مشهد الانتخابات الأميركية من أهم الأحداث السياسية التي يجري مراقبة أحداثها، خاصة مع تداعياتها المختلفة وانعكاساتها على السياسات العالمية، بداية من “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) ودول أوروبا، مرورا بالشرق الأوسط، وحتى الصين وروسيا. وليس من المبالغة القول إن السياسة الأميركية تلعب دورا مباشرا في صنع سياسات المنطقة، وصحيح أن وجود الرئيس أو البيت الأبيض لا يشكل عنصر نهائي في ظل دوائر أخرى أميركية، منها “البنتاغون”، إلا أنه يظل أحد العناصر في المعادلة والتي تتحكم فيها عناصر وسياقات أخرى، تفرض في المحصلة النتيجة النهائية في صورتها الكلية.
فمتابعة تدفق الأصوات في الولايات الأميركية المؤثرة سيطر على المراقبين بمختلف أنحاء العالم، وقد تم كتم الأنفاس حتى انكشاف ملامح ساكن البيت الأبيض الجديد من خلف ستار يحمي إرادة الناخب الأميركي. فواشنطن بلا أدنى شك محور النظام الدولي وما يستتبع الانتخابات من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على القضايا الدولية والإقليمية يشكل هاجسا سياسيا في دوائر صنع القرار التي تتابع المرحلة المقبلة، وتحاول فهم كيف ستكون إدارتها، لا سيما مع وضع إقليمي ودولي ليس مأزوما وفقط إنما على الحافة وتكاد تنزلق الأقدام في فراغ وتتهاوى في فوضى أو حرب شاملة.
كما أن نتائج هذه الانتخابات في عبارة واحدة ترتبط بشكل وثيق بصياغة رواية أخرى في منهاج الدول وسياساتها، وتلقي بظلالها على مسارات العلاقات الخارجية والسياسات العامة.
عودة ترامب وشرق أوسط مأزوم!
شهدت السنوات القليلة الماضية تطورات إقليمية ودولية على المستوى الميداني، من خلال اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد وتيرة العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وذلك حينما شنت حركة “حماس” هجومها المباغت والذي أطلقت عليه اسم ” طوفان الأقصى”. وحينها امتد “الطوفان” نحو جبهات عديدة وعرف تعدد مسرح الأحداث، مما أدى لعمليات عسكرية متتابعة داخل لبنان واليمن والعراق وسوريا، فضلا عن الضربات المباشرة المتبادلة ما بين طهران وتل أبيب.
ترتبط هذه المشهدية الممتدة في الشرق الأوسط عبر الشهور الماضية، بمنسوب الاهتمام المتغير بالاستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية، ومدى تأثر الجغرافيا الساخنة بسياسات الحزب الحائز على سلطة الرئيس والتشريع في دولة المؤسسات العريقة. وقد حسمت كما العادة الولايات المتأرجحة نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالح مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ليعود مرة أخرى للبيت الأبيض.
ربما من الضروري مناقشة هل ينبغي أن يكون دونالد ترامب الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة الأميركية معنيا بأن يتمم ما اضطلع به في ولايته الأولى، أم عمق المتغيرات وسيولتها على مسرح الأحداث سيفرضان نهجا آخر في سياسة واشنطن الخارجية، لا سيما في ما يتعلق بانخراط بلاده في الشرق الأوسط وتفاعلها مع تصاعد الأحداث في جبهات عدة؛ جميعها مرتبط بحضور طهران، فضلا عن كون الأخيرة تشتبك أيضا في تلك الحرب الدائرة على تخوم أوروبا بين موسكو وكييف، وكذا علاقاتها مع الصين، مما يجعل من إيران نقطة مركزية في رؤية الولايات المتحدة الأميركية لمحددات التنافس مع الصين وروسيا ودرجة الصراع ومنسوبه.
إذ كانت ولاية ترامب الأولى مليئة بمراكمة الهجوم على بكين، وحشد التهديد بحرب تجارية عليها وفرض الضرائب على البضائع الصينية. ربما من الضروري أيضا الانتباه إلى أن نتائج انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، قد أسفرت عن مكاسب ملفتة للجمهوريين، مما يعني قدرتهم نحو تنفيذ سياساتهم وبرامجهم خلال السنوات الأربع القادمة.
ترامب وتوجهه نحو الصين وروسيا
قد يعني ذلك بصورة ما أن تمضي إدارة الرئيس الأمير كي دونالد ترامب نحو ذات النهج مع الصين، من خلال إحكام القيود التجارية على الواردات من الصين، وذلك يشي بالتبعية أن ترامب سيتحرك في إدارة هذا الملف من خلال الاقتصاد الذي سيفضي بالضرورة نحو توتر سياسي في محيطه الجيوسياسي.
بالنسبة للوضع في الشرق الأوسط وتحديدا الأوضاع في غزة، فإن منسوب الثقة بين الرئيس ترامب والرؤساء العرب سيكون مرجحا لتأسيس قوة عسكرية عربية ” ناتو عربي”.
توم حرب، عضو “الحزب الجمهوري” الأميركي لـ”الحل نت”
يُنتظر من ترامب الوفاء بعهده الذي قطعه بخصوص قدرته على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية في غضون أربع وعشرين ساعة فقط، وحسم انخراط واشنطن داخل حلف “الناتو” ودعم كييف والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في صراع الغرب الممتد ضد موسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما يعني أن ثمة سؤال كبير على الحزب الجمهوري أن يصيغ محدداته في مدى استمرار واشنطن تقديم مساعداتها اللامتناهية لأوكرانيا، وما إذا كان سيعمل ترامب على توظيف تلك الآلية نحو صياغة مقاربة خاصة تذهب نحو عقد صفقة توقف العمليات العسكرية في شرق أوروبا، فضلا عن مدى ارتباط ذلك بتحقيق موسكو عوائد إيجابية نحو رفع العقوبات الأميركية والغربية عليها.
بيد أن ثمة تقدير في هذا الأمر يشي بصعوبة هذا التصور الكلاسيكي دون تدخل المؤسسات التشريعية الأميركية مثلما حدث في الولاية الأولى لدونالد ترامب مع تهديده بالانسحاب من حلف “الناتو” مما دفع “الكونغرس” لسن تشريع يمنع الرئيس الانسحاب من “الناتو” ما لم يوافق “الكونغرس” على ذلك، إما بموجب تصويت مجلس الشيوخ لمصلحة القرار بغالبية الثلثين أو بقرار من مجلسي النواب والشيوخ.
من جانبه يذهب توم حرب، عضو “الحزب الجمهوري” الأميركي ومدير “التحالف الأميركي شرق أوسطي” للديموقراطية، إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ربما ستعمل حاسمة منذ تقلد منصب الرئيس في العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير من العام المقبل على وقف العمليات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، وذلك من خلال تفعيل اتفاقيات مينسك السابقة، ومن خلال ذلك ستعمل الإدارة الأميركية على تحقيق المفاوضات وتفعيلها في هذا الملف على خلفية قناعة الرئيس الأميركي أن الكلفة المادية التي تتحملها واشنطن جراء تلك السيولة باهظة.
تأسيس “ناتو عربي”
ويتابع توم حرب حديثه لـ”الحل نت” قائلا إنه بالنسبة للوضع في الشرق الأوسط وتحديدا الأوضاع في غزة، فإن منسوب الثقة بين الرئيس ترامب والرؤساء العرب سيكون مرجحا لتأسيس قوة عسكرية عربية ” ناتو عربي”، بحسب قول المصدر، وذلك للدخول لقطاع غزة بالتنسيق مع إسرائيل بغية إدارة القطاع والمؤسسات وإعادة تعمير القطاع.
أما بالنسبة للبنان يشير توم حرب إلى أن لبنان حاليا في ذهنية الإدارة الأميركية، تتمثل في ضرورة دخول الجيش اللبناني وتمكين الدولة اللبنانية من التموضع للقيام بمهامها وفرض سيادتها. وتابع قائلا إن ترامب قال للجالية اللبنانية في أميركا أهمية العمل على نزع فتيل المشاكل التي تحصل كل 5 أو 10 سنوات، وعلى الشعب اللبناني والدولة إقامة علاقات طيبة مع دول الجوار وارتباط ذلك كله بتفكيك القوة العسكرية لـ”حزب الله”، خاصة أن تل أبيب قضت على نسبة كبيرة من ترسانة “حزب الله” العسكرية والبشرية، فضلا عن تصفية زعيم الحزب السابق، حسن نصر الله وآخرين من قادة الصف الأول.
الولاية الثانية للرئيس ترامب، ستكون متممة لولايته الأولى، ولكن علينا أن نتجنب أخطاء الفترة الأولى، وأن ننتظر حسم اختيار المستشارين وشخصيات هذه الإدارة، ومن خلال ذلك يمكننا ترقب العمل خلال سنوات “الولاية الترامبية” وفق عضو “الحزب الجمهوري.
ويختتم حديثه لـ”الحل نت” قائلا: “دونالد ترامب سيعمل خلال ولايته الثانية على توحيد أميركا من خلال خفض معدلات التضخم المالي وتوفير فرص العمل للأميركيين”.
صراع جديد ضد إيران
ما تمتلكه واشنطن من قدرات على صناعة القرار والتأثير في صياغته، يعد جسرا نحو حضور عديد السيناريوهات صوب الجغرافيا الساخنة، سواء الشرق الأوسط بملفاته المتعددة مرة فيما يخص إيران وتل أبيب ومستقبل قطاع غزة و”حزب الله” في لبنان، وكذا بقية الميلشيات الولائية، وحسم واشنطن قبضتها على مؤسسات وسياسات “بيت المرشد”، مما يفضي بتقلص هذا النفوذ الاستراتيجي وكسر إرادة طهران في الشرق الأوسط.
كما يكون ذلك أيضا مع تدبر الأزمة في سوريا وانخراط تركيا في الجغرافيا السورية، وارتباط ذلك بمنسوب البراغماتية وتحققها صوب الملفات المشتركة.
بيد أنه من الضرورة بمكان الالتفات إلى كون الترابطية في الملفات مسألة مهمة وحاسمة نحو ترجيح سيناريو ما، خاصة فيما يتعلق بالنجاح في وقف الحرب الروسية الأوكرانية، ووقف الحرب في غزة، فضلا عن علاقة ذلك بمدى دعم إطلاق يد تل أبيب ضد إيران وتهديداتها، مما يعني بدرجة ما توتر أنقرة وسيولة محتملة في جبهات أخرى.
إذاً، في هذا الإطار قد يكون مرجحا أن تدعم واشنطن تل أبيب، بصورة متصاعدة في صراعها الممتد ضد إيران، سواء بشكل مباشر داخل أراضيها، أو غير مباشر خاصة في مناطق النفوذ الإيراني داخل سوريا، الأمر الذي يمكن فهمه بممارسة أقصى درجات الضغط على إيران في كامل جغرافيا الشرق الأوسط.
لا ينبغي فهم معادلات السياسة كونها تمضي في اتجاه إرادة مطلقة دون تفاعل الآخر. لكنها تقع داخل توازنات القوة وتأثيراتها المختلفة. بيد أن النهج الواضح لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتمحور حول عقد الصفقات وصياغتها وفرضها بمنطق الضغوط القصوى، وتوظيف كافة الآليات لتحقيق ذلك، وتمثلها على أرض الواقع.
وسيمضي ذلك بوتيرة تتسق مع أولويات واشنطن في العالم التي تتماهى مع رفع لواء “أميركا أولا” الأمر الذي يعني أن تل أبيب ستكون مفتاح السياسات الأميركية وسرها في الشرق الأوسط وستكون المصالح التجارية والرأسمالية هي عنوان التنافس والصراع مع الصين وروسيا دون إغفال سيناريوهات التنافس الجيواستراتيجي.
نحو ذلك يشير الدكتور كمال الزغول الباحث في الشأن الأميركي، إلى أن تأثير نجاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية على مسار السياسة الخارجية سيكون واضحا وجليا عبر نقاطه المتعددة في مسرح الأحداث.
يتابع الدكتور كمال الزغول حديثه لـ”الحل نت”، قائلا إن منطقة الشرق الأوسط ستكون واحدة من المحطات الهامة التي ستتفاعل مع توجهات الإدارة الجديدة وسيبدو ذلك من خلال العمل على دعم إسرائيل، واستكمال المشاريع الاقتصادية والعسكرية داخل تل أبيب، وكذا العمل بجدية على محاولة إيجاد أرضية مفاوضات لتطبيق القرار 1701، مع لبنان من خلال عزل وظيفي لسلاح “حزب الله” وتحييده ميدانيا عن الحدود المتاخمة مع إسرائيل بمساحة مقبولة وآمنة.
ترامب ليس لدية فقط نتنياهو لكي يتعامل معه في منطقة الشرق الأوسط، سيكون لديه تحالفات اقتصادية تضم دولا من الشرق الأوسط وهذا سيسهم في “إطفاء الحروب” بشكل تدريجي.
الأكاديمي كمال الزغول لـ”الحل نت”
يضيف الزغول أن إدارة ترامب ستسعى إلى محاولة صياغة سلطة في قطاع غزة، تتماهى مع الرغبة الأميركية، بالتزامن مع تصاعد وتيرة العمل على مسألة “التطبيع السعودي الإسرائيلي”. وفي المقابل سيحاول ترامب حماية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من محكمة الجنايات الدولية دون إغفال لمستوى التعاون الاستراتيجي الأمني.
إذاً، وبحسب المصدر ذاته، ستبقى مسألة إعطاء الأمان لبنيامين نتنياهو مسألة مهمة، وستنعكس حتما على حماية “الليكود” في الحكومة الإسرائيلية، لكن أكثر المتضررين عندئذ ستكون حركة “حماس” في غزة، حيث ستتحرك واشنطن نحو إنشاء سلطة جديدة في غزة، أما بالنسبة للبنان فستقوم الولايات المتحدة بمساعد إسرائيل على صياغة محددات اليوم التالي للحرب في غزة بمساعدة إقليمية، ولا يعني أن ذلك سينجح إلا أنه سيبقى محل جدل، والذي قد يعيدنا إلى مرحلة ما قبل الحرب.
ماذا عن الانسحاب من سوريا؟
كما أن أميركا لن تنسحب في يوم وليلة من الجغرافيا السورية، ولكن ستبحث عن الاحتفاظ بحضورها في الوضع الراهن، وهذا سيعتمد على تطور الأحداث مع الميلشيات الإيرانية في سوريا. كما أن مقاربة الحل في سوريا مرتبط أيضا بالعلاقات مع تركيا وروسيا.
ويشير الزغول إلى أن الصفقات الإقليمية والمشاريع الاقتصادية بين إدارة ترامب مع دول وازنة في الشرق الأوسط، مثل السعودية والإمارات ومصر، واردة وستكون داخل حزمة من أهداف واشنطن في الشرق الأوسط وداخل منسوب توجهاتها مع تركيا وإيران وانخراطهم في الجغرافيا العربية.
يخلص الزغول في حديثه لـ”الحل نت” إلى أن دونالد ترامب سيمارس “السياسية الأحادية” في اتخاذ القرارات حول الشرق الأوسط، وهذا لن يجدي نفعا إذا لم يكن هنالك أفق سياسي مبني على حلّ الدولتين، وقد فشل في السابق عندما طرح “صفقة القرن”. ترامب ليس لدية فقط نتنياهو لكي يتعامل معه في منطقة الشرق الأوسط، سيكون لديه تحالفات اقتصادية تضم دولا من الشرق الأوسط وهذا سيسهم في “إطفاء الحروب” بشكل تدريجي لكن بدون حلول ناجزة، وهنا ستبدو مهمة دونالد ترامب الصعبة.
- حماة تدخل بوضع جديد.. وحراك سياسي دولي بعد التطورات في سوريا
- تبعات “ردع العدوان” تظهر في دمشق ودير الزور.. ماذا جرى؟
- وسط انهيار كامل للجيش السوري.. فصائل المعارضة تتقدم في ريف حماة
- دمشق تتواصل مع السعودية ومصر وهذه آخر التطورات الميدانية بحلب
- “ردع العدوان”.. ما هي الأسباب التي أدت إلى التقدم السريع للمعارضة؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.