جاء حديث القيادي بحركة “حماس” أسامة حمدان، مؤخراً، بشكل يبدو لافتاً، خاصة عن الارتباطات وثيقة الصلة مع الحكومة السورية في دمشق، وإشارته لوجود “دعم” للشعب الفلسطيني في الإعلام وبين الأوساط السورية الرسمية والشعبية، على حدّ تعبيره، كما مع “القيادات” و”المسؤولين” الذين التقى بهم في ظل تداعيات عملية “طوفان الأقصى”. 

ولم يكن إفصاح القيادي الحمساوي عن الدعم المزعوم للقيادة بدمشق، مع تلميحات وإشارات بضغوطات تتعرض لها سوريا نتيجة اصطفافها مع “المقاومة”، سوى خطاب سياسي مزدوج لإعادة منح دمشق موقعها المركزي من القضية الفلسطينية بغزة، هذا من ناحية، فضلاً عن منحها المبرّر لإزالة الانتقادات الموجّهة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، عن غياب موقف عملي أو حتى نظري من الأحداث، من ناحية أخرى. وقد منعت القيادة بدمشق التظاهرات الداعمة لفلسطين في سوريا، بل اعتقل المنخرطينَ في مسيراتها العفوية.

وقمعُ دمشق للفلسطينيين في سوريا كما توضح لنا التقارير الموثّقة والإحصاءات في منظمات المجتمع المدني والجهات الحقوقية المحلية والأجنبية، ينفي الصفة التي يسعى “النظام السوري” وحلفاؤه بـ “حماس” منحه إيّاها، ومفادها الارتباط بـ”المقاومة”. والشاهد من المواقف التي يؤديها بشار الأسد تجاه المسألة الفلسطينية إنما يعمّق فكرة استفادته وحيازته جملة مصالح سياسية وإقليمية من خلال القبض على ورقة فلسطين والصراع مع إسرائيل. ومن بين تلك المصالح؛ هي أن تكون وسيلة للتفاوض مع تل أبيب وباباً يدلف منه لـ “البيت الأبيض”. 

تنسيق “حماس” مع دمشق

ولهذا، نجد أن بشار الأسد لا يترك مساحة العمل الفلسطيني بحرية وتلقائية إنما يقوم بإدارتها في حدود مرسومة وأفق منخفضة. وبمجرد أن يتخطى العمل هذه الحدود وتلك الأفق تصبح النتيجة هي القمع والتشريد. فالمسألة الفلسطينية بالنسبة للحكومة والذي لم يفصح القيادي الحمساوي عن طبيعة التنسيق وحقيقة المواقف المشتركة وجوهر العمل سواء كان ميدانياً وسياسياً هي لتوفير حماية لـ”الأسد” الذي يتولى تأميم أي صراع ينفجر على حدود إسرائيل. 

علم فلسطيني يرفرف على المباني المدمرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في العاصمة السورية دمشق بينما بدأ النظام في إزالة حطام المخيم في 09 أكتوبر 2018. (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية)

تبعاً لذلك كله، لا يمكن طرح تناقض بين المواقف المزعومة عن الدعم السوري لفلسطين، وفي ذات الاتجاه نجد تضييقات على الفلسطينيين في سوريا، كما يشير تقرير موثّق لـ”مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” بشأن العام الماضي. وقال إن “النظام في دمشق أصدر قراراً جرى بناءً عليه تجميد أي أنشطة تجارية تتعلق بشراء عقارات الفلسطينيين ومعاملتهم كأجانب”. 

وأوضحت المنظمة أن هذا التضييق على أوضاع الفلسطينيين في سوريا إنما يراكم عليهم الأعباء ويفاقم لديهم المخاوف وينعكس بعدّة صور معيشية وتعليمية وصحية عليهم، مع شعور دائم ومزمن بالاعتقال والملاحقة والترحيل من قبل أجهزة الأمن السورية. 

بالتالي، كان ملحّاً أن تعاود المجموعة المدنية والحقوقية المعنية بالفلسطينيين بسوريا مطالبتها العام الحالي بضرورة الإفراج عن المعتقلينَ من الفلسطينيينَ والمخفيّينَ قسراً في السجون السورية. 

ووثّقت أسماء ما يقارب 3076 معتقلاً فلسطينياً، من فئات عمرية مختلفة وكذا من مِهنٍ ووظائف ومرجعيات سياسية متباينة. وقالت إن “المعتقلينَ الفلسطينيينَ يعانون من التعذيب في الأفرع الأمنية ومراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري”. بينما كشفت عن وفاة نحو 643 فلسطينياً نتيجة التعذيب الذي يبدو ممنهجاً.

خطاب أسامة حمدان السياسي خلال لقاءٍ في برنامج “جلسة” على موقع “تفاصيل” قبل أيام قليلة، هو بالأساس يضع جملة نقاط في مسألة العلاقة التي تحكم “حماس” بالسلطة في دمشق، حيث إن العلاقة تقوم على تبادل المنفعة المؤقت، كما أن تبادل المنفعة يفترض معه نظرة كل طرف للآخر على أنه يقوم بدور وظيفي وليس هناك رؤية استراتيجية عامة تحمل مبادئ سياسية أو نظرية لها صفة الديمومة والاستمرار. فـ”حماس” هي وسيلة وأداة السلطة في دمشق ليقول إنه ممثل القضية الفلسطينية من الناحية الإقليمية ويهمش الأطراف التي تنازعه هذا الحقّ ويواصل قمعه ضد خصومه. 

وبسؤال المذيعة القيادي الحمساوي، عن ما وثقته مجموعة “العمل لأجل فلسطيني سوريا” الحقوقية، بخصوص منع النظام السوري لفلسطيني سوريا من التظاهر لأجل غزة، تجنب القيادي الحمساوي التعليق، مبرراً ذلك بأنه ليس مضطراً التعقيب على عمل “جهة مقيمة في لندن”، حسب تعبيره وتوصيفه، في إشارة لوجودهم في الخارج بقصد التشويه لمجرد إقامتهم بـ”لندن”، وأن هذه الجهة لا يمكن أن تكون على المسافة ذاتها من التقييم مع النظام السوري الذي هو “في مواجهة العدو ميدانياً”، الأمر الذي يعني تبرئة النظام بأي حجج، والتغطية على ممارساته الوحشية والعدوانية بحق الفلسطينيين بذرائع مختلفة.

محور بـ”المقاومة” تحت الطاعة الإيرانية

وسوريا في محور “المقاومة” هي ضمن الطاعة الإيرانية التي توظّف مع تبعيتها للأخيرة قوى ما تسمى بـ”المقاومة” لابتزاز أطراف عديدة، محلية وخارجية، بل تقدم نفسها على أن بمقدورها إدارة أطراف الصراع لحسابها وتُفاوض من خلالهم إسرائيل للحصول على مكتسبات، وتكون في النهاية فرصةً تراكم بها نقاط ٍفي محفظتها السياسية البراغماتية. 

فالسلطة في دمشق التي تخضع لأوامر المرشد الإيراني علي خامنئي لا تتخيّل نفسها سوى شرطي في هذا المحور لحماية أهداف الملالي، مثلها مثل باقي الفصائل المنضوية في كيان “الحرس الثوري” الإيراني، يؤدي الدور المخطّط له سرّاً وعلانية. 

ومن ثم، كان خلاف السلطة في سوريا وعودة العلاقات والحديث عنها مؤخراً كما عبّر عنه القيادي بـ “حماس” مؤشراً على الانتقال من مربع لآخر بأوامر وطاعة المرشد وليس بإرادة سياسية مستقلّة.

حتى الآن، لا يبدو الموقف في دمشق واضحاً بشأن الصراع بغزة سوى جملة عبارات سياسية تقليدية عبّر عنها بشار الأسد في القمة الطارئة بالرياض.

وقد يبدو غريباً الحديث عن دور وعلاقات بين دمشق ودعمها لفلسطين من خلال “حماس”، بينما كانت الأولى تصف الحركة المصنّفة على قوائم الإرهاب بـ”الغدر” و”النفاق”. وقال الأسد: “بعد كل ذلك الوقت أريد أن أوضح نقطة صغيرة، أن البعض من قادة حماس كان يقول بأن سوريا طلبت منهم أن يقفوا معنا، كيف يقفون معنا، كيف يدافعون عن الدولة السورية، هم لا يوجد لديهم جيش وهم بضع عشرات في سوريا وهذا الكلام غير صحيح. الموقف نحن أعلناه بأكثر من مناسبة بأنه موقف غدر، ليس لأننا وقفنا معها لكن لأنها كانت تدّعي المقاومة في ذلك الوقت. أنا أتحدث عن القيادات، لا اتحدث عن كل حماس، لا أعرف كل حماس، التي ادعت أنها تقف مع المقاومة هي نفسها التي حملت علم الاحتلال الفرنسي لسوريا، فكيف يمكن لشخص يدعي المقاومة أن يقف مع احتلال نتج باحتلال أميركي وتركي وعدوان إسرائيلي تحت علم محتل فرنسي”.

وتابع الأسد: “هذا الموقف هو مزيجٌ من الغدر والنفاق، أما علاقتنا اليوم هي علاقة ضمن المبدأ العام، نحن نقف مع كل طرف فلسطيني يقف ضد إسرائيل لكي يسترد حقوقه، هذا مبدأ عام. العلاقات مع حماس لا يمكن أن تعود كما كانت عليه في السابق. حالياً ليس لحماس مكاتب في سوريا ومن المبكّر أن نتحدث عن مثل هذا الشيء، لدينا أولويات الآن، والمعارك داخل سوريا هي الأولوية بالنسبة إلينا”.

دور غامض لدمشق

الدور الغامض الذي تحدّث عنه أسامة حمدان للسلطة في دمشق في إطار دعم ما أسماه بـ”محور المقاومة”، ومن دون ذكر تفاصيل، وإشارته المتكررة أيضاً من دون تفاصيل عن زيارة دمشق، هو تأكيد للافتراض بأن الأخيرة محطة ضمن محطات تتنقل من بينها قوى طهران بالوكالة لإدارة أزماتها وصراعاتها الخارجية والانعطافة السياسية في جغرافيا لها سيادة ولائية من مكتب “آية الله”. فحتى الآن، لا يبدو الموقف في دمشق واضحاً بشأن الصراع بغزة سوى جملة عبارات سياسية تقليدية عبّر عنها بشار الأسد في القمة الطارئة بالرياض. 

لكن المواقف العملية تتم بين مواقع نفوذ طهران الجغرافية والجيوسياسية في لبنان وسوريا، ومن هنا كان استهداف قيادات عدّة في مناطق نفوذ طهران بريف دمشق والضاحية الجنوبية لبيروت.

أما الاستهداف الذي طال مطاري دمشق وحلب، إنما لحيازة المرفقَين في يد طهران وكونهما وسيلة نقل الأسلحة والمعدّات العسكرية والمسيّرات فضلاً عن الخبراء الإيرانيينَ في مجال السلاح وكاميرات المراقبة والتجسس.

صحيح أن دور الأسد الذي يظهر في المحافل الرسمية كقمة الرياض الطارئة، أو من خلال تصويب سهام مضيئة ومشوشة على هذا الدور الباهت والضعيف، كما صنع أسامة حمدان في حديثه، لا يعدو كونه سوى مجرد عبارة عن نفاق سياسي، لكنه في الوقت ذاته يفضح محاولات دمشق للقفز على الوضع السياسي وكسب أي موقف بالصخب والانتزاع عنوة وبشكل ملفق غير حقيقي، وبما قد يساهم في تخفيف الضغوط العديدة عليه. فملفّ الصراع في غزة بين “حماس” وإسرائيل قد يكون باباً لـ”الأسد” وسلطته بحيث يكون ضمن معادلات المنطقة مع تحولاتها الجيواستراتيجية وبحيث يضمن لنفسه أمداً أطول ربما في الحُكم مقابل خدمات للقوى الإقليمية والدولية.

من لقاء بشار الأسد بوفد “حماس” في أكتوبر 2022- “إنترنت”

أخيراً، بدا حديث القيادي الحمساوي عن القيادة بدمشق يتناسب مع رؤية الحركة لدمشق، من جهة، فضلاً عن طبيعة العودة الجديدة للعلاقات بين الأخيرة والحركة المصنّفة على قوائم الإرهاب. فالإشارات المكتومة تفضح أن إدارة الوضع أبعد من دمشق وتمرّ عبر طهران. وأن السلطة في دمشق هو نتيجة ورد فعل بل صدى لسياسات أخرى يتم تشكيلها واتخاذ القرار بشأنها ثم اختبار تفاعلاتها في الميدان السوري كما اللبناني أو اليمني. 

والاستفادة التي تحظى بها الحكومة السورية مؤقتة وربما تحمي وجودها السياسي بالدرجة التي تجعلها في مأمن من قصف قد يطال القصر الجمهوري في العاصمة دمشق، وما زال يحفظ للأسد استقراره من أي هزات ارتدادية طالما يتخذ المسافة الآمنة المطلوبة. وهي المسافة نفسها التي تبعد بين مناطق الاستهداف المتكررة بسوريا ومقرات الحُكم على ساحل المتوسط. وهي المسافة نفسها التي كانت رسالة تحذيرية عندما حلّقت طائرات إسرائيلية فوق أحد قصور الرئاسة عام 2006، بينما كانت مكاتب الحركة بدمشق. فعودة “حماس” لسوريا مرتبطة بإيران وحلفائها في روسيا و”حزب الله” بإيران. بل وطبيعة التنسيق السياسي والأمني بين هذه الأطراف، وما بينهما من قضايا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة