“المبادرة الأردنية” والتي قد تكون السبيل الأخير لإخراج إيران نهائيا من الأراضي السورية، هي خطوة استثنائية، بدعم من العواصم العربية والغربية، والتي ترى في خروج إيران من سوريا هدفا نهائيا يجب تحقيقه، تضع العالم أجمع أمام تحدي هام وحاسم، تحركا نحو إحلال الاستقرار والسلام في سوريا.

هذه “المبادرة” بمفهوم “خطوة مقابل خطوة”، تنقسم إلى ثلاث مراحل، بدءا من التركيز على الجانب الإنساني وصولا إلى الجانب العسكري-الأمني وانتهاء بالجانب السياسي النهائي. وهذا النهج الشامل يهدف إلى إعادة بناء الثقة وتحقيق استقرار حقيقي في سوريا.

لا تشتمل جداول “المبادرة الأردنية” على برنامج زمني محدد، ولكنها تتوصل إلى تفاهم مهم ينبغي على الحكومة السورية تنفيذه، وهنا تُثار عدة تساؤلات حول الحوافز الملموسة التي يمكن أن تقدمها الدول العربية والغربية كجزء من المبادرة، وما الخطوات المتوقعة من الحكومة السورية وحلفائها في سياق المبادرة، وكيف يرتبط خروج إيران نهائيا من سوريا برفع العقوبات وتمويل المانحين لإعمار سوريا، وما هي الآفاق المستقبلية للمبادرة الأردنية ومدى احتمال تحقيقها.

الأردن.. من “اللاورقة” إلى “المبادرة”

“المبادرة الأردنية” بنصِّها الجديد تكشف عن رؤية تجعل من عمّان والعواصم العربية الداعمة لها بشكل مباشر، والعواصم الغربية المؤيدة بصمت، متمسكة بخروج إيران من سوريا كهدف نهائي، مقابل رفع العقوبات وإعمار سوريا، وانسحاب القوات الأميركية.

الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية عرب مع الحكومة السورية - إنترنت
الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية عرب مع الحكومة السورية – إنترنت

لا تتضمن الجداول في “المبادرة الأردنية” برنامجا زمنيا محددا للتنفيذ. ومع ذلك، تنص على خطوات محددة من المتوقع أن تقوم بها دمشق وحلفاؤها، بما في ذلك سحب جميع الممتلكات العسكرية والأمنية الإيرانية من سوريا، وانسحاب “حزب الله” والميليشيات الشيعية، في مقابل انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من الأراضي السورية، بما في ذلك مناطق شمال شرقي سوريا وقاعدة التنف الأميركية، ورفع العقوبات، وتمويل المانحين لإعمار سوريا.

تاريخ هذه المبادرة يعود إلى عام 2021، حيث قامت الحكومة الأردنية بإعداد ورقة رسمية تصوّر حلّا للأزمة السورية، وقد تمت مناقشتها ومشاركتها من قبل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في اجتماعات منفصلة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتتضمن الورقة تحليلا شاملا للوضع السوري وتقديم مقاربة “خطوة مقابل خطوة” لتحقيق التسوية في هذه المرحلة.

لكن في ظل تسارع خطوات “التطبيع” العربي الأخير وتغير الواقع في سوريا والمنطقة، قامت عمّان بتعديل ورقتها بعد مشاورات مع دول عربية وغربية، حيث تم استبدال عبارة “النظام السوري” بـالحكومة السورية، وتحديد الخطوات المطلوبة من دمشق والعواصم الأخرى بدقة.

“المبادرة الأردنية”، وهو الاسم الجديد الذي تم تبنّيه بدلا من الصيغة السابقة التي كانت تحت مسمى “اللاورقة”، تقدم نقاط محددة حول الوضع الراهن. وتُشير بحسب ما نشر صيغتها موقع “المجلة” السعودي، إلى أنه بعد انقضاء 12 عاما، لا يوجد أي أفق لحل الأزمة ولا استراتيجية شاملة لتحقيق تسوية سياسية، مع تفاقم معاناة الشعب السوري، حيث يعاني حوالي 6.7 مليون لاجئ و6.8 مليون نازح داخل سوريا، و15.3 مليون شخص يحتاجون لمساعدات إنسانية، بينما يعيش 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر.

كما تلفت “المبادرة” إلى أن سنوات من عدم الاستقرار أدت إلى تزايد حالات تهريب المخدرات عبر حدود سوريا وعودة تنظيمات إرهابية إلى الواجهة وزيادة تأثير إيران، بالإضافة إلى عودة عدد قليل جدا من اللاجئين والنازحين وتراجع الدعم العالمي للاجئين والدول المضيفة. وهذه الأحداث تعكس الآثار السلبية للأزمة السورية على الصعيد الإقليمي.

وفقا لـ”المبادرة”، يتطلب الحل الشامل والإنساني والسياسي العمل بناء على قرار “مجلس الأمن” رقم 2254، ويتم التوافق بين جميع الأطراف الدولية المعنية على خمس نقاط أساسية. وتشدد على أنه لا يوجد حل عسكري لإنهاء الأزمة وأن تغيير النظام ليس هدفا فعالا. فيما يُعتبر قرار “مجلس الأمن” رقم 2254، أفضل وسيلة للتقدم في التسوية. حيث يعمل الوضع الحالي على زيادة معاناة السوريين وتعزيز المتنازعين. تأخير أو تقليص التدخل سيؤدي إلى نتائج صعب تغييرها.

بصيغتها الحالية والجديدة، تقدم “المبادرة” ثلاثة مستويات للعمل ضمن الطلبات والعروض على الصعيدين السياسي والإقليمي. ويكمن الهدف الشامل في التوصل إلى حل سياسي يحافظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا، ويتعامل تدريجيا مع جميع عواقب الأزمة ويعيد الأمن والاستقرار والمكانة الإقليمية لسوريا. كما تُقدم رؤية لانخراط مباشر من بعض الدول العربية مع الحكومة السورية، مع التركيز في المقام الأول على تخفيف معاناة السوريين وتحديد الخطوات التي ستدعم جهود مكافحة الإرهاب وتقييد التأثير الإيراني المتزايد ووقف التدهور الذي يؤثر سلبا على مصالحهم المشتركة.

ثلاث مراحل تنتهي بخروج إيران و”حزب الله”

أمنيا وعسكريا، تطلب “المبادرة” تطبيق وقف لإطلاق النار على جميع الأراضي السورية، ومعالجة مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ومعالجة مسألة الوجود الإيراني ومخاوف الدول المجاورة بما في ذلك تهريب المخدرات.

تخوف اللاجئين السوريين من العودة إلى بلادهم لأسباب عدة منها الخوف من الاعتقال والتجنيد الإجباري - إنترنت
تخوف اللاجئين السوريين من العودة إلى بلادهم لأسباب عدة منها الخوف من الاعتقال والتجنيد الإجباري – إنترنت

من الناحية الإنسانية، تستهدف “المبادرة” تحقيق تغيير تدريجي في سلوك الحكومة السورية من خلال تقديم حوافز محددة بعناية في مصلحة الشعب السوري وتهيئة بيئة مواتية لعودة طوعية للنازحين واللاجئين. وبموجب هذا الإطار، ستتحمل الأمم المتحدة مسؤولية توفير كافة الدعم الإنساني. وفي هذا السياق، يمكن مناقشة إمكانية إدراج الاتفاقية في قرار صادر عن “مجلس الأمن” التابع للأمم المتحدة.

على هذا النحو، تحدد “المبادرة” ثلاث مراحل للعمل، دون ذكر جدول زمني محدد لكل مرحلة. وتشمل هذه المراحل المدى القريب والمتوسط والبعيد. ويتم البدء في المرحلة الأولى من خلال اتخاذ خطوات بناء الثقة، وفقا لما ورد في الفقرة 10 من قرار “مجلس الأمن” رقم 2254، التابع للأمم المتحدة.

الجدول الذي يندرج ضمن المرحلة القريبة الأمد، يتضمن تقديم دمشق معلومات مفصلة إلى مكتب الأمم المتحدة، بما في ذلك وضع جدول زمني لإطلاق مجموعات صغيرة من المحتجزين، والتعاون مع “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” لتحديد أماكن ومصائر المفقودين والمخطوفين. ويتم تنفيذ هذه الخطوات في هذه المرحلة كجزء من بناء الثقة وتعزيز الجهود الإنسانية.

نظريا، تقوم “المبادرة” بتوضيح أنه يُطلب من الحكومة السورية وضع خطة مفصلة لتسهيل عودة اللاجئين بشكل طوعي تحت إشراف الأمم المتحدة وتمكين “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” والهيئات الأممية ذات الصلة من الوصول إلى العائلات. ويتم الإقرار بتفويض المفوضية للمراقبة بعد العودة، ويتم إصدار مرسوم من قبل الرئيس الأسد لضمان سلامة وأمن العائدين والاعتراف بحقهم، بما في ذلك العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم، وتيسير إصدار بطاقات هوية ووثائق مدنية لهم وتسهيل عملية تقديم المطالبات الإدارية للعائدين وتيسير عودة النازحين إلى منازلهم.

هذه الخطوة ستتم عبر تصميم مشروع تجريبي لعودة اللاجئين والنازحين بدءا من الجنوب السوري، ويجري الحديث عن ألف شخص ضمن فئة عمرية لا تشمل التجنيد الإجباري ومن غير الملاحقين أمنيا.

بعد إتمام المرحلة الأولى بنجاح، يبدأ تنفيذ المرحلة الثانية التي تتعلق بالجانبين الأمني والعسكري. وتشمل الخطوات التي يجب التوصل إليها بالتوافق بين الدول المعنية مسائل مثل الموافقة على وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وتعليق جميع العمليات العسكرية المتعلقة بالنزاع المسلح، باستثناء التدريبات العسكرية، والإعلان عن تجميد التجنيد العسكري لمدة عام على الأقل، وتقليص عدد الحواجز الأمنية في المناطق المدنية المتفق عليها.

كما تشمل هذه المرحلة خطوات لمعالجة الوجود الإيراني في سوريا بما في ذلك إخراج قادة “الحرس الثوري” الإيراني وقواتهم، وانسحاب جميع العناصر العسكرية والأمنية غير السورية من المناطق الحدودية مع الدول المجاورة، ومنع الميليشيات الموالية لإيران من استخدام سوريا مركزا لإطلاق هجمات عبر طائرات من دون طيار ولهجمات عابرة للحدود، وتخفيض العتاد العسكري الإيراني في سوريا من حيث المواقع الجغرافية ونوعية الأسلحة.

أما المرحلة الثالثة فتتضمّن عمليات المصالحة والإصلاح. ولهذه المرحلة اتجاهين، الأول يتعلق بالوضع الداخلي، حيث تقدم “المبادرة” الخطوات المتوقعة من دمشق، وتشمل اعتماد إصلاحات منهجية لضمان حكم فعّال ومنع التمييز والقمع، والمشاركة في عملية المصالحة مع المعارضة السابقة داخل سوريا ومختلف مكونات المجتمع السوري، والاتفاق على نمط حكم شامل يحقق الشمولية في سوريا، والتعاون في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان واتخاذ إجراءات للمحاسبة، والموافقة على إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، والامتثال لالتزامات سوريا في إطار معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية من خلال التعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

في المرحلة الثالثة، فإن المدى البعيد، هو الأكثر تعقيدا من دمشق وحلفائها لأنه يخص دور القوى الأجنبية، إذ إن المطلوب عسكريا وأمنيا، هو إعلان انتهاء جميع العمليات العسكرية المتعلقة بالنزاع المسلح في سوريا، باستثناء عمليات التدريب القتالي ضد جهات تحددها الأمم المتحدة.

أزمة المبادرات مع دمشق

بعد انتهاء العمليات العسكرية، تقترح “المبادرة” أن تكون المرحلة الأخيرة هي إعادة الاندماج السياسي، حيث تلتزم الحكومة السورية المساهمة الإيجابية والفعالة في الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، مقابل استئناف جميع الدول العلاقات الدبلوماسية مع سوريا والترحيب بعودة سوريا إلى المحافل الدولية بعد “الجامعة العربية”.

الرئيس السوري بشار الاسد في قمة جامعة الدول العربية - إنترنت
الرئيس السوري بشار الاسد في قمة جامعة الدول العربية – إنترنت

الخبير في تاريخ الشرق الأوسط الحديث والحرب البادرة، رشيد الخالدي، أوضح لـ”الحل نت”، أن “المبادرة الأردنية” في سياق الأزمة السورية تعمل من خلال إرساء نهج تبادلي حيث تُطالب الحكومة السورية بمطالب محددة، وفي المقابل تقدم الدول العربية والغربية حوافز أو مكافآت ملموسة. وتهدف المبادرة إلى معالجة الأزمة بشكل تدريجي، وتتقدم عبر مراحل مختلفة، بما في ذلك الجوانب الإنسانية والعسكرية والأمنية والسياسية، مع بناء كل مرحلة على المرحلة السابقة.

الدول العربية والغربية تلعب دورا داعما في “المبادرة الأردنية” من خلال تقديم الدعم المباشر أو غير المباشر، كما أن الحوافز الملموسة التي يمكن للدول العربية والغربية تقديمها كجزء من المبادرة قد تشمل المساعدة المالية لإعادة الإعمار، والاستثمار في البنية التحتية، والاتفاقيات التجارية، والاعتراف الدبلوماسي أو “تطبيع” العلاقات، والوصول إلى الأسواق الدولية. وتهدف هذه الحوافز إلى توفير مزايا وحوافز ملموسة للحكومة السورية للامتثال للمطالب الواردة في المبادرة.

إلا أن الخطوات المتوقعة من الحكومة السورية وحلفائها في سياق المبادرة عبر الانسحاب الكامل للعتاد العسكري والأمني الإيراني من سوريا محط شك كبير وخاصة للدول الغربية، بحسب الخالدي. حيث تتوقع المبادرة انسحاب “حزب الله” والمليشيات الشيعية من الأراضي السورية، وهذه الخطوات حاسمة لاستعادة الاستقرار والسيادة في سوريا وهي جزء من العملية المتبادلة التي حددتها المبادرة.

لذلك يرى القادة الغربيون طبقا لحديث الخالدي، أنه يجب التنسيق بين الحكومة السورية والدول الداعمة المشاركة في “المبادرة” لمراقبة انسحاب الأصول العسكرية والأمنية الإيرانية من سوريا، عبر آليات المراقبة والتحقق لضمان الإزالة الكاملة لهذه الأصول من الأراضي السورية.

التحديات المتعلقة بانسحاب “حزب الله” والمليشيات الشيعية من سوريا تشمل ديناميكيات سياسية معقدة ومقاومة محتملة من هذه الجماعات. لقد رسخت هذه الميليشيات وجودا ونفوذا في أجزاء مختلفة من سوريا، وقد يواجه انسحابها مقاومة من داخل سوريا ومن الجهات الخارجية الداعمة لها. وسيتطلب تحقيق انسحابهم الكامل مفاوضات وترتيبات أمنية ومعالجة مخاوف ومصالح الأطراف المعنية.

الأسد أمام اختبار شعبي ودولي

خروج إيران النهائي من سوريا مرتبط برفع العقوبات وتمويل المانحين لإعادة إعمار سوريا في إطار “المبادرة الأردنية”. يُنظر إلى الانسحاب الكامل لإيران من سوريا على أنه خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار وحل النزاع. ويعد رفع العقوبات وتمويل المانحين من الحوافز الرئيسية للحكومة السورية وحلفائها للوفاء بالتزاماتهم بموجب المبادرة. وتهدف هذه الإجراءات إلى دعم عملية إعادة الإعمار وتسهيل تعافي البلاد.

بشار الأسد يلتقي الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى علي خامنئي في زيارة نادرة لطهران - إنترنت
بشار الأسد يلتقي الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى علي خامنئي في زيارة نادرة لطهران – إنترنت

الآفاق المستقبلية لـ”المبادرة الأردنية” واحتمال نجاحها تعتمد على عوامل مختلفة، بما في ذلك التزام الأسد وجميع الأطراف المعنية، بالديناميكيات الإقليمية، والمشهد الجيوسياسي المتطور. ويتوقف نجاح المبادرة على التنفيذ الفعال لدمشق والتعاون والدعم المستمر من الدول العربية والغربية. إلا أن التحديات مثل الانقسامات السياسية وتضارب المصالح والمخاوف الأمنية المستمرة قد تؤثر على الجدوى والجدول الزمني لتحقيق جميع الأهداف المحددة.

في ظل هذه المشهدية، تتجاوز “المبادرة الأردنية” الحواجز السياسية والاقتصادية والأمنية لتتبوأ موافقة وتأييدا من السوريين داخل البلاد وخارجها، لكن تحقيق خروج إيران النهائي من سوريا سيمثل نقطة تحول تاريخية، فإما أن يربح الأسد ورقة الشعب والبلاد والاقتصاد والدعم العربي والدولي، أو يصرّ على انكفائه مع الحلف الإيراني الروسي بسبب الديون التي أثقلته بها هذه القوى مقابل مساندة في استمراره بالحكم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة