على عكس مشاركتها في المهمة العسكرية لمكافحة القرصنة في القرن الأفريقي، تجنبت الصين الانضمام لتحالف الازدهار، الذي دعت إليه الولايات المتحدة، وأضاف مجلس الأمن الدولي عملياته عليه صبغة رسمية بقراره رقم 2722، والسؤال ما موقف بكين من هجمات “الحوثيين” في البحر الأحمر؟ ولماذا لم تشترك في التحالف الذي قادته واشنطن ضد تهديدات “الحوثي”؟

بحسب مركز الإمارات للسياسات، فإن عدم دعم بكين للتحالف أو العمليات العسكرية الغربية في البحر الأحمر، مرهون بإرادتها السياسية بعيدا عن إمكاناتها العسكرية، حيث تلقي بكين بثقلها خلف الاستراتيجية الدعائية للحوثيين، القائمة على أساس اقتصار أهدافها على حركة ملاحة السفن الإسرائيلية فقط من عموم حركة الملاحة والتجارة الدولية.

على أساس ذلك، ودون ذكره للحوثيين، دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إلى وقف المضايقات والهجمات على السفن المدنية والحفاظ على التدفق السلس للسلاسل الصناعية وسلاسل التوريد العالمية والنظام التجاري الدولي. محملا الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما، مسؤولية التصعيد، بالقول: “يجب تجنب صب الزيت على نار التوترات في البحر الأحمر ومنع زيادة المخاطر الأمنية الشاملة للمنطقة”.

إزاء هذه الهجمات التي تهدد الملاحة الدولية، التزمت الصين الصمت بداية، كجزء من الضغط على الدول الغربية، وللحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، لكن مع طول أمد الأزمة وانعكاس الهجمات على الاقتصاد الصيني، تحركت بكين نحو طهران لتوقف الهجمات، حسب الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن. منوها في حديث صحفي، إلى أن الوساطة الصينية لدى إيران ستؤدي إما لتخفيف عمليات الحوثيين، أو لنشوب أزمة بين بكين وطهران إن ظلت الهجمات.

حيث أشارت وكالة “رويترز” للأنباء، إلى طلب واشنطن من بكين ممارسة نفوذها على طهران لإقناعها بكبح جماح الحوثيين، ووفق المسؤولين الإيرانيين الذين تحدثوا للوكالة، قالت بكين: “إذا تضررت مصالحنا بأي شكل من الأشكال، فسيؤثر ذلك على أعمالنا مع طهران. لذا اطلبوا من الحوثيين ضبط النفس”. إلا أن المسؤولين الصينيين لم يدلوا بأي تعليقات أو تهديدات محددة حول كيفية تأثر علاقة بكين التجارية مع إيران إذا تضررت مصالحها بسبب هجمات الحوثيين.

بكين.. قدم في الماء وقدم في النار

رغم وعد المتحدث باسم “الحوثيين”، محمد البخيتي، بتوفير مرور آمن للسفن الروسية والصينية، فإن أضرار التهديدات “الحوثية” لحركة التجارة العالمية قد طالت بكين، إذ ارتفع مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات نتيجة هجمات “الحوثيين” بنسبة 161 بالمئة منذ 15 كانون الأول/ ديسمبر 2023، من 1029 دولارا إلى 2694 دولارا، بسبب إبحار السفن حول رأس الرجاء الصالح، مع ما يضيفه للرحلة من زيادة أسبوعين تقريبا، كما تشير التقديرات إلى أن تكلفة شحن حاوية بحجم 10 أقدام من الصين للموانئ الأوروبية تجاوز 5000 دولار في الأسبوع الثاني من كانون الثاني/ يناير الماضي.

نعمة الله قطب الدين، وهو نائب رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية لدى رئاسة جمهورية طاجيكستان، يستند في حديث مع “الحل نت” على الدراسات والتحليلات الصينية قائلا: “لا تريد بكين الانخراط أكثر في قضايا الشرق الأوسط، لا سيما في مضيق باب المندب، لأنها تنظر للحدث بإمكانية كونه فخا لها أو تهديدا لمصالحها في المنطقة أو لعلاقتها مع إيران”. 

أما عن حضور عسكري في الشرق الأوسط، يشير قطب الدين، إلى أن الصين بعيدة جدا عن ذلك ولا ترغب به أبدا أو الانخراط به بشكل أو بآخر، وبرأيه، تحاول الصين حصر جهودها بتشكيلها جسر تواصل بين دول المنطقة من جهة، وإيران من جهة أخرى. وهو أمر ترغب واشنطن أن تؤديه بكين. 

مع ذلك، تخشى الصين من تأثير التهديدات “الحوثية” واستهدافهم لسفن الشحن البحري على حضورها الاقتصادي ومصالحها الاقتصادية في المنطقة. لذا هي غير راضية عن هذا الوضع ويمكن أن تعمق اتصالاتها مع السلطات الإيرانية في هذا الخصوص.

مدمرة أميركية وسفينة “غالاكسي” الاسرائيلية في البحر الأحمر – آنترنت

إلى جواره، يقول مدير “مركز نورس للدراسات” إياد حمود، في حديث مع “الحل نت”: تستفيد الصين من انشغال الولايات المتحدة في أوكرانيا والشرق الأوسط، فهذا يشغل واشنطن عن بكين، لذلك تدعم الصين إيران في الشرق الأوسط، بل وتسعى لعلاقات جيدة مع “طالبان” في أفغانستان، وسعيدة من محاولات “الحوثيين” قطع مضيق باب المندب، والذي سيدعم مشروع “الحزام والطريق” الصيني، كما تدعم روسيا في حرب أوكرانيا سياسيا ولوجستيا.

مع ذلك، ينوه مدير وحدة الدراسات الإيرانية في “مركز الإمارات للسياسات“، محمد الزجول، إلى احتمال رؤية بكين لبعض مصالحها تتحقق في استمرار الأزمة في الشرق الأوسط، لاسيما من خلال التأثير السلبي على الممر الاقتصادي الهندي-العربي-الأوروبي، والذي تنظر له بكين كمنافس لمبادرة الحزام والطريق. 

لكن، وباعتبارها أكبر البلدان المستوردة للنفط، تعد الصين أبرز المتضررين المحتملين من استمرار الأزمة، خاصة في حال استمرار ارتفاع أسعار النفط، أو تأثر الإمدادات النفطية نتيجة اتساع الصراع، كما أن عودة التركيز الغربي على مبيعات النفط الإيرانية، والتلويح بإعادة ضبط العقوبات المفروضة عليها، تنذر بتداعيات سلبية على بكين، لأنها تحرمها من النفط الإيراني الذي تحصل عليه بأسعار تفضيلية.

راكب مجاني

بحسب  حديث للمحلل السياسي الإيطالي، دانييلي روفينيتي في تقرير لموقع “سكاي نيوز“، فإن الصين حتى الآن تستغل الأزمة في إلقاء اللوم على الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت، فإنها تشعر بالأمان إلى حد ما، فيما يخص سلامة سفنها، بعد أن حصلت على تأكيد من “الحوثيين” بعدم مهاجمتها. 

إلا أن عدم قيام الصين بدور أمني موسع في الشرق الأوسط يحد من قدرتها على التأثير على الاتجاهات الاستراتيجية الإقليمية، في حال توسع رقعة الصراع. فوفقا لخبراء صينيين، قد تصبح بكين الضحية الأكبر جراء هذا التطور، نظرا لكونها أكبر شريك تجاري للدول العربية لامتلاكها استثمارات هائلة في المنطقة.

لذا، جاء الضغط الصيني على إيران بعد إدراكها أن تجارتها باتت مهددة، وهي التي تعتمد على النقل والتجارة البحرية، حسب المحلل السياسي وجدان عبد الرحمن، وهنا ينقل موقع “سكاي نيوز” عن معهد الشرق الأوسط، مرور 120 مليار دولار من الواردات الصينية، و160 مليار دولار من الصادرات سنويا عبر مضيق باب المندب، ونحو 60 بالمئة من صادرات الصين إلى أوروبا عبر البحر الأحمر وقناة السويس.

كفكرة متداولة في منطقة آسيا الوسطى، يستطيع الصينيون لعب دور في هذا الوقت تحديدا، وأن يكون لديهم حضور قوي ونشاط فعال، لكن نظرة سلطات بكين للأزمة في باب المندب والشرق الأوسط عموما، أنها نتيجة لفشل الاستراتيجية الأميركية، لذا تراقب بكين آلية حل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لهذه الأزمة، وما إذا كان بإمكانها الخروج منها بنتائج وفق المصالح الأميركية، حسب حديث قطب الدين مع “الحل نت”، لذلك لن تقدم الصين على ممارسة سياسة يمكن أن تشكل جزءا من سياسة الدعم أو التعاون والحماية لأميركا في هذا الخصوص.

المحللان جريجوري برو، من “مجموعة أوراسيا”، وعلي واعظ، من “مجموعة الأزمات الدولية”، أشارا وفق تقرير لوكالة “رويترز”، إلى نفوذ محتمل للصين على إيران، بسبب مشترياتها النفطية، ولكون إيران تأمل في جذب المزيد من الاستثمارات الصينية المباشرة في المستقبل، لكنهما قالا، إن الصين مترددة حتى الآن في استخدام نفوذها على طهران لعدة أسباب، فبالنسبة لواعظ: “تفضل الصين الركوب المجاني في حافلة الولايات المتحدة لحماية حرية الملاحة في البحر الأحمر”.

مدير “مركز نورس للدراسات” إياد حمود،، ينظر لتمام الصورة بقوله، إن رغبة أميركا بالتفرغ للصين معروفة عالميا، والأمر تجاري بحت، ينطوي ضمنه عناصر الأتربة النادرة، وسلاسل التوريد العالمية وطرقها، وبانشغال واشنطن في أوكرانيا والشرق الأوسط، فإنها ستنشغل عن الصين، وتقلل من دعمها لتايوان، أو عن الانخراط أكثر في قضايا “الأندو-باسيفيك” بشكل عام. لذا تستخدم الصين النظام الإيراني كنظام وظيفي في الشرق الأوسط، كونها تعلم أنها عن طريق التجارة يمكنها إخضاع إيران، وعليه، لا تنحو الصين للضغط على إيران، فالأخيرة و”الحوثيين” هما المستقبل الصيني في المنطقة. 

حمود يضيف، أن عدم استقرار منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، يفيد بإعادة الوهج لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، ويبقي واشنطن مشغولة في هذه المنطقة، كما أنه لا خسائر وازنة تدفعها الصين، فالخسائر تتحملها شركات التأمين، ومع رفع شركات النقل والتأمين للأسعار، يصبح الأمر عالميا، وغير محصور بالصين فقط. لذا لا مشكلة للصين في ذلك، المهم لديها، أن سفنها لا تتعرض للاستهداف على عكس سفن الشركات الأوروبية والأميركية.

تنين من ورق

تقاعس الصين يكشف عن طبيعة المصلحة الذاتية لموقفها في الشرق الأوسط، حسب جوناثان فولتون، الزميل البارز في “المجلس الأطلنطي“. فالتردد الصيني في استخدام نفوذها على طهران، ليس لأن نفوذها محدود على الأخيرة، لكنه ناجم عن رغبتها برفع كلفة المشاركة الأميركية في السياسة الفوضوية والشؤون الأمنية في المنطقة. ويشير المجلس، إلى أن القادة الصينيين يفضلون ترك واشنطن تتحمل عبء إدارة حريق إقليمي ومنع نشوب حرب أوسع، فرسائل الصين بشأن مساهماتها في الاستقرار العالمي لا يقابلها عمل، خاصة عندما يساعد هذا الإجراء على خروج واشنطن من مستنقع محتمل، بغية إشغالها على التركيز على التنافس مع الصين ومعالجة التحديات في آسيا.

الصينيون الآن منخرطون جدا مع الجانب الإيراني، للضغط على “الحوثيين” بغية تخفيف التوتر في المنطقة، ولعدم السماح للجماعات المرتبطة بإيران في المنطقة تشديد هجماتها ضد القوات الأميركية، أو استهداف الشحن البحري وطرق التجارة الدولية في البحر الأحمر، حسب نائب رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية لدى رئاسة جمهورية طاجيكستان، قطب الدين. 

قطب الدين يرى، أن الصين لا تريد إرسال قطع بحريتها العسكرية لحماية سفن الشحن البحري، أو الالتحاق بتحالف أو ائتلاف دولي تحت قيادة الولايات المتحدة، وهي تبحث فقط عن مصالحها، الاستراتيجية ومصالح حضورها في منطقة الشرق الأوسط. منوها، إلى أننا قد نشهد في الأيام القادمة مرحلة متقدمة من التواصل أو التفاوض الصيني بين الإيرانيين من جهة، ودول المنطقة من جهة أخرى لخفض هذا التوتر والوصول الى نتيجة ترضي الجميع.

ختاما، يبقى اللافت في معرض تهديد “الحوثيين” للملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر، توصل دول الخليج إلى قناعة عدم فعالية الصين في حماية أمن المنطقة، بعد أن لمست الدول الخليجية عدم استعداد صيني للدفاع عنها، أو لدفع تكاليف عسكرية، حتى لو تحملت دول الخليج نفقاتها، حسب مدير وحدة الدراسات الآسيوية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، مصطفى شلش. ما يشير برأيه، لعودة المنطقة إلى القواعد القديمة، أو بالأدق عدم مغادرتها لها، من خلال بقاء المنطقة تحت مظلة الحماية الأميركية، وعدم وجود بديل عنها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات