مع استمرار الاستهدافات الإسرائيلية على مناطق النفوذ الإيراني في سوريا، فضلا عن تعطيل مطاري دمشق وحلب وخروجهما عن الخدمة، بين الحين والآخر، ثمة مؤشر لا يمكن التغاضي عنه بخصوص الموقف الروسي الذي يبدو، ضمنا، يبطن مشاعر غامضة حيال تقويض نفوذ “الملالي”، بل إن موسكو تقف على أطرافها كل مرة وتتابع الضربات الإسرائيلية بينما تغض الطرف عن وقائعها وملابساتها، ولا تخرج تصريحاتها عن نطاق التنديد من دون تحرك عملياتي لوقفها أو التصدي لها.

وواقع الحال، يؤشر إلى وجود تنسيق مباشر بين موسكو وتل أبيب منذ سنوات، حيث تقوم الأخيرة بالإبلاغ عن ضرباتها لتفادي حدوث توترات أو استهدافات في مناطق أمنية تتموضع فيها القوات الروسية. ووفق مصدر دبلوماسي عربي فضل عدم الكشف عن هويته، فإن هذا التنسيق لم ينقطع للحظة، لافتا لـ “الحل نت”، إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا وتباين المواقف بين الطرفين فرض تفاهمات جديدة واستمرار التنسيق لجهة المصلحة الروسية التي تلح على الحاجة إلى تعزيز العمل، وتفعيل خطوط الاتصال مع الطرف الإسرائيلي، لا سيما بعد تخفيض القوات الروسية بسوريا.

يكاد لا يختلف ما يقوله الدبلوماسي العربي، عمّا سبق وأعلنت عنه السفارة الروسية في إسرائيل، ومفاده، أن التنسيق العسكري بين الطرفين لم يتأثر بمسألة الخلاف من الغزو الروسي لكييف، فيما نقلت وكالة “رويترز” للأنباء بيان السفارة الروسية وجاء فيه: “مسؤولونا العسكريون يناقشون القضايا العملية المتعلقة بهذا الموضوع بشكل جوهري على أساس يومي (…) وقد ثبت أن هذه الآلية مفيدة وستواصل العمل”. وتابع البيان: “روسيا قالت إنها رغم دعمها للاحتياجات الأمنية لإسرائيل، إلا أنها تكرر مُعارضتها لانتهاكات السيادة السورية”.

حالة التباين الروسية الإيرانية

مركز “الأهرام” للدراسات السياسية والاستراتيجية، يقول إن الأزمة السورية شهدت مؤخراً، حالة من التنسيق والتقارب بين روسيا وإسرائيل، بصورة يمكن القول معها إن العلاقات بين البلدين قد تجاوزت حالة التوتر على إثر إسقاط إسرائيل لطائرة شحن عسكرية روسية فوق سوريا في أيلول/ سبتمبر 2018. وقد عكس هذا التقارب العديد من الزيارات التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو على مدار عام 2018 الماضي. وجاءت الزيارة الأخيرة له في 27 شباط/ فبراير 2019 لتجعل حالة التقارب بين البلدين أكثر حضورا على ساحة تفاعلات الأزمة السورية مؤخرا، والتي استهدفت في المقام الأول التأكيد على رفض إسرائيل لبقاء إيران في سوريا خلال المرحلة القادمة.

المركز المصري تابع: “بما أن فكرة إخراج إيران من سوريا عبر ضغوط أميركية وفقا للرؤية الإسرائيلية قد باءت بالفشل، كان التوجه الإسرائيلي لروسيا –انتهازا لحالة التباين الروسية الإيرانية– على أمل أن تقتنع موسكو بأهمية الطلب الإسرائيلي بشأن إيران. وعلى الرغم من أن الرد الروسي على هدف الزيارة كان ردا غامضا؛ حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده ستعمل على إخراج كافة القوات الأجنبية من سوريا عبر مجموعة عمل مشتركة، إلا أن نتنياهو نجح في الحصول على تفهم روسي لأية عمليات عسكرية قادمة ستكون أكثر قسوة من سابقتها ضد التموضع الإيراني في سوريا، شريطة أن يتم إعلام روسيا بها”.

“ولإدراك الرئيس السوري بشار الأسد حالة التباين في المصالح بين حليفيه الروسي والإيراني، واستشعاره رغبة روسيا في إجراء تعديلات قوية في حكومة دمشق تماشيا مع حالة من المطالبات الدولية، ومع إعلان نتنياهو عن قيامه بالزيارة المذكورة، استبق الأسد زيارة نتنياهو لروسيا بزيارة قام بها لطهران قبل زيارة نتنياهو لروسيا بيومين للتأكيد على متانة واستراتيجية التحالف السوري – الإيراني، وعلى بقاء القوات الإيرانية في سوريا بموافقة من الأسد نفسه، في رسالة واضحة للطرف الروسي بشأن مدى النفوذ الإيراني لدى دمشق حال رغبته في إخضاع سوريا لصفقة تفاهمات دولية في المستقبل، لا سيما بعد ورود أنباء تشير إلى احتمال إجراء روسيا صفقات مع الولايات المتحدة وتركيا، سواء بالنسبة للشرق السوري، أو بالنسبة لإدلب. هذا فضلا عن رفض الدول الأوروبية المطالب الروسية بشأن المشاركة في عملية إعادة الإعمار السورية إلا بعد التوصل لحل سياسي يقلص من سلطات بشار الأسد بضمانة روسية”.

وفي ما يبدو أن موسكو التي تحافظ على خطوط اتصال مفتوحة مع إسرائيل، وتباشر التنسيق العسكري، بشكل منفتح، لا ترى ثمة ضرورة أبعد من خروج تصريحات عقب كل هجوم لـ “حفظ ماء الوجه” لا أكثر، إنما من الناحية الاستراتيجية والميدانية العسكرية، تؤمم وجودها خارج دائرة الاستهدافات والضربات، وتسعى لتكبيد طهران خسائر فادحة في إطار التنافس بين الطرفين داخل الجغرافيا السورية، باحتلالاتها المتعددة، وتقليص مساحة نفوذها أو تقوية دورها للدرجة التي تجعلها تتفوق على موسكو في الحصول على مكتسبات الحرب. لذا، لم تقم أنظمة الدفاع الجوي الروسية (إس-300) بمواجهة تلك الضربات الإسرائيلية، مع الأخذ في الحسبان، وبحسب تسريبات صحفية، أنه قد تم سحب هذه الأنظمة إبان الغزو الروسي لأوكرانيا.

رسائل إيران من الاستهدافات الإسرائيلية

خط الاتصال الروسي الإسرائيلي لتنسيق الضربات الإسرائيلية يعود لعام 2017، وفق ما أكد نتنياهو بهدف منع حدوث أزمات بين الطرفين، وتكون “آلية لحل الأزمات”. وتقع دائرة الاتصال في قاعدة حميميم الجوية الروسية والتي تقع جنوب شرق محافظة اللاذقية بسوريا. ووفق موقع “روسيا اليوم“: “كان الجنرال أندريه كارتابولوف مدير إدارة العمليات التابعة للأركان العامة للقوات المسلحة الروسية قد أعلن سابقا، أن عسكريي روسيا وإسرائيل يتعاونون من أجل ضمان أمن التحليقات في أجواء سوريا. وفي نهاية العام الماضي، أعلن نائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، أن تل أبيب عطلت الخط الساخن، بيد أن السفير الإسرائيلي لدى روسيا ألكسندر بن تسفي، أكد عدم انقطاع تلك الاتصالات والتنسيقات بواسطة الخط الساخن. وقال: “كل ما يمكنني قوله هو أن كل ما كان يعمل في الماضي لا يزال يعمل الآن”.

نفذت إسرائيل منذ مطلع العام الماضي 2023، 48 استهدافا للأراضي السورية، دمرت بشكل جزئي وكامل نحو 102 هدف ما بين مستودعات للأسلحة وذخائر ومقرات ومراكز وآليات، حسبما يوضح “المرصد السوري لحقوق الإنسان“، الذي قال، إن 35 استهدافا جويا، و13 بريا، تسببت بمقتل 96 من العسكريين بالإضافة لإصابة 112 آخرين منهم بجراح متفاوتة. فيما وثّق المرصد الحقوقي مقتل 24 عسكريا بالقصف الإسرائيلي منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، كما قتل 14 من العسكريين السوريين بينهم 4 ضباط، 10 من الميليشيات التابعة لإيران من جنسية غير سورية. وقضى في تلك الاستهدافات الإسرائيلية مدنيين اثنين أيضا، فضلا عن سقوط جرحى، وتدمير وإصابة منشآت ومواقع وآليات، بحسب المرصد السوري، الأمر الذي ضاعف حصيلة الخسائر البشرية إلى 26 شخصا من مدنيين وعسكريين.

بسؤال الباحث المشارك في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” (أفايب)، مصطفى النعيمي، عن رسائل إيران من تلك الاستهدافات المتكررة، فيرجح أن “إيران تريد توجيه رسالة مفادها بأننا ماضون في تموضعنا داخل الجغرافيا السورية بموافقة دمشق، وأن الضربات التي توجه من قبل سلاح الجو الإسرائيلي لن تثنينا عن هذا التموضع. وأننا دفعنا الكثير من المال للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. بالتالي لن نفرط في تلك المكتسبات التي حققناها على مدار تدخلنا في سوريا، وأننا ماضون في تعزيز القواعد العسكرية والنقاط العسكرية في كامل الجغرافيا السورية، وتأمين طرق الشحن البرية والجوية والبحرية، كي نبقي قواتنا في مأمن من الضربات الإسرائيلية وبمعزل عن دمشق وروسيا، نظرا لأنها تتهمهما بإعطاء معلومات حول موضع القيادات العسكرية العليا من الخبراء في الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس الإيراني العامل في الجغرافيا السورية”. 

ما الموقف الروسي من الضربات الإسرائيلية؟

حول تقييم الباحث السوري بخصوص الموقف الروسي وغض طرفه عن تلك الضربات؟ يجيب لـ “الحل نت”: “أرى بأن الموقف الروسي ينطلق من نتاج اجتماع مؤتمر مدراء الأمن القومي الذي جرى في صيف 2019 ما بعد التسوية القسرية التي حصلت في المنطقة الجنوبية من سوريا، والتي أفضت إلى تهجير فصائل المعارضة السورية باتجاه الشمال السوري وملء الفراغ إيرانيا من حيث الإدارة والعنصر البشري للمناطق التي أُفرغت. وما بعد هذا التموضع أرى بأن روسيا أصبحت محرجة من عدم قدرتها على دفع ميليشيات إيران عن المنطقة الجنوبية بعمق 45 كلم”.

بالتالي، فإن الجانب الإسرائيلي يبحث عن تأمين المنطقة، وفق استراتيجية أمنه القومي في مجاله الحيوي، وما تشكله إيران من مخاطر كبيرة في تموضعها ما بعد استلام روسيا للمنطقة الجنوبية من سوريا. فاليوم، والحديث للنعيمي، نحن أمام موقف روسي واضح بأننا غير معنيين في عملية انتشاركم في كامل الجغرافيا السورية، ولن نقوم بالدفاع عنكم باستخدام منظوماتنا للدفاع الجوي ونحن ملزمون بموجب اتفاقية مدراء الأمن القومي بأن لا نقدم لكم الغطاء اللازم لتحرك ميليشياتكم التي تستهدف القوات الإسرائيلية المتموضعة في شمال فلسطين. وعليه، تنفذ تلك الغارات دون تحريك لمنظومات الدفاع الجوي الروسية الموجودة في “قاعدة حميميم”، وتحديدا منظومة (إس-400) ضد الطائرات المقاتلة الإسرائيلية التي لا تحتاج للولوج إلى داخل الأجواء السورية كي تنفذ غاراتها عبر طائراتها من طراز (إف-16) والتي تحمل صواريخ (دليلة) الإسرائيلية التي تبلغ مداها 250 كيلو متر. ومن هنا، لن تكون هنالك جدوى حقيقية من استخدام هذه المنظومة.

بوتين ونتنياهو – إنترنت

وبسؤال النعيمي عن حجم استفادة موسكو من الضربات على المواقع الإيرانية بسوريا أو كيف توظفها موسكو لصالحها، فيقول إن إيران تستفيد من روسيا من خلال تقديمها الغطاء الجوي لتحركاتها اللوجستية البرية القادمة من العراق باتجاه العمق السوري، بالإضافة إلى مناطق الاشتباك التي تجري في مناطق سيطرة “المعارضة السورية”، تحديدا في محافظة إدلب وصولا إلى حلب، وكذلك أيضا في مناطق الاشتباك التي تجري غرب الفرات بمحافظة دير الزور، حيث يتم استهداف القواعد العسكرية الأميركية.

هذا بالإضافة إلى النقاط العسكرية، لا سيما في محيط نقاط العسكرية الأميركية، ناهيك عن حلفائها من قوات سوريا الديمقراطية (قسد). فبالتالي، يرى النعيمي، بأن التخادم الروسي الإيراني ربما قد يكون ناجحا باتجاه هذه المنطقتين. لكنه لن ينجح في المنطقة الجنوبية نظرا لحساسية وجود إسرائيل والأردن على هذه الحدود.

ماذا بشأن خطوط الملاحة الجوية؟

بالرغم من انتقال الميليشيات من مرحلة تهريب المخدرات، واستثمار عائدات “اقتصاد الظل” الناتجة عنها إلى مرحلة التوريد عبر المسيّرات للمخدرات، وصولا إلى المتفجرات، ومن ثم الاشتباك المباشر مع الجيش الأردني لفترة زمنية وصلت 11 ساعة، فبالتالي ثمن ذلك سيكون أكبر وأكثر فداحة، ومن ثم الاستهداف لقاعدة “التنف” وقاعدة “البرج 22” للقوات الأميركية ومقتل 3 جنود أميركيين وما نجم عنها، فمن المرجح أن روسيا “غير معنية بتحطيم أي دعم لوجستي لتلك القوات التي تتحرك في هذه المناطق، نظرا لأنها تحرج الجانب الروسي. والنظام الروسي يخشى من أن تكون تلك الاشتباكات لها ارتدادات سلبية، قد تؤثر على تموضع روسيا في “قاعدة حميميم” كمركز لمشروع روسيا باتجاه مياه البحر الأبيض المتوسط، وما يمثله من خاصرة رخوة باتجاه دول الاتحاد الأوروبي وتهديدها بشكل مباشر، ثم استثمار هذا التموضع في تعزيز قدرات تلك القاعدة سواء كان للقدرات الصاروخية البرية أو البحرية وصولا إلى الجوية منها”.

ويؤكد النعيمي، بأن هناك تنسيق روسي إسرائيلي بخصوص التوقيت الزمني للعملية، أي عملية استهداف إسرائيلي، وكذا الفترة الزمنية والتي قد تكون قصيرة جداً، ثم اختيار المنطقة يكون بحجم أكبر من النقطة التي سيتم التركيز عليها، وذلك من خلال التواصل المباشر من أجل إفساح المجال الجوي لعدم حصول تماس جوي مدني أو عسكري في الأجواء السورية. 

ولذلك، حتما إسرائيل مضطرة للتعامل مع الجانب الروسي في ذلك، وفي حال تحليق تلك الطائرات داخل الأراضي السورية، لكن مع وجود صواريخ (دليلة) وإحجام الأهداف أو قرب الأهداف بالتحديد للأقل من 250 كيلو متر، لن تكون إسرائيل بحاجة إلى تقديم أي معلومات حول هذه الغارات ومكانها وتوقيتها الزمني. 

إضافة إلى ذلك، ولن يكون هنالك صداما في خطوط الملاحة الجوية، خاصة ما بعد تعطيل مطاري دمشق وحلب الدوليين، وعدم قدرة الجانب السوري أو الإيراني توريد الأسلحة لتلك المطارات، فضلا عن توريد العنصر البشري لزجهم في القتال على الساحة السورية، واستثمار جهودهما في تعزيز مشروع “ملالي طهران” في المنطقة العربية، لا سيما في مصدرها العسكري والأمن المتقدم المتمثل في الجبهة السورية والذي يستثمر أيضا إيرانيا، بحيث يكون نتاج هذا الضغط المساهمة في استثمار هذا الملف في الملفات التفاوضية الإيرانية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والمنظومة الدولية بخصوص البرامج الثلاث، البالستي، النووي، المسيّرات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات