منذ أكثر من عقد، ظهر خمسون تنظيماً ميليشيوياً شيعياً في سوريا والعراق تحت رعاية إيرانية، وتشكّلت عدة تنظيمات منها فروعاً مسلحة لأحزاب سياسية قائمة أو تتبع رجال دين منفردين، كما يُعد البعض منها واجهات لمجموعات قائمة فيما تطوّر مجموعات أخرى هويتها الخاصة وحضورها الخاص. 

في هذه الأثناء تشكلت ميليشيات جديدة على غرار “الحشد الشعبي” وهي التي تميزت منذ بدايتها بالحجم الكبير في العدد والنفوذ المتسلط سياسياً. وبالرغم من أن عدداً من هذه المجموعات كان يصد بالفعل تقدم تنظيم “داعش”، إلا أن بعضها مرتبط بقادة وفصائل من المتطرفين سواء من إيران أو أحد وكلائها كـ”حزب الله”، لا سيما “كتائب الإمام علي”، فما قصتهم؟ 

مخاض مشبوه

تشكّلت “كتائب الإمام علي” في صيف 2014 وهي الجناح المسلح لـ”الحركة الإسلامية العراقية”، وقد ظهرت على الساحة بأعضاء يرتدون الزّي الرسمي ومسلحين تسليحاً جيدا. كما نشطت بشكل كبير في آمرلي وطوز وديالى للقتال إلى جانب الميليشيات الشيعية العراقية الأخرى، وجميعُها وكلاء لإيران. 

مقاتلون يرفعون أعلام العراق والجماعات شبه العسكرية، بما في ذلك النجباء وكتائب حزب الله، خلال جنازة في بغداد لخمسة مسلحين قتلوا في غارة أميركية في شمال العراق. (أحمد الربيعي/ وكالة فرانس برس)

وفي أواخر كانون الأول/ديسمبر، شرعت الكتائب في تدريب المسيحيين لمجموعة فرعية تسمى كتائب “روح الله عيسى بن مريم”، حيث بدأت برنامجا تدريبيا مخصّصا للمسيحيين، معظمهم من الطوائف المسيحية السريانية والمسيحية الآشورية. 

وكان الأمين العام للكتائب، شبل الزيدي، سابقاً في صفوف “جيش المهدي” التابع لمقتدى الصدر. ويقدر عدد “كتائب الإمام علي” بحوالي 7000 رجل في 40 مجموعة قتالية وذلك عندما أصدر المرجع الشيعي العراقي، علي السيستاني، فتوى تدعو المتطوعين للانضمام إلى الأجهزة الأمنية. 

ينتشر الفصيل بشكل رئيسي في العراق مع حوالي 1000 مقاتل لا يزالون نشطين في سوريا. ويركز في المقام الأول على العمليات الاجتماعية والاقتصادية، وأيضا يسهّل العمليات العسكرية الحركية ضد القوات الأميركية في العراق. كما قام أيضاً بعمليات محلية مضادة للسياسة الاجتماعية وهدّد بتنفيذ عمليات مضادة لإسرائيل في الخارج.

الزيدي والمهندس

شبل الزيدي، الأمين العام لـ”كتائب الإمام علي”، كان ذات يوم شخصية بارزة في “جيش المهدي” التابع لمقتدى الصدر – ويُقال إنه أحد زعمائه الطائفيين الأكثر شراسة. تم سجنه من قبل القوات الأميركية، ليتم إطلاق سراحه من قبل الحكومة العراقية في عام 2010. 

ليلة سقوط محور المقاومة من يتحمل وزر الدم الفلسطيني؟
لافتة ضخمة معلقة على جدار في زاوية ساحة الفردوس تظهر قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي تم اغتياله مع شخصيات أخرى، وهم ينظرون إلى المسجد الأقصى في 16 مارس 2023 في بغداد، العراق. (تصوير كافيه كاظمي / غيتي)

وفق مصادر خاصة، فإن شبل الزيدي لديه مزرعة على نهر دجلة وبها النمور والأسود، ولديه مصانع في أوكرانيا قد تضررت نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك لديه الأموال الطائلة التي فقدها في بنك “ليبان”. 

وأصبح الزيدي أميراً من أمراء الحرب في العراق، ولكن عندما أصبحت “كتائب الإمام علي” أكثر رسوخا بعد ظهورها لأول مرة في حزيران/يونيو 2014، تم تصوير الزيدي مع قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني. 

ويبدو أن المجموعة تتمتع أيضاً بروابط قوية مع الحكومة العراقية، فقد انتشرت صوراً للزيدي وهو يركب مروحية تابعة للجيش العراقي مع أحد القادة الميدانيين للميليشيا، وهو أبو عزرائيل – قائد ميداني في كتائب الإمام علي-  وهو يحمل مدفعاً رشاشاً من مروحية أخرى.

وليس الأمر قاصر فقط على الزيدي، حيث نجد زعيما آخر مرتبطاً بـ”الحرس الثوري” الإيراني، وهو أبو مهدي المهندس- المعروف أيضاً باسم جمال جعفر محمد علي – الذي كان يرأس عمليات” كتائب الإمام علي” وجهود التوسع فيها. 

ويفسر وجود المهندس النمو السريع لـ”كتائب الأمام علي”، فقد عمل المهندس بشكل بارز في ترسانة إيران لسنوات عديدة، لا سيما أن طهران ووكلائها تركز في المقام الأول على المسارح (سوريا والعراق) في الوقت الحالي، لكن الميليشيات الشيعية المتطرفة بدأت ومنذ زمان في التصرف مثل الجهات الفاعلة الإقليمية ذات الأهداف الأكبر. 

على سبيل المثال، هددت كتائب “حزب الله” و”كتائب الإمام علي” وجماعات مماثلة مرارا وتكرارا المملكة العربية السعودية بشأن حكم الإعدام الصادر بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر، الذي اتُّهم بالتحريض على الفتنة وجرائم أخرى. 

كما ظهرت بعض الفيديوهات التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعية العراقية، عرض أحد القادة صفوفاً من أفراد “كتائب الإمام علي” وهم يؤدّون تدريبات قتالية ويعلنون استعدادهم لدعم المسلحين “الحوثيين” في اليمن بعبارة “اليمن إن شاء الله”.

وعلى الرغم من أن هذه الميليشيات المتطرفة قاتلت “داعش” بالتوازي مع الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، إلا أن تصرفاتها وأجنداتها الطائفية منفصلة عن “التحالف الدولي” وتتعارض مع هدف بناء حكومات ومجتمعات شاملة في العراق وسوريا. 

وفي الواقع، تمثل” كتائب الإمام علي” وأمثالها تهديدات طويلة المدى للاستقرار الإقليمي. وحتى مع تركيز واشنطن وقتها على محاربة “داعش”، إلا أن هذه الجماعات المسلحة لها أجندة الخاصة المرتبطة بإيران ودورها في المنطقة العربية ولعل هذا يفسّر لنا ارتباط هذه الجماعات بـ”الحرس الثوري” و”حزب الله”.

حبال موصولة بطهران

“كتائب الإمام علي” بلا شك ترتبط ارتباطا وثيقا بـ”الحرس الثوري” الإيراني، وتتلقى التمويل والتدريب والأسلحة والدعم الاستخباراتي الإيراني. ويتعهد قادتها علناً بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

الحرس الثوري وحزب الله العراقي خفايا وألغاز بيانات الانسحاب (1)
رجال من جماعة “كتائب حزب الله” المدعومة من إيران يلوحون بأعلام الحزب أثناء سيرهم في شارع مطلي بألوان العلم الإسرائيلي خلال موكب بمناسبة يوم القدس السنوي، أو يوم القدس – إنترنت

وحسب مصدر خاص بـ”الحل نت”، فإن “الحرس الثوري” هو الذي يقود جميع المليشيات العراقية، ولكن عندما تصبح هذه المليشيات قوية يبدأ هنا الخلاف بينها وبين إيران؛ لأنهم أصبحوا لا يستجيبون لأوامر طهران، ولهذا كثيرا ما كان قاسم سليماني يتحدث معهم بشيء من الودّ منعاً لحدوث المشاكل. 

الطريقة الإيرانية كانت تتمثل في خلق المليشيات وتحويلها إلى مؤسسة مرعبة ثم دخول البرلمان ثم الوصول إلى السلطة التنفيذية كوزير مثلا؛ حتى تستطيع إيران الاستفادة منه.

في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بإدراج الزيدي لعمله نيابة عن “الحرس الثوري” الإيراني، مما سلط الضوء على دوره كحلقة وصل مالية لتسهيل المعاملات والتنسيق بين “الثوري” الإيراني والفصائل المسلحة في العراق. 

وتفصل لائحة الاتهام تورّط الزيدي في عمليات تهريب النفط من إيران إلى سوريا، وتمويل عمليات “حزب الله” اللبناني في سوريا، وحشد مقاتلين عراقيين إلى سوريا. 

وكما تعد “كتائب الأمام علي “ميليشيا فريدة من نوعها أقرب إلى “حزب الله” اللبناني من الجماعات العراقية الأخرى المدعومة من إيران، ومع ذلك فهي مكروهة على نطاق واسع لأنها تعطي الأولوية للنجاح التجاري على العمليات الحركية. 

ويحتفظ الزيدي بعلاقة عميقة مع المواطنين اللبنانيين محمد الكوثراني وعدنان حسين الكوثراني، اللذين يعملان كممثلين رئيسيين لـ”حزب الله” اللبناني في العراق. وعلاوة على ذلك، لعب الزيدي دوراً قوياً في نقل موارد مالية كبيرة إلى لبنان، ودعم تورّط “حزب الله” في الحرب السورية. 

كما قام الزيدي ببناء علاقات تشغيلية مهمة مع مسؤولي “حزب الله” ومشاريعهم الاقتصادية في العراق، ومع هذا يرى مصدر “الحل نت”، أن حزب الله في لبنان لا يثق بالقيادات الشيعية في العراق ولا يثق في السّنية منهم، ومن ناحية أخرى، ربما تسعى “كتائب الإمام علي” إلى القيام بدور سياسي في المستقبل من خلال ادعاء ارتباطاتها بالحزب الأم. 

وفي الوقت الحاضر، انتشر نفوذها من جنوب العراق، عبر بغداد، حيث تقوم الميليشيا بتدريب مقاتلين جدد وتحقيق هدف إيران الاستراتيجي المتمثل في تشكيل المزيد من المنظمات على طراز “المقاومة الإسلامية”.

إلى سوريا

لقد استعانت إيران بالمليشيات العراقية في مساندة الرئيس السوري، بشار الأسد، ودعمه بحجة الدفاع عن الأماكن والمزارات الشيعية المقدسة كمرقد السيدة زينب في جنوب دمشق. فكان من ضمن المليشيات العراقية التي تواجدت في سوريا هي “كتائب الإمام علي”. 

لافتات صغيرة لأبي مهدي المهندس، الذي كان أحد الشخصيات الرئيسية في الميليشيات العراقية التي قُتلت في غارة أميركية، إلى جانب الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس وأئمة الشيعة الآخرين والزعماء الدينيين الحاليين تتدلى من كربلاء. (تصوير كافيه كاظمي / غيتي)

حينما دخلت “كتائب الإمام علي” الحرب في سوريا وكانت من أوائل المليشيات التي دعمت الأسد، استخدم شبل الزيدي الأسطوانات المتفجرة ضد المتظاهرين مما جعله موضع إعجاب وتقدير من الإيرانيين. 

وطبقا لشبكة “عين الفرات” السورية،فإن “كتائب الإمام علي” الإيرانية، افتتحت مكتباً لقبول الراغبين في الانتساب إلى صفوفها، بمنطقة الحمدانية وسط مدينة حلب، في وقت لاحق عام 2021 أعلنت الميليشيا في مدينة دير الزور، عن فتح باب الانتساب إلى صفوف قواتها، وذلك بعد أن شهدت الميليشيا حركة انشقاقات خلال الآونة الأخيرة. 

وجود مثل هذه الميليشيات والجماعات المسلحة في العراق لا يخدم إلا إيران التي تتبنى دائما مبدأ “فرّق تسُد”، ولهذا تبادر بتقديم التدريب والدعم المالي والعسكري لإشعال الطائفية ومن ثم تضمن وجودها.

لذا فإن هذا الحضور الطاغي للميليشيات المسلحة يجعل الوضع دائما لصالح إيران؛ لأنه من ناحية تتحول هذه المليشيات إلى وسائل ضغط إيرانية على هؤلاء الذين يهددون مصالحها وتخوّفهم وتعزلهم أو تضرهم، ومن ناحية أخرى تحقق بها إيران ما تريد من خلال الأعمال الإجرامية بالوكالة دون الظهور في المشهد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات