“إجَت على رجليها”، هذا المثل الشعبي السوري الذي يعني أن الفرصة قد جاءت من تلقاء نفسها، ينطبق تماماً على روسيا التي لطالما كانت توّاقة لوضع مخالبها في جسد العراق، الذي بقي بعيداً عن الهيمنة الروسية منذ أكثر من 20 عاماً. 

القصد هنا، عن استئناف المحادثات بين العراق والولايات المتحدة، التي من المزمع أن تفضي إلى إنهاء مهمة التحالف الدولي ضد “داعش” في الأراضي العراقية. الأمر الذي سال عليه لعاب موسكو في محاولة لاستغلال أي توتر أو خلاف من أجل إقحام نفسها بغرض الاستفادة. 

بداية شباط/ فبراير الجاري، أعلن العراق نجاح المفاوضات مع الولايات المتحدة والاتفاق على تشكيل “لجنة عسكرية عليا”، لصياغة جدول زمني محدد وواضح يحدد مدة وجود مستشاري التحالف الدولي في البلاد.

أسباب الرغبة الروسية بالعراق

لم يمضِ أسبوع واحد، حتى خرجت روسيا بتصريح كشف عن النوايا التي تدور بداخل “الكرملين” حول العراق، في حال انسحاب الجيش الأميركي والقوات الأخرى منه. 

فجاء على لسان مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر كينشاك، في مقابلة تلفزيونية، أن روسيا تستمر في دعم الجهود التي يبذلها العراق لضمان الاستقرار والأمن والقانون والنظام في هذا البلد الصديق، مؤكداً استعداد روسيا لتقديم المساعدة في تعزيز القدرات القتالية، خاصة داخل نطاق قوات الأمن العراقية. 

الباحث السياسي هيثم الهيتي، أكد في حديث مع “الحل نت”، أن لدى روسيا رغبة كبيرة جداً في تعزيز تواجدها بالعراق، وذلك يعود لأسباب عديدة. 

حول تلك الأسباب، أوضح، أن “أولها هي أن روسيا تعتبر العراق الذي احتلّ في 2003، هو أحد أهم مراكز نفوذها الجغرافي في العالم، وأن احتلال العراق كان نتيجة لسقوط موسكو في 1990، وبالتالي خسرت روسيا العراقَ كدولة مهمة من عدة نواح”. 

أهمية العراق لدى موسكو متعددة،  فمن حيث الأيديولوجية، فإن الحزبَين الرئيسيَين في العراق قبل 2003، كانا “حزب البعث” و”الحزب الشيوعي”، لذا فإن لكليهما اتجاهٌ اشتراكي، وما يجعل بغداد مهمة عند موسكو هي المنطقة الجغرافية المحيطة بالعراق المتمثلة بقربها السياسي من روسيا، ناهيك عن تسليح الجيش العراقي الذي كان في معظمه يعتمد سابقاً على موسكو، لذا فإن العودة الروسية إلى العراق مرتبطة بهذا التاريخ، وفق الهيتي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إبان استقباله رئيس الحكومة العراقية شياع السوداني في موسكو في 10 أكتوبر 2023 – (المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية)

حول موقف إيران من ملء روسيا للفراغ الأميركي في العراق الذي بسطت فيه إيران يدها وأسست فيه الميليشيات، ذكر الهيتي، أن طهران “لا تستطيع أن تواجه روسيا كما تواجه الولايات المتحدة، نظراً لعدة أسباب أبرزها قرب إيران من روسيا”. 

“لكن بالرغم من شكل التوافق بين روسيا وإيران في سوريا، إلا أن الموازاة ستكون مختلفة بالنسبة للوضع في العراق، إذ أن إيران سترى في التواجد الروسي بالعراق أشبه بالمحاصرة أو الكمّاشة لها، كما أن ذلك سيؤثر على مستقبل إيران في المنطقة، ورغم ذلك فإن إيران في  الوقت الحالي ستقبل بتواجد روسي في العراق على المدى القصير”.

فيما يتعلق بموقف العراق، رأى الباحث السياسي الهيتي، بأنه منفتح على الشراكة مع روسيا، خاصة وأن الحاكم السياسي الحالي لبغداد قريب من طهران ودمشق، وبالتالي هذا القرب السياسي سيعزز من علاقاتهما، فضلا عن أن المقاتل العراقي -حتى في الميليشيات- مدرّبٌ على السلاح الروسي الأسهل استخداماً، وهذا سيساهم في تعزيز رغبة النظام الحالي الحاكم في الشراكة مع روسيا.

دور عسكري لموسكو في العراق؟

هيثم الهيتي لفت في الوقت نفسه، إلى أن “واشنطن لم تختر المواجهة حتى اللحظة نظراً لوجود انتخابات مقبلة، وبالتالي قد أجّلت قراراتها السياسية لما بعد الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى عدم رغبتها في توسيع الصراع بالشرق الأوسط، لكن بنفس الوقت فإن إتاحة الولايات المتحدة لروسيا بملء فراغ انسحابها من العراق أمر غير واقعي ولا يمكن تصديقه”. 

الولايات المتحدة ستتخذ مساراً مختلفاً مغايراً للمسار الدبلوماسي الحالي المتمثل بطول النفس والأناة، بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، بحسب الهيتي. 

من جانب آخر، فإن العراق غير مستعد لتسليم أمنه إلى دولة أخرى لا سيما من الدول التي تتقاطع مع الجانب الأميركي، فهو يتبع سياسة الابتعاد عن المحاور والانطلاق إلى أن يكون دولة حوار للجميع وينأى بنفسه أن تستخدم مقدراته للدخول ضمن محاور الصراع، لذا لا توجد أرضية للعمل على هذا الجانب مطلقاً. 

هذا ما قاله عباس العرداوي، رئيس مركز “ارتقاء” للبحوث والتواصل في حديثه لـ “الحل نت”، إذ أكد أن الفراغ الأميركي لن يعوضه سوى الجيش العراقي والمؤسسة الأمنية العراقية. 

عن هذه النقطة، أوضح العرداوي، أن الجيش العراقي هو المبرر الأساسي لإخراج “التحالف الدولي”، لأن عملية عدم الحاجة هو الأساس في إنهاء مهمة التحالف لذا جلب حليف آخر بناء على هذه الحجة أمر غير ممكن، وفق رأيه.  

من هنا يجد العرداوي، بأن “روسيا ليس لديها الرغبة في التواجد العسكري في العراق، لأن وجودها في سوريا كاف، وهي تعلم أن تواجدها في العراق عسكرياً سيعرضها للضغط الأميركي”. 

لكن موسكو تحاول التواجد في العراق عبر وسائل أخرى من خلال الدعم العسكري والتسليحي، ودعم الاقتصاد والتنمية وهو ما سيشكل لها أرضية في ظل تواجد علاقات تاريخية بين البلدين، بحسب قول العرداوي.

عين روسيا على اقتصاد العراق

المحلل السياسي، عباس الجبوري، رأى في حديث مع “الحل نت”، أن “ملء روسيا لفراغ التحالف الدولي سيواجه الكثير من التعقيدات الأمنية والرفض الأميركي”، وفي نفس الوقت، يجد بأن “العراق بحاجة إلى من يسنده في المرحلة الحالية، لذا كان من المفترض أن يمتلك العراق قنوات اتصال دبلوماسية عديدة ومنها الجانب الروسي”. 

الجبوري يضيف لـ “الحل نت”، أن “بإمكان بغداد عن طريق جلب الاستثمارات الروسية أن تضرب عصفورين بحجر واحد، إذ أن موسكو ستكون ملزمة في هذه الحالة بحماية ذاتية لمصالحها”، فيما بيّن يأن التواجد الروسي إن تحقق “سيكون ضمن ضوابط وشروط عراقية وليس روسية”. 

حول ما إذا كان هذا التواجد هيمنة اقتصادية، ذكر الجبوري، أن “العراق بحاجة إلى تنويع الاستثمار، لكنه في الوقت نفسه يرفض العودة للهيمنة، لذا من المفترض أن يكون شكل التعاون وفق شراكة ثنائية، خاصة وأن معظم سلاح الجيش العراقي هو روسي”. 

في الـ 20 من شهر شباط/ فبراير الجاري، أفاد ألبروس كوتراشيف، السفير الروسي في العراق في مقابلة متلفزة،  أن الشركات الروسية “تريد عملها في العراق ليس من أجل سد الفراغ بل من أجل الحصول على العقود المربحة”، علما أن هناك 50 شركة روسية تنشط في العراق في إطار عقود تطوير حقول النفط وعمليات الاستكشاف والتنقيب في عدة مدن عراقية.

ظفرُ روسيا ببلد النفط فرصة مغرية، فروسيا لديها فرص واعدة في بغداد بعد أن تخلّت شركات النفط العالمية عن عقودها في العراق بسبب قلة الأرباح التي تحققها مقارنة بما تحصل عليه في دول العالم الأخرى، بينما الأرباح القليلة مقبولة جداً من قِبل الشركات الروسية”، وفق حديث للباحث والخبير الاقتصادي حمزة الجواهري مع “الحل نت”.

في منتصف الشهر الجاري، كان هناك وفدٌ حكومي روسي زار العراق لبحث مجالات العمل في المشروع الاستراتيجي العراقي المسمّى “طريق التنمية”، وهو ما يرجّح الجواهري أن يكون قد شهد عرضاً روسياً رسمياً للاستثمار في العراق من خلاله، وبالتالي فإن موسكو تحاول عدم التّخلي عن رغبتها باقتحام العراق أمنياً واقتصادياً هذه المرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات