وردت في إحدى أعمال شكسبير كما هو متعارف عليه مقولة “المصائب لا تأتي فُرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش”. وما أصدق هذه المقولة على الأوضاع المترهلة سياسيا وأمنيا واقتصاديا في لبنان. وكأن الحرب التي باتت وشيكة في كل لحظة على الحدود اللبنانية لم تكن كفاية على اللبنانيين الذين يعيشون كابوس الحرب وقسوتها في كل تفاصيل الحياة اليومية.
اتسعت الأزمات اللبنانية المتكررة لتشمل قطاع حيوي داخل لبنان هو قطاع الكهرباء الذي أصبح خارج العمل؛ ليعيش اللبنانيون معاناة مرّكبة من الخوف من اندلاع الحرب مع انقطاع التيار الكهربائي وتوقف الحياة في لبنان.
أزمة الكهرباء في لبنان
منذ السبت الماضي أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان، خروج آخر مجموعة إنتاجية متبقية على الشبكة الكهربائية عن الخدمة بشكل كامل، مما ترتب عليه توقف التغذية بالتيار الكهربائي كليا على جميع الأراضي اللبنانية.
ضمن بيان المؤسسة جاء أن هذا القرار صدر بعد نفاذ مخزون المعمل من مادة الغاز أويل بالكامل، تسبب في توقف التغذية بالتيار الكهربائي كليا على جميع الأراضي اللبنانية بما فيها المرافق الأساسية في لبنان من “مضخات المياه، صرف صحي، والسجون، والمطارات”.
وقد أوضحت المؤسسة، أن التوقف عن الإنتاج يأتي بعد اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية الممكن اتخاذها في مثل هذه الظروف من قِبل مؤسسة كهرباء لبنان من أجل إطالة فترة إنتاج الطاقة بأقصى حدودها الممكنة، بحسب موقع “سكاي نيوز” عربية.
لبنان واجه نقصاً في الطاقة لعقود من الزمن، حيث ساهمت الخسائر المزمنة لشركة كهرباء لبنان بشكل كبير في الدَّين العام الهائل للبلاد. وبسبب الأزمة الاقتصادية المتوالية، عجزت الدولة عن تقديم الخدمات الكهربائية إلا مدة أقصاها أربع ساعات تقريبا يوميا.
الباحث في العلاقات الدولية والإقليمية بـ “المركز العربي” للأبحاث والدراسات السياسية، ناجح النجار، في حديثه مع “الحل نت”، قال إن ما حدث في لبنان لم يكن مفاجأة وإنما الأمر كان متوقّعاً خاصةً مع الأحداث السياسية المشتعلة طول الوقت بسبب سياسة “حزب الله”.
ويردف النجار، “الحقيقة أن لبنان يعاني من مشكلة سوء الإدارة خصوصاً في ملف الطاقة من قبل الحكومة تصريف الأعمال، كما أن جميع هذه الجهات المعنية تتحمل المسؤولية كاملة، وهو ما أدى إلى تفاقم المشكلات الحياتية أمام المواطنين منذ أكثر من ثلاثة أعوام متتالية”.
الدعم النفطي من الجزائر
مع تصاعد الجدل حول أزمة الكهرباء في لبنان سواء في الداخل أو الخارج، يطلع على الملف محرك آخر يضيف للأحداث أبعاداً جديدة هو تداخل الجزائر في قلب المشكلة النفطية. فقد أعلنت الجزائر أنها ستبدأ تسليم النفط للبنان، بعد محاولات فاشلة لإقناع الحكومة العراقية بتزويده بالوقود الذي يحتاج إليه بشدة.
رئيس الوزراء الجزائري، نذير لرباوي أعلن أنه أجرى اليوم اتصالا هاتفيا مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، لإبلاغه بالقرار الذي اتخذه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بدعم لبنان في هذه الظروف الصعبة من خلال توفير كميات من الوقود بشكل فوري لتشغيل محطات الكهرباء وإعادة الكهرباء إلى البلاد.
وتأتي أزمة الكهرباء وسط مخاوف متزايدة من تصعيدٍ محتمل في الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل، ما أدى إلى غضب واسع النطاق بين المواطنين اللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث أُشيرت أصابع الاتهام إلى الحكومة، وأيضاً إلى “حزب الله” وراعيه النظام الإيراني. حتى أن قناة “العربية” السعودية في هذه الأثناء، نشرت تقريرا بعنوان: “سرقوا الأموال وتسلحوا.. لبنانيون ينتقدون حزب الله بعد انقطاع الكهرباء“.
وفي الوقت الذي اعتبرت الجزائر أن ما قامت بها من دعم قطاع الكهرباء يأتي في الإطار الإنساني إلا أنه تزامن مع هذا الاعتبار تكهنات سياسية جاء في هيئة سؤالٍ مطروح من الجميع: ماذا وراء هذا الدعم؟ هل هو دعم للبنان أما لـ “حزب الله”؟
الباحثة في الشأن العربي الدولي، ريتا بولس شهوان، علّقت لـ “الحل نت” قائلة: إن الدعم من ناحية الشكلية الرسمية الخارجية يأتي باسم الدولة اللبنانية تلك التي تشمل الجميع؛ الحزبي وغير الحزبي. وأكدت بولس أن لبنان عندما تبحث عن مصادر النفط فهي تبحث في فلك “حزب الله” أي الدول التي تعتبر حليفة للحزب مثل العراق أو الجزائر، هذا التحالف ربما يكون هو مصدر القلق والتكهنات السياسية التي جزء كبير منها حقيقي.
لماذا هذا الدعم؟
حينما سأل وزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، عن احتمالية أن تكون هناك صفقة وراء دعم الجزائر بالوقود للبنان، قال لوسائل الإعلام وبشكل صريح “نحن لا نتسول من الجزائر”، “كما أننا نشكل حلف مع الجزائر، حلف عدم قبول الاستبعاد”.
فياض، قال لـ”صحيفة النهار” اللبنانية: “في ظل طبول الحرب التي تُقرع في المنطقة، يجب أن تكون لدينا مصادر للطاقة تساعد على الاستقرار”. وأضاف: “بعدما تحدث رئيس الحكومة الجزائري مع رئيس الحكومة اللبناني، اتصل بي وزير الطاقة فرحّبت بالأمر”.
إلا أن حديث فياض لم يقدم إجابة كافية وافية عن هل هناك صفقة أما لا!!!! من جهته النجار نظر إلى الأمر نظرة متخلفة قائلا: إن علاقة لبنان مع الجزائر على مدار السنوات الماضية فيها نوعان من التوازن إلى أن حدثت ما تُعرف بصفقة الوقود المغشوش غير المطابق للمواصفات من شركة “سوناطراك الجزائرية”، وما هو ما أدى إلى شيء من الخلاف وبرودة في العلاقات بين الدولتين.
وما سمعناه وتابعناه آنذاك، أن ثمّة من قام بتبديل صفقة الوقود الجزائري النظيف في عرض البحر بوقود آخر مغشوش، والحقيقة أن الجزائر قد تصرّفت بشكل سريع وعرضت التعويض المناسب وأعلنت عن معاقبة المتسبب في ذلك، لكن في المقابل القضية أخذت في لبنان أشكالا وأبعادا أخرى أعمق فُسّرت على أنها أزمة مقصودة أو مفتعلة.
بناءً على ذلك، فالجزائر ربما يريد أن يكون لاعب رئيس وله دور في حلحلة أزمة الوقود الطاحنة في لبنان، لاسيما أن الجزائر تُعدّ الدولة الثانية عربياً في إنتاج الغاز بعد قطر، وبالتالي هي فرصة سانحة أمام الجزائر لتعزيز دورها السياسي عربياً وإقليمياً و لامتلاكها سلاح هام وهو الغاز الطبيعي.
شهوان من منظور اقتصادي ترى أن الجزائر بعرضها تزويد لبنان بالكهرباء يجب النظر إليه من وجهة نظر اقتصادية لا سياسية. فالعراق لن يزوّد لبنان بالنفط لأن هناك مستحقات مالية سابقة عالقة و لأن هناك تجارب سابقة مع العراق بتزويد النفط، يصح سؤال العراق أيضا كان عن نيتها.
إذاً المسألة اقتصادية، وهذه ثغرة للعودة إلى السوق اللبنانية عن طريق “الدَّين” المستقبلي، إذ إن النفط هذا لن يكون بدون مقابل والقبول بالسرعة يعني أن دين لبنان والمستحقات كبرت على الدولة اللبنانية و”حزب الله” لن يدفع طبعا من جيبه الخاص، وفق شهوان.
ماذا خلف المساعدات؟
على الرغم من المحاولات العديدة والواضحة لتفسير لماذا تقدم الجزائر الوقود إلى لبنان أو إلى “حزب الله” بهذا الشكل السريع. ومع صدق الدوافع الاقتصادية أو السياسية أو حتى في إطار التعاون، وهذا كله مقبول؛ إلا أن هناك نقطة أخرى في محاولة الإجابة عن هذا السؤال هو “البوليساريو”.
فقد أشارت مصادر إلى وصول ميليشيات إيرانية إلى الجزائر في الأسابيع الأخيرة، تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني. ووصلت هذه الميليشيات عبر رحلات جوية مباشرة بين إيران والجزائر، إيذاناً بمرحلة أخرى لتعزيز دعمها العسكري واللوجستي لجبهة “البوليساريو”.
“الحرس الثوري”، أرسل نخبة القوات المسلحة الإيرانية، والمعروفة بنفوذها وتدخّلها السياسي والعسكري في الشرق الأوسط عبر (حماس وحزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين) ضد إسرائيل، مستشارين ومدربين عسكريين لدعم “البوليساريو”.
ويشرف الجنرال سعيد شنقريحة، قائد الجيوش الجزائرية، على تسهيل وصول الميليشيات الإيرانية وتنسيق المساعدات اللوجستية والعسكرية. هو نفسه القائد الذي أشرف على نقل الوقود من الجزائر إلى لبنان.
هذا الوقود هو دعمٌ لـ”حزب الله” ومن خلال توفيره لدولة يمارس فيها الحزب نفوذاً كبيراً، وتعمل الجزائر على تعزيز قدرات هذه المنظمة بشكل فعّال لأن الوقود مورد بالغ الأهمية ليس فقط لتشغيل البنية الأساسية المدنية، بل وأيضاً للعمليات العسكرية، بما في ذلك تلك التي تقوم بها الجماعات المسلحة التي تستخدم هذه الموارد لتشغيل مركباتها ومولداتها وغير ذلك من المعدات الضرورية لأنشطتها.
إذاً، يمكن القول وبكل بساطة إن إيران التي تساعد “البوليساريو” بالأسلحة، بدورها تحاول الجزائر در الجميل إلى درة التاج الإيراني هو “حزب الله” ، وبالإضافة إلى نقطة أخرى تؤكد على تعاونٍ قائم بين إيران والجزائر و”حزب الله”، هو أن العقوبات الغربية على إيران اضطرت طهران إلى اعتماد مسارات عدة ملتوية لبيع نفطها، منها بيعه في بورصات لا سلطة أميركية عليها، ولا تتعامل بالدولار مثل بورصة شنغهاي، وتحويل النفط إلى أفراد أو شركات إيرانية عبر بورصة طهران، ونقل النفط الإيراني إلى دول أخرى، بينها الجزائر، ليُباع النفط باسمها لا باسم إيران. مما يوحي بصفقة غير معلن عنها بين إيران و”حزب الله” والجزائر.
- ترامب يرفض إجراء مناظرة جديدة مع هاريس ويقدم “اقتراحاً” لإنهاء الحرب بأوكرانيا
- الوسط النخبوي و”تلميع” الأعمال الفنية العراقية.. شِلَلِيّة ومصالح؟
- أردوغان: على روسيا إعادة شبه جزيرة القرم لأوكرانيا
- الدولار يتراجع والذهب يسجل مستوى قياسيا
- دعوة أردوغان لـ”تحالف إسلامي” ضد إسرائيل.. السياسة الخارجية بمنطق الرهانات الحزبية
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.