مناطق شرق الفرات، أماكن النفوذ الأميركي، وبحسب تقدير زارا صالح، فإن ما يحدث ليس محض صدفة.

مما لا شك فيه أن لهذه الهجمات التي يقوم بها “داعش” مؤشرات خطيرة، فعلى الرغم من هزيمته وتلقّيه ضربات وهزائم كبرى، إلا أنه لا يزال يمثل خطرا لا ينبغي للتحالف الدولي والعالم أجمع أن يتجاهله، أو يتجاهلون من يقف وراء تأجيج وتغذية هذه التنظيمات الإسلاموية المتطرفة في المنطقة من وقت لآخر، بما يخدم أجنداتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات