غدا، تستعد روسيا للانتخابات الرئاسية والتي تستمر بين 15 و17 آذار/ مارس الجاري، والنتيجة شبه محسومة بفوز الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بولاية رئاسية خامسة، ولكن لماذا تضفي موسكو طابع الخوف على شعبها من إمكانية خرق أو فشل الانتخابات؟

في التفاصيل، أصدرت المخابرات الخارجية الروسية بيانا حول ما سمته “حملة التحريض التي بدأتها الإدارة الأميركية لخفض نسبة المشاركين في الانتخابات”، ناهيك عن قول موسكو إنها تخشى من هجمات سيبرانية تطال البنية التحتية للانتخابات، فما مدى دقة ذلك؟

تفاصيل بث الخوف بين الروس!

بحسب بيان المخابرات الروسية، فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كلفت منظمات أميركية غير حكومية بمهمة تقليل نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الروسية. “بتحريض من واشنطن وعبر موارد الإنترنت المعارضة، يتم نشر دعوات للمواطنين الروس لتجاهل الانتخابات، بمشاركة كبار المتخصصين الأميركيين في مجال تكنولوجيا المعلومات، فضلا عن وجود مخطط آخر لتنفيذ هجمات سيبرانية على نظام التصويت الإلكتروني عن بعد”.

هذا البيان جاء بعد نحو أسبوع من استدعاء السفيرة الأميركية في موسكو لمقر الخارجية الروسية، وإبلاغها بأنه سيتم “طرد دبلوماسيين على صلة بأنشطة تتضمن أعمالا تخريبية وممارسة أخرى تصنف تحت بند التدخل في الشؤون الداخلية” حسب وصف وزارة الخارجية الروسية.

يأتي هذا بعد أن كانت لجنة “مجلس الاتحاد الروسي” لحماية سيادة الدولة، قد كشفت أن الدول الغربية تزيد من عدد الذين يشاركون في محاولات تشويه سمعة الانتخابات، ووفقا للجنة، فإنه “يتم استخدام عملاء أجانب تسيطر عليهم وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية بشكل مقصود لهذه الأغراض”.

بالنسب والأرقام، تمتاز الانتخابات الروسية عادة بنسب مشاركة عالية نسبيا، حيث يحق لنحو 110 مليون شخص التصويت في روسيا،  70 إلى 80 مليون شخصا منهم يدلون بأصواتهم عادة في الانتخابات، إذ بلغت نسبة المشاركة  67.5 بالمئة خلال انتخابات عام 2018. 

في ذات السياق، فإن استطلاعات قامت بها مراكز دراسات الرأي العام في روسيا منذ نحو أسبوعين، قالت إن أكثر من 70 بالمئة من الناخبين مستعدون للمشاركة في الانتخابات، وهذه هي تقريبا النتيجة نفسها التي خلصت إليها استفتاءات مشابهة حول حجم المشاركة في الانتخابات الرئاسية الماضية، لكن في الوقت ذاته ثمة قلق من تراجع في نسبة المشاركة – لا يؤثر على النتيجة – عطفا على الغضب الشعبي من إدخال المواطنين الروس في حرب ضد أوكرانيا وفقدان الكثير من العوائل لأولادهم الجنود.

فلاديمير بوتين – إنترنت

موسكو تروّج إلى فكرة، أنه ثمة اتصالات جرت بشكل أسبوعي بين ممثلين عن البرلمان الألماني والبرلمان الأوروبي و”الكونغرس” الأميركي، مع “خونة روسيا” إضافة إلى انفصاليين ومتطرفين، حيث تم بحث خطط محددة للتدخل في عملية التصويت بالانتخابات، وكذلك تنظيم أعمال استفزازية بالقرب من السفارات الروسية في الخارج وفي مراكز الاقتراع، وتمويل أنشطة تخريبية ضد روسيا.

بحسب الباحث والمحلل السياسي زيد البيدر، فإن ما تتحدث عنه موسكو لا وجود له من الأساس، وأن ما تفعله هو مجرد بث الخوف في نفوس الروس، لتشجيعهم على المشاركة بأكبر نسبة ممكنة في الانتخابات الرئاسية، وإلا فإن النتيجة معروفة مهما كانت نسبة المشاركة، وهي بقاء بوتين في “الكرملين”. 

زيادة نسبة المشاركة: لتلميع صورة بوتين!

ما تريده روسيا من حملتها هذه بالتخويف من التدخل الأميركي والغربي وشن الهجمات السيبرانية، هو خلق شعور لدى الروس بأن الأمن القومي لموسكو معرض للخطر، وأن الحل بالرد على تلك الهجمات بالمشاركة الواسعة في الانتخابات، على حد قول البيدر في حديث مع “الحل نت”. 

لماذا تصر موسكو على زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات والنتيجة محسومة مهما كانت النسبة؟ ببساطة لأن بوتين يريد من خلال النسبة العالية إرسال رسالة بأنه مقبول شعبيا في داخل موسكو، وأن النسبة العالية للمشاركة تدلّل على الثقة بالنظام وبشفافية الانتخابات، لذا تقوم موسكو بشن حملات التخويف من نوايا الخارج، لدفع الروس صوب المشاركة بالاقتراع، وفق البيدر. 

مع شبه ضمان فوز بوتين بالانتخابات الرئاسية الروسية لولاية خامسة على التتابع، فإنه سيتم تنصيب الفائز في آيار/ مايو من العام المقبل، أي بعد شهرين من اليوم، وحينها سيستمر بوتين في الحكم حتى عام 2030. 

بوتين، وخلال 20 عاما من الحكم، فرض سيطرة صارمة على النظام السياسي الروسي، الأمر الذي يجعل إعادة انتخابه في آذار/ مارس القادم مؤكدا، خصوصا بعد قيامه بتصفية خصومه السياسيين، حيث يقبع بعضهم في السجون، فيما اضطر البعض الآخر الى مغادرة البلاد، كما وتم حظر معظم وسائل الإعلام المستقلة

علما أن ترشيح بوتين، جاء بناء على الإصلاحات الدستورية التي قادها، إذ يحق للرئيس الحالي البالغ من العمر 71 عاما الترشح لولايتين رئاسيتين إضافيتين بعد انتهاء ولايته الحالية، مما يسمح له في نهاية المطاف بالبقاء في السلطة حتى عام 2036، إذ أن مدة كل ولاية هي 6 سنوات.

الإصلاحات الدستورية أجريت في حزيران/ يونيو 2020، بناء على قرار من بوتين، وأقرّتها موسكو بعد أن نال الاستفتاء موافقة أغلبية المواطنين بحسب “الكرملين”، ومن أهم الإصلاحات، السماح لبوتين الترشح لولايتين إضافيتين، إضافة إلى قانون يمنح الرؤساء السابقين لروسيا حصانة مدى الحياة.

خدم بوتين، الذي سلمه بوريس يلتسين الرئاسة في اليوم الأخير من عام 1999، كرئيس بالفعل لفترة أطول من أي حاكم آخر لروسيا منذ جوزيف ستالين، متفوقا حتى على ليونيد بريجنيف في فترة ولايته التي امتدت منذ عام 1964 حتى عام 1982، وبالمحصلة، فإنه يقترب من ولاية خامسة له وسادسة حتى، فلا أمر يمنعه من الحكم حتى 12 عاما مقبلا، إلا إذا مات قبل أن ينتهي حكمه، فلا أحد يستطيع إزاحته؛ عطفا على حكمه الحديدي وقمعه لمعارضيه بكل الطرق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات