قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، أجرى زيارة خارجية أخرى، كانت وجهتها هذه المرة الدولة التركية، في إطار سعي البرهان لكسب مواقف إقليمية ودولية، والحصول على دعم عسكري ودولي، عله  يغير مجرى الحرب الدائرة في السودان منذ أشهر عدة.

زيارة الفريق أول ركن لأنقرة، يوم أمس الأربعاء، تفرض تخوفات عدة من أن تفتح الطريق لتدخل عسكري تركي للسودان، على غرار ما حدث في ليبيا في العام 2019، حين نقلت أنقرة عشرات آلاف المرتزقة وقوات على الأرض لمساعدة حكومة الوفاق الوطني حينها بقيادة فائز السراج، والتي يؤكد خصومها أنها كانت واجهة للإخوان المسلمين، وفق ما نقلت “ميديل إيست أون لاين”.

بذلك يتكرر سيناريو ما حدث في ليبيا التي تعاني حتى يومنا هذا من انقسامات سياسية حادة، بجانب دخول البلاد في عدد من الأزمات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، إضافة إلى إغراق البلاد بمجموعة من الميليشيات والمرتزقة الذين يهددون أمن واستقرار البلاد بين الحين والآخر.

لذا تبرز هنا عدة تساؤلات حول دلالات زيارة البرهان لأنقرة، واحتمالات دخول تركيا عسكريا في الصراع السوداني وجر البلاد لحافة الهاوية كما حصل في ليبيا، وتداعيات ذلك على المستويين المحلي والإقليمي.

دلالات زيارة البرهان

نحو ذلك، عاد البرهان إلى بلاده بعد أن أجرى مباحثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حسب ما أعلنته “وكالة الأنباء السودانية” (سونا) اليوم الخميس. وقال بيان لـ”مجلس السيادة السوداني” إن وزير الخارجية المكلف على الصادق ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم رافقا البرهان خلال الزيارة التي بدأت يوم أمس الأربعاء.

البرهان توجه إلى مطار مدينة بورتسودان في شرق السودان، وهو المطار نفسه الذي سافر منه إلى تركيا. وكان قد انتقل إلى المدينة الشهر الماضي ليتمركز بها بعدما ظل في مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم خلال الشهور الأربعة الأولى من الحرب. 

تأتي الزيارة عقب عدد من الزيارات التي قام بها البرهان إلى الخارج شملت كل من مصر وجنوب السودان وقطر وإريتريا. منذ تواجده في بورتسودان يسعى البرهان لتوظيف ذلك في التحرك نحو العديد من الدول الخارجية بغية حشد تأييد إقليمي ودولي له.

الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني الدكتور عماد الدين بحر الدين يقول في هذا الصدد لموقع “الحل نت”، إن زيادة البرهان لتركيا تأتي في إطار الزيارات الخارجية لإيجاد مخرج للأزمة السودانية. ويُفهم في هذا السياق وليس من أجل التصعيد العسكري، كما تردد سابقا بدعم تركيا للسودان بطائرات “برقدار” المسيّرة.

لكن البرهان يدرك أن دول الجوار، بما فيها جوبا والقاهرة، وكذلك بعض الدول الأخرى مثل تركيا والسعودية، قد تتمكن من المساهمة في حل الأزمة السودانية، خاصة وأنقرة لديها علاقات جيدة مع طرفي النزاع في السودان، بجانب إبداء رغبتها في تقديم الدعم، بما في ذلك إطلاق مبادرات ووساطات، وفق تعبير الخبير الأمني والاستراتيجي.

كما قام البرهان بعدة زيارات خارجية ويبدو أنه سيقوم بالمزيد خلال الفترة المقبلة، وهدفه حتى الآن واضح من هذه الزيارات وهو حشد الدعم الإقليمي والدول له، خاصة بعد انعقاد “مؤتمر دول جوار السودان” في مصر وتشكل لجنة وزارية في هذا الشأن لبحث الأزمة السودانية مع القوى الإقليمية والدولية.

بالإضافة إلى التنسيق الأميركي المصري الأخير، فضلا عن جهود ودور السعودية بالتعاون مع واشنطن في عقد عدة اجتماعات ومباحثات في مدينة جدة السعودية بهدف إنهاء هذا الصراع الذي لم يسفر إلا عن الدمار وهجرة أعداد كبيرة من السودانيين، ولذلك فإن زيارات البرهان لها أهمية كبيرة من أجل التوصل إلى الخطوات الأولية لإنهاء الصراع في السودان وعدم إطالة أمد الحرب التي أصبحت على حافة حرب أهلية طويل الأمد، طبقا لما يراه الخبير.

استبعاد التدخل التركي

في المقابل ارتبطت تركيا بعلاقات وثيقة مع الرئيس السوداني المعزول عمر البشير الذي فرط لها في إدارة ميناء سواكن الاستراتيجي على البحر الأحمر وفتح لها أبواب التغلغل في الدولة من بوابة التعاون الاقتصادي والعسكري.

إن حدوث سيناريو مشابه لما حدث في ليبيا، من تدخل تركي في الصراع السوداني، أمر مستبعد في ظل العديد من الحسابات الإقليمية والدولية، خاصة وأن الوضع السوداني يختلف عن الوضع الليبي.

كما ودعمت أنقرة جماعات الإسلام السياسي وقادت مشروع التمكين في المنطقة الذي انفرط عقده بانهيار نظام البشير في السودان وحكم جماعة “الإخوان” في مصر وتوالي تفكك جماعات إسلامية أخرى كان آخرها “حركة النهضة” التونسية التي عزل الرئيس التونسي قيس سعيّد منظومة الحكم التي قادتها لعقدين.

هذا وكشفت تقارير سودانية قيام تركيا بمد البرهان بعدد من الطائرات المسيّرة قيل إن الجيش يستخدمها في قصف مقرات تابعة لـ”قوات الدعم السريع” التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ “حميدتي”، ما أوقع الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين بالخرطوم ودارفور.

تتخوّف بعض القوى المدنية السودانية من احتمال أن تستغل تركيا ضعف حكومة البرهان، وبالتالي جر البلاد إلى سيناريو مشابه لما حدث في ليبيا عندما استغلت أنقرة ضعف رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني في ليبيا ودخلت عبر ميليشياتها إلى طرابلس، وفق صحيفة “العرب” اللندنية.

بالعودة إلى الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني، فإنه يستبعد حدوث سيناريو شبيه لما حصل في ليبيا، من تدخل تركي في الصراع السوداني، نظرا للعديد من الحسابات الإقليمية والدولية، خاصة وأن الوضع السوداني يختلف عن الوضع الليبي.

الخبير الأمني استدرك ذلك بحديث مستشار الرئيس التركي عندما قال في وقت سابق إن تركيا لن تتدخل في السودان إلا في إطار دولي وعبر “الأمم المتحدة”، وهي تدعم خيار الحل السياسي وليس العسكري. وقد تجلى ذلك أيضا خلال تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عندما زاره البرهان بأن مصر تدعم الحل السياسي الشامل.

بالتالي فإن تدخل تركيا العسكري في السودان على غرار ما حدث في ليبيا أمرا مستبعد طالما أن مصر وعموم الدول الإقليمية والدولية يرفضون أي تدخل عسكري من أي طرف كان، لأن ذلك سيعيق أي حلول لأزمة البلاد المستمرة منذ 5 أشهر.

محورية دور مصر

يرغب البرهان أن تتولى مصر رئاسة مبادرة “إيغاد” نظرا لعدم حياد كينيا من وجهة نظرهم. وطلب البرهان من رئيس جنوب السودان التوسط لترأس مصر هذه المبادرة. ولذلك يمكن القول إن تركيا لن تتدخل لصالح طرف على حساب طرف آخر، رغم وجود قيادات إخوانية هناك وتقوم باستثمارات لصالح نظامهم، حسبما يحلله الخبير الأمني السوداني.

هذا وجددت وزارة الخارجية السودانية رفض حكومة السودان، لرئاسة كينيا للجنة “إيغاد” الرباعية، وعزت الوزارة لانحياز كينيا للمليشيا المتمردة، واستضافتها لقيادتها التي تطاردها عقوبات دولية. ولا ترى حكومة السودان أي مبرر لنقل رئاسة اللجنة من جمهورية جنوب السودان على نحو ما قررته قمة “إيغاد” الطارئة يوم ١٦ نيسان/أبريل الماضي.

وزارة الخارجية أبدت اسفها إلى خلو البيان الصادر عن اجتماع عن رؤساء الدول والحكومات للجنة “إيغاد” الرباعية حول السودان، من أي إشارة لحكومة السودان وضرورة التشاور معها والحصول على موافقتها في الخطوات التي تنوي “إيغاد” اتخاذها بخصوص الأزمة في البلاد واعتبرت ذلك انتقاص واضح ومرفوض لسيادة السودان.

لكن بفرض دخول تركيا عسكريا في الصراع السوداني كما حدث ليبيا، فإن ذلك سيكون له عواقب وخيمة على البلاد، إضافة إلى تداعياته الإقليمية السلبية، باعتبار أن مصر لن تسمح بالتواجد التركي في السودان، نتيجة النتائج السلبية لما واجهته في ليبيا.

كما أن هذا الأمر قد تمنح خطوة من هذا النوع قائد “قوات الدعم السريع”، مبررات للانفتاح أكثر على قوى إقليمية ودولية لمساندته، وفي مقدمتها روسيا، ويتكرر ما حدث في ليبيا بصورة عكسية، وتتزايد التدخلات الخارجية. فقد تمركزت قوات عسكرية تركية وفرق من المرتزقة التابعين لأنقرة في غرب ليبيا، بينما تمركزت قوات “فاغنر” الروسية في الشرق، وكلفت هذه التدخلات ليبيا أثمانا باهظة، فضلا عن دخول لحالة الانسداد السياسي.

إن تكرار سيناريو ليبيا أمر مستبعد تماما في السودان، فالغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وكذلك دول الخليج لن يسمح بذلك، ونظرا لأن أردوغان يحاول تأطير وترميم علاقاته مع الدول الغربية وخاصة واشنطن وكذلك السعودية والإمارات.

فأردوغان لن يقدم على أي خطوة تجعله منبوذا من جديد، خاصة أن علاقاته مع الغرب ليست في أفضل حالاتها.

بالتالي لن يتخذ أنردوغان خطوة قد تغرق بلاده في أزمات أخرى كما حدث خلال السنوات الماضية، جرّاء تدخلاته الخارجية في شؤون الدول الأخرى. لكن إذا قررت أنقرة الدخول في الصراع السوداني، كما حدث في ليبيا وسوريا وغيرهما، فسيكون لذلك عواقب سلبية جمّة، على السودان ودول الجوار، وكذلك على تركيا نفسها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات