تستخدم إسرائيل كل ما تتمتع به من إمكانات للضغط على “حزب الله” من أجل تطبيق القرار “1701” والتّراجع 10 كيلومترات نحو نهر الليطاني، ويأتي إعلانها عن خطط عسكرية جاهزة للهجوم على لبنان في هذا الإطار، لكن هذا لا يعني أن الأمر مجرّد تهويل. 

كرة النار باتت تتدحرج في الشمال، حيث أعلن “حزب الله”، أمس الأحد، استهداف قاعدة ميرون بعشرات الصواريخ ومهاجمتَه ثُكنة عرعر في الجولان بمسيّرتين ‏انقضاضيتين، ردّاً على الضربات الإسرائيلية المتواصلة على القرى الجنوبية والتي أسفرت السبت عن سقوط عدد من الضحايا من المدنيين.

وبينما تتصاعد حدّة الحرب التي تقودها إسرائيل منذ أشهر في قطاع غزة، تتجه أنظار العالم الآن نحو الحدود الشمالية بين لبنان وإسرائيل، حيث اشتدت المواجهات، مما يعكس توترات متنامية تهدد باندلاع نزاع مفتوح في المنطقة.

لبنان على صفيح ساخن

مع إعلان “حزب الله” 12 هجوماً على شمال إسرائيل بأكثر من 35 صاروخاً،  بات الوضع خطير جداً ونقاط الخلاف بين إسرائيل و”حزب الله” تبدو عميقة إلى درجةٍ أن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، الذي التقى المسؤولين اللبنانيين من جهة والإسرائيليين من جهة أخرى، عاد إلى الولايات المتحدة الأميركية خالي الوفاض.

حرب بلا قوانين حزب الله يعلن المعركة مع إسرائيل ويحدد شروط الهدنة! (4)
صورة مأخوذة من قرية طير حرفا بجنوب لبنان، بالقرب من الحدود مع إسرائيل، تظهر الدخان يتصاعد بالقرب من موقع إسرائيلي من الصواريخ التي أطلقها حزب الله في 15 ديسمبر 2023. (تصوير وكالة فرانس برس)

ولا بدّ من التذكير بأن طرح هوكشتاين تضمن ثلاث نقاط: أولاً: وقف العمليات الحربية في الجنوب، ثانياً: تفعيل عملية ترسيم الحدود البرية، ثالثاً: تطبيق القرار “1701” وإنهاء المظاهر المسلّحة في الجنوب.

من جانبه، الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور، ريشار بجاني، أوضح لـ”الحل نت”، أن هذا المقترح تضمّن تأكيد مشروع مشترك لوقف إطلاق النار يشمل انسحاباً إسرائيلياً من الحدود الشمالية بعمق 7 كيلومترات يقابله وقف العمليات التسليحية لـ”حزب الله”. 

بالإضافة إلى ذلك، تفعيل خطة نشر أكثر من 10 آلاف جندي من الجيش اللبناني من جنوب نهر الليطاني وحتى الشريط الحدودي، مع تعهد بنقل السلاح الثقيل والنوعي إلى شمال الليطاني، والسماح ببقاء عناصر “الحزب” للمراقبة والمتابعة. 

علاوة على ذلك، الالتزام بعدم الظهور المسلح لـ”حزب الله”، وتوسيع حضور قوات الطوارئ الدولية، وبعد إقرار هذه الخطوات، ترعى واشنطن ودولة عربية (يرجّح أن تكون دولة قطر) جولات تفاوضية لتسوية النزاعات على الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.

ويلفت بجاني إلى أن المقترح لم يلقَ تأييداً لدى إسرائيل و”الحزب”، ولكلّ من الجانبين نظرة مختلفة وأهداف أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن إسرائيل لا تريد وجوداً عسكرياً لـ”الحزب” بتاتاً في الجنوب، وتركّز على إبعاد الخطر عن حدودها الشمالية. ولا تبدو أنها مستعدة للانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجزء من منطقة الغجر. أما “الحزب” فيريد مكاسب له ولإيران للتنازل عن هذه الورقة لم يقدّمها الجانب الأميركي.

الحرب في أي لحظة!

عموماً، لم يجد المراقبون أي جديد في الطرح المقدَّم من هوكشتاين. فالمطلوب تطبيق، حتى لو كان جزئياً، لقرار مجلس الأمن الرقم “1701” وإقفال الجبهة اللبنانية، أو تحييدها عمّا يحصل في غزة. ويؤكّد دبلوماسي عربي مقيم في واشنطن لـ”الحل نت”، أن الحرب الدائرة في غزة لا يجب أن تتمدد لأسباب متعلقة بمصالح واشنطن الاستراتيجية، بالإضافة إلى وجود أبعاد انتخابية أميركية داخلية بالنسبة للرئيس الأميركي جو بايدن، مع التشديد على أهمية الأسباب الاستراتيجية.

دبابة إسرائيلية تطلق قذائفها باتجاه جنوب لبنان (أ.ف.ب)
دبابة إسرائيلية تطلق قذائفها باتجاه جنوب لبنان (أ.ف.ب)

من هنا يرى مؤسس ومدير مركز “المشرق” للدراسات الاستراتيجية، سامي نادر، أن هوكشتاين كان صريحاً مع المسؤولين اللبنانيين بأنه إذا كان الجانب اللبناني يطلب ترسيم الحدود البرية كما تم ترسيم الحدود البحرية، هذا أمر جيد، لكن هذه مسألة تتطلب وقتاً، فسألهم: ماذا تفعلون بانتظار ذلك؟ هل تعودون إلى اتفاقية الهدنة مع إسرائيل والقرارات الدولية كإطار ناظم للعلاقة أم ستستمرون في عملية ربط الساحات. 

ولأن موقف “الحزب” لا يزال يقول بربط الساحات؟ بينما في المقابل، الموقف الجذري لإسرائيل هو بضرورة فصل الساحات. فإسرائيل تعتبر أن هناك مسارين أمامها: مسار العلاقة مع لبنان أو الصراع مع “الحزب”، ومسار الصراع مع حركة “حماس” وهذان مساران مختلفان بالنسبة لإسرائيل.

واللافت أن التهديدات الإسرائيلية لـ”حزب الله” استمرت خلال وجود هوكشتاين في إسرائيل وبعد اجتماعه بوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي قال:”نحن ملتزمون بالعملية الدبلوماسية، لكن عدوان حزب الله يقرّبنا من نقطة حرجة في اتخاذ قرار بشأن الأنشطة الحربية حيال لبنان”. 

وبعدها بوقت قصير أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، أن إسرائيل تعدّ خطة لعملية برية محتملة في لبنان، في خضم التصعيد العسكري مع “حزب الله” المستمر منذ أشهر. وقد  كلّف الجيش الإسرائيلي العميد موشيه تمير، بمسؤولية إعداد عدة خطط محتملة بمستويات مختلفة. 

و لإضفاء “حتمية أكبر” لسيناريو الاجتياح البري لجنوب لبنان، أشار الإعلام الإسرائيلي لفكرة أن إيران نفسها تدرك أن هدف إسرائيل القادم بعد رفح هو جنوبي لبنان، مما دفع طهران لوضع شرط على “حزب الله” بتنفيذ هجومه الواسع على إسرائيل، فقط، بعد التأكد من عملية رفح. 

ولم تكتفِ بذلك، بل نشرت أيضاً عدد المنازل الإسرائيلية التي هُدّمت جراء صواريخ “حزب الله” في شباط/فبراير الفائت، ويبلغ عددها 570 بيتاً، نقلاً عن معطيات أفصحت عنها جمعية “لوبي 701” التي أُنشئت في المنطقة الشمالية بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.

بيروت ساحة حرب جديدة

في هذا السياق، يعتبر الناشط اللبناني، علي الصايغ، في حديث لـ”الحل نت”، أن وسائل الإعلام الإسرائيلية دأبت منذ فترة ليست بالقصيرة بكتابة سيناريوهات وتسريب معلومات تتحدث عن أن اقتحام لبنان برّياً، أصبح أمرا واقعاً. 

جنود إسرائيليون يتخذون مواقعهم على طول الحدود مع لبنان، في بلدة المطلة شمال إسرائيل في 12 يوليو، 2023. (تصوير جالا ماري / وكالة الصحافة الفرنسية)

إسرائيل لا تستطيع إبقاء النازحين في شمال فلسطين والحديث للصايغ، باعتباره ملفّا ضاغطاً على حكومة نتنياهو، وأنها تريد حلّ هذه الأزمة مع لبنان، وأن تبعد “حزب الله” من الحدود وأن تقوم بضرب البُنى التحتية لـ”الحزب”، حتى لا يشكّل أي تهديد على الجانب الإسرائيلي.

أما الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد خالدة حمادة، فقال لـ”الحل نت”: إن كل الجيوش تعدّ خططاً عسكرية تستخدمها في حال تحققت الظروف التي تستوجب هذا الاستخدام، بل “هذا ما نعتبره نحن العسكريون مجرد روتين، أي نضع خططاً يتم تحديثها بحسب الظروف، ويبقى أمراً وحيداً ناقصاً وهو تعيين ساعة التنفيذ، لذلك ليس مستغرباً أن تعدّ إسرائيل خططاً بصرف النظر إذا كانت مصمّمة على تنفيذها أو لا”.

لكن نظراً إلى التهديدات الإسرائيلية المتواصلة من دون تنفيذ، أي الغزو البري للبنان أو توسيع الحرب، باتت مسألة الخطط وغيرها أشبه بالحرب النفسيّة للتأثير على “حزب الله” وممارسة المزيد من الضغوط عليه، إلا أن العميد حمادة، لا يوافق على هذه المقاربة معتبراً “أن الخطة العسكرية الإسرائيلية موجودة حتماً إلا أنها تنتظر أن تنضج الظروف لتحديد ساعة الصفر للقيام بتنفيذ هذه الخطة وليست متعلقة بحرب نفسيّة أو مجرد تهويل”.

إذاً، لا يمكن استبعاد توسّع الحرب على لبنان، لكن ما هي هذه الظروف التي تنتظرها إسرائيل لتحدّد ساعة الصفر؟ يجيب حماده: “أولاً، كان هناك نوعاً من الإنذار وجّهه هوكشتاين للمسؤولين اللبنانيين عندما جاء إلى لبنان، ولم يُخفِ الحقيقة عندما قال أن الحرب المحدودة التي يخوضها حزب الله ضد إسرائيل هي حرب غير قابلة للسيطرة”

ثانياً، يجب أن فصل لبنان عن غزة. ثالثاً، تريد إسرائيل حلولاً كاملة ونهائية في الجنوب وغير مؤقتة، وبالتالي هذا ما يُعد إنذاراً واضحاً وصريحاً، فالكلام الذي نطق به هوكشتاين في بيروت كان صارماً ويهيئ المسؤولين اللبنانيين و”حزب الله” للحرب.

“حزب الله” يشعل المنطقة

تالياً، لا يستبعد الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد خالدة حمادة، أن تكون ساعة الصفر لبدء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد “حزب الله” مع انتهاء حرب غزة وعندما يوضع وقف إطلاق النار هناك موضع التنفيذ.

إيران تكشف الأوراق 7 أسباب تمنع طهران من القتال مع حماس (4)
الجنود الإسرائيليون المنتشرين على الحدود الجنوبية مع قطاع غزة في 29 نوفمبر 2023، بجوار دبابات قتالية، مع دخول الهدنة بين إسرائيل وحماس لليوم السادس بعد تمديد الاتفاق للسماح بإطلاق سراح المزيد من السجناء الإسرائيليين. (تصوير مناحيم كهانا / وكالة الصحافة الفرنسية)

وعلى خلاف التوقعات بأن الخطة العسكرية الإسرائيلية ستكون اجتياحاً برّياً للجنوب لإرجاع “حزب الله” 10 كيلومترات نحو الليطاني، يؤكّد حمادة “أن هدف العملية العسكرية سيكون تدمير كل البنية التحتية لـ”الحزب”، والانتهاء من مرحلة فكّ الاشتباك التي نعيشها منذ عام 2006، والانتقال إلى مرحلة وقف إطلاق النار الكلي، وإنهاء وظيفة قوات الأمم المتحدة في لبنان لأن مهمتها مؤقتة وليست دائمة.

مع ذلك، لن يقتصر بنك الأهداف الإسرائيلية على الجنوب، وفق حمادة، بل سيطال البنية التحية العسكرية لـ”الحزب” في البقاع ومرتفعات السلسلة الغربية وصولاً إلى الضاحية الجنوبية، مستبعداً أن تتورّط إسرائيل بتوغّل بري، مع الأخذ في الاعتبار أن القرى الحدودية دُمّرت، وهناك ما لا يقل عن 1000 منزل دُمّر بالكامل و2500 دُمّر على نحو جزئي، وبالتالي أصبحت هذه القرى أشبه بمنطقة عازلة لا حياة فيها، ولن يكون صعباً على إسرائيل، إذا أرادت، أن تتوغّل 4 كيلومترات.

الصحفي البريطاني، توماس هاردينغ، كان قد تطرّق في تحليل له إلى سيناريو الهجوم الإسرائيلي الذي يشمل شبكة واسعة من الأنفاق والمخابئ تحت الأرض في المناطق الحدودية في جنوب لبنان، بعضها على بعد أمتار فقط من الحدود الإسرائيلية، مثل الأنفاق في منطقة اللبنون بالقرب من الناقورة. 

وبحسب ما ورد في التحليل يتضمن بنك الأهداف الإسرائيلي مواقع إطلاق النار، ومراكز العمليات، والأنفاق المتصلة، والمرافق الطبية، ومخزونات الأسلحة والذخائر، وأجهزة التهوية وتكييف الهواء، وحمامات مزودة بمياه جارية ساخنة وباردة، ومهاجع، وكلها ذات سقف مبني من ألواح الخرسانة المسلحة يبلغ سمكها متراً تقريباً. مؤكداً أن “حزب الله” أعدّ كل شيء للحرب في الجنوب: الأسلحة والدفاعات والمنازل وتخزين المواد الغذائية.

من جهته، يختم العميد حمادة قائلاً: “هوكشتاين لن يعود ويجب أن نبدأ العد، وإذا حصلت هدنة في غزة خلال شهر رمضان، ربما يعود إلى لبنان ليقول للمسؤولين اللبنانيين: اللهم أني بلّغت!”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات