إحاطة خطيرة: ما الذي تخبرنا عنه ضربات إسرائيل للبنية التحتية العسكرية بلبنان؟

جاء التصعيد الإسرائيلي في لبنان، تحديداً استهداف بلدة الغازية على مشارف مدينة صيدا الساحلية، وقد طاول مخازن أسلحة لـ “حزب الله” وفق ما ذكر الجيش الإسرائيلي، ليكشف عن ضغوط جديدة ومسارات غير تقليدية مع خرق قواعد الاشتباك بين الطرفين، وبحسب مصادر سياسية وأمنية ودبلوماسية لـ”الحل نت”، فهناك رسائلٌ عديدة من جرّاء هذا التصعيد الإسرائيلي الذي أعلنت تل أبيب أنه جاء للرّد على المسيّرات التي تستهدف شمال إسرائيل. 

وفي أعقاب الهجوم الأخير، طالبت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان “كافة الدول الراغبة بإعادة الاستقرار والهدوء إلى الجنوب اللبناني إلى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة و المتمادية على لبنان”، داعيةً “المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف محاولاتها الاستفزازية لتوسيع دائرة الحرب، واستدراج لبنان إلى حربٍ يسعى جاهدا لمنع حصولها”.

وفق مصدر سياسي لبناني، فإن إسرائيل تواصل استهدافاتها في نطاقات بعيدة عن قواعد الاشتباك التقليدية بجنوب لبنان، بينما تتعمّد وفق استراتيجية غير معلنة تعميق الضربات بحيث تطاول مناطق بعيدة. ويؤكد المصدر في حديثه لـ”الحل نت”، أنه صحيح هناك ضربات طالت البنية التحتية العسكرية للحزب كما حدث بالقرب من صيدا، فضلاً عن ما جرى في النبطية، إلا أن هناك مسيّرات سقطت ولم يُعلن عنها في جونيه، أبرز البيئات المسيحية؛ حيث تتجه الاستراتيجية الإسرائيلية إلى تحريض وتأليب المكوّنات المعادية للحزب ضده. 

ضربة قاصمة

مصدر أمني لبناني رفيع المستوى، صرّح لـ”الحل نت”، أن الهجوم الذي نفّذته إسرائيل في منطقة الغازية على أطراف مدينة صيدا ضربة قاصمة لـ”حزب الله”، حيث أن الهجوم طاول مصنع مسيّرات بالأساس وأسلحة، كما يتولى العمل بداخله قادة من إيران بمعاونة فِرق هندسية في وحدة “الرضوان”، ويتواجد به أسلحة ومعدّات دقيقة والأخطر أنه يتم تدريب عناصر أخرى محلية على صناعة الأسلحة.

عمال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون طريقًا متضررًا، بعد أن أصيب بصاروخ أطلق من لبنان في 11 كانون الثاني (يناير) 2024 في كريات شمونة، إسرائيل. (تصوير أمير ليفي /غيتي)

المكان الذي تم استهدافه يتم بداخله صناعة أسلحة لجماعة “الحوثي” اليمنية، الأمر الذي سرّع من ضربة بغارة إسرائيلية ومن بين تلك الأسلحة التي أكدها المصدر الأمني هي الطوربيدات البحرية، كما أن هناك مصانع أخرى ربما تكون مماثلة في الخطورة أو أقل قليلاً على جدول الاستهداف.

كما يُعد هذا الموقع مركز العمليات وتدبير الأسلحة التي نفّذت الهجمات الأخيرة على شمال إسرائيل وفي كريات شمونة، وبه تم تطوير الصاروخ الذي تم الإعلان عنه “ألماس” الذي يماثل الإسرائيلي “سبايك”، فضلا عن وجود صواريخ أخرى تصل مداها لـ 500 كيلومتر وصواريخ “كورنيت”.

وبالتالي جاء الاستهداف ليضرب ليس بنية تحتية لـ”حزب الله” إنما يشلّ جزءً مهمّاً وفعّالاً من قدراته الأمنية والعسكرية الاستراتيجية.

حِراك قريب

بالعودة إلى السياسي اللبناني، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال إن هناك معلومات أكيدة بوجود تململ وشبه رغبة في حِراك داخل القوى المسيحية، لكنها تتحيّن اللحظة للخروج على الحزب. بيد أنه حتى الآن الحسابات الكاملة غير متوفرة لإحداث ذلك. 

جندي إسرائيلي يوجه وحدة مدفعية بالقرب من الحدود مع لبنان في 11 يناير/كانون الثاني 2024 في شمال إسرائيل. (تصوير أمير ليفي /غيتي)

ومن خلال قيام تل أبيب تكثيف هجماتها، فإنها تسرّع من حدوث هذا الحِراك الذي يهدف إلى اختبار واقع ومتانة النفوذ الاجتماعي والسياسي للحزب وقدرته على مواجهة وتعرية التآكل الذي تعرّض له. فيما يشير المصدر إلى أن الحزب الذي اعتمد في السابق على “عصا حركة أمل لقمع التظاهرات التي كان سببها اقتصادي وحقوقي كما في حِراك تشرين قبل أعوام قليلة لن يكون بمقدوره تكرار الأمر ذاته”. 

والأمر الأهم والفاصل تلك المرّة هو وجود معلوماتٍ عن تململ في قاعدة الدروز، بل احتمالية دعم وليد جنبلاط لطائفته واصطفافه مع المشهد المعادي لـ”حزب الله”. 

بل إن الهجوم الإسرائيلي على المنطقة التي تقع على أطراف مدينة صيدا، وقال الجيش الإسرائيلي إنها لمصنع تابع لـ”حزب الله” يتم تخزين السلاح به، فهو بغض النظر عن صحته من عدمه، والحديث للمصدر ذاته، يهدف في الحقيقة “الوصول للاستراتيجية والافتراض السابق ذكره، بمعنى “إلحاق خسائر عنيفة بقوى اجتماعية وطائفية بالدرجة التي تضاعف التذمّر والغضب ضد الحزب، ويضحى المواطن اللبناني من بيئات متعددة في مصفوفة واحدة ضد الحزب، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك المنطقة التي تم استهدافها هي منطقة مشتركة للسّنة والشيعية والغالب فيها المكوّن السّني من الناحية الاجتماعية والنفوذ السياسي بل كانت قاعد انتخابية للحريرية”.

ويدلل على ذلك، بأن المعلومات المتوفّرة لديه “حتى الآن إلى جانب خسارة الحزب المحتملة لأحد المخابئ التي يكدّس فيها السلاح، تشير إلى تعطّل تجارات عديدة بالمنطقة الصناعية وتوقّف استثماراتٍ ليست بالهينة وتُقدّر بملايين الدولارات حيث تعرّضت مولدات الكهرباء في المنطقة إلى التدمير”. 

كما يؤكد المصدر أن هناك بنك أهداف لإسرائيل في لبنان، والشاهد مما جرى في منطقة الغازية، لا يدع مجالا للشك بأن إسرائيل تسعى “لتهديد حزب الله بمواجهة حرب أهلية حيث إن مفتاح هذه الحرب كما في كل محطاتها وتواريخها السابقة بدأ من خلال تأجيج النار في أطراف المناطق التي تتواجد بها الفصائل الفلسطينية بالمخيمات، وهذه المنطقة التي طاولها الانفجار تُتاخم المخيمات الفلسطينية بعين الحلوة. 

انفجارٌ وشيك

يُضاف لذلك إلى المعطيات السابقة، تخويف البيئات المسيحية التي هي بالأساس متحفّزة بفعل الوضع الأمني والحال المعيشي الصعب فضلا عن الخطاب السياسي لزعمائها. وهذا الصِدام المحتمل من هنا وهناك حتما سيؤدي إلى انفجارٍ وشيك. كما ألمح المصدر إلى أن قُرب الانفجار من مخيم عين الحلوة، إشارةٌ تحريضية أخرى بأن إسرائيل بمقدورها الوصول لعناصر وربما قادة “حماس” هناك.

“كتائب العز الإسلامية” تنظيم جديد يربك الساحة في لبنان – إنترنت

لكن مصدر أمني لبناني، يقول إن هذا الطرح هو صحيحٌ كمعلوماتٍ، لكنه غير مكتمل من ناحية أن إسرائيل تشنّ فعلاً هجماتها بحيث تُبقي كل السيناريوهات مفتوحة وتضغط لجعل التفاوضات أكثر مرونة وتحصل على النتائج والتسوية التي تريدها من دون إملاءات “حزب الله” الذي يتعيّن أن يشعر بالتهديد حتى تكون الأوراق على طاولة المفاوضات مرجّحة لحساب تل أبيب. 

ويؤكد المصدر لـ”الحل نت”، أن حدوث حربٍ ليس مرجّحاً ورغم المشهد التصعيدي فإن التحركات الدبلوماسية الجارية لها فعالية وتأثير كبيرَين، والتقى نبيه برّي، بحسن نصر الله، قبل حادث الغازية، وحصل على ضمانات للأطراف التي وسّطته كمفاوض لها بخصوص التزامه بحلٍّ سياسي ومنع التصعيد لحافة الحرب. 

ورؤية برّي بحسب المصدر مفادها هي تطبيق القرار “1701”، من دون تعديل من جانب إسرائيل. وبعدها وقف التصعيد والتصعيد المضاد من لبنان وإسرائيل. ويتطلب الأمر بعد ذلك لتحقيق النصر السياسي الذي يتحرّى تحقيقه “حزب الله”، هو تحرير مزارع شبعا والمناطق المتنازع عليها. 

وفي ما يخصّ انسحاب “حزب الله” من جنوب نهر الليطاني، وهو المطلب الإسرائيلي، فإنه مازال محل خلاف حسب المصدر الأمني.

ولدى سؤال مصدر ثالث دبلوماسي عربي بلبنان مطّلع على الأمور، فيؤكد لـ”الحل نت”، أن هناك مفاوضات دبلوماسية لإتمام صفقة مع “حزب الله” غير أن الأمور تبدو مرتهنة بتعقيدات الوضع الميداني في غزة، من جهة، كما أن المعسكر المسيحي يضغط بحل الفراغ الرئاسي حيث يقوم الرئيس الجديد بتولّي مهام عقد الاتفاقيات وليس نبيه برّي الذي يقوم بدور المفاوض. 

فيما يشير المصدر الدبلوماسي إلى أن مبعوث بايدن، عاموس هوشستاين، أكد في لقاء خاص وغير رسمي به، أن الحزب لن يوقف هجماته على المستوطنات الشمالية طالما هناك غياب لتسوية في غزة.

مفاوضات تحت الصواريخ

هناك مقترحات عديدة لحل سياسي في لبنان أوسع وأشمل لإنهاء التوترات بين الجنوب حيث “حزب الله” وإسرائيل، وهذه المقترحات تتولى إدارتها و تشكيلها وصياغتها السعودية ومصر وفرنسا وقطر والولايات المتحدة، والجزء المشترك في هذه المقترحات التي سيتم تقديمها في اليوم التالي لانتهاء الحرب برعاية أميركية، هو دعم الجيش اللبناني وتطوير كاميرات مراقبة على الحدود وستكون هناك مؤتمرات في روما وباريس بخصوص هذا الأمر.

متظاهرون موالون لحزب الله يشتبكون مع قوات الأمن اللبنانية في 18 أكتوبر 2023، خارج السفارة الأمريكية خلال مظاهرة تضامن مع أهل غزة في عوكر، شرق بيروت. (تصوير جوزيف عيد / وكالة فرانس برس)

وقد كشف المصدر أن ثمة دورٌ تؤديه قطر بهذا الشأن والذي من المتوقع قريباً زيارة رئيس وزرائها محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني لفرنسا لذات الصلة.

رفض المصدر الدبلوماسي الكشف عن تفاصيل الزيارة، لكنه يؤكد أنها تحمل دعماً لمشروع المقترح الذي سيكون برعاية واشنطن، ويتضمن دعم للجيش اللبناني ودعم للاقتصاد اللبناني، الأمر الذي ستتشارك فيه الدوحة وباريس، من خلال إدارة ملف النفط والغاز في لبنان، فضلا عن مناقشة الفراغ الرئاسي.

وفي حديثه لـ”الحل نت” يقول الكاتب والباحث اللبناني، حسن فحص، أعتقد بأن هذا التوسّع من الناحية الإسرائيلية محاولة لاختبار إمكانية توسيع دائرة الاستهداف وردّ فعل الحزب والمدى الذي يمكن أن يذهب له في الرّد. وردّ الحزب جاء سريعا بهدف تثبيت قواعد الرّد من خلال استهداف بعض المصانع والمراكز الاقتصادية في الجليل. 

والتصعيد في المجمل بالأيام الأخيرة محاولة من الطرفين لتحقيق ضربات موجعة للطرف الآخر قبل التوصّل إلى أي تهدئة أو هدنة. بحيث إذا عادت الجبهة للاشتعال تكون من المستوى الذي وصلت إليه قبل الهدنة. وبالتالي يكون كل طرف لديه دائرة استهداف أكبر وأوسع وقد يحوّلها إلى منطلق لتوسيع دائرتها أكثر وقواعد استهداف أكبر.

ويردف: “قواعد الاشتباك باتت متحركة وهي في حال تغير يومي مع كل توسّع في الضربات الإسرائيلية، إلا أنها من جانب الحزب ما تزال تحت سقف عدم إعطاء الذريعة لنتنياهو لتطويرها إلى حرب مفتوحة على لبنان وعندها قد تتحول إلى حرب إقليمية وتُصرف الأنظار عما يجري في غزة وتمهّد لإنهاء المسألة الفلسطينية بالكامل”.

إسرائيل مستعدة

العميد الركن السابق بالجيش اللبناني، سعيد القزح، يقول إنه لم يعد هناك من تعبير” اشتباك تقليدي ” أو اشتباك مضبوط، ولقد فُتحت الحرب على كافة الصُّعد من قِبل إسرائيل على “حزب الله” وكل المحور المسمى “محور الممانعة” منذ وقت طويل. 

حزب الله يُقاتل كجيش نظامي أين المقاومة؟ (1)
أحد مؤيدي حزب الله الموالي لإيران يرفع ملصقًا يظهر جميع مقاتلي حزب الله الذين قتلوا بعد هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل في 7 أكتوبر خلال تجمع بينما يبدو أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يلقي خطابًا متلفزًا لحزب الله. (مروان نعامني/ وكالة الأنباء الألمانية)

ومن يحاول ضبط الأمور هو هذا المحور الذي لا يرغب بتصعيد الموقف ولا الأعمال العسكرية، ليقين الأذرع الإيرانية أن إسرائيل تسعى إلى التصعيد وتطوير الأعمال العسكرية لعدّة أسباب منها استعادة نظرية الردع والجيش الذي لا يُقهر، وتأمين سكان المستوطنات الشمالية وإبعاد خطر اجتياحهم على منوال السابع من تشرين الأول/أكتوبر من قِبل “حزب الله”، وحاجة الجيش الإسرائيلي إلى نصرٍ ما.

يُفسّر توقيت التصعيد الآن ارتياح قوات الجيش الإسرائيلي لسير المعارك في قطاع غزة واستعداده لفتح جبهة ثانية، وقد رأينا اليوم استهداف شاحنة تابعة لـ”حزب الله” في منطقة الهرمل على الحدود اللبنانية السورية ومقتل عنصرين تابعين له فيها. 

وهذا لا يخرج عن السياق الذي بدأ من استهداف الضاحية الجنوبية باغتيال الرجل الثاني في حركة “حماس”، صالح العاروري، ومحاولة قتل قيادي آخر في بلدة جدرا في وسط لبنان، أو استهداف الغازية قرب صيدا، أو عمليات الاغتيال لقيادات إيرانية أو من “حزب الله” في سوريا. 

إن التصعيد الإسرائيلي ليس بجديد وهو مستمر وتزامن البدء به منذ انتقال إسرائيل إلى معركة خان يونس، وكأنها ارتاحت نوعا ما عسكريا، عندها قلبت الآية في جنوب لبنان وأخذت زمام المبادرة وأصبحت هي مَن تُقدم على الهجوم بعكس الأيام الأولى للمعركة بحيث كانت تردّ على هجمات “حزب الله”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات