زيارة خارجية ثانية متوقعة لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، والتي ستكون وجهتها عاصمة جنوب السودان جوبا، بعد زيارته الأخيرة لمصر قبل أيام، بحسب مصادر إعلامية، فضلا عن أنباء عن زيارة أخرى إلى المملكة العربية السعودية، وسط تساؤلات حول المغزى من هذه الزيارات. وعما إذا كانت تحركات البرهان مرتبطة بحشد الدعم الإقليمي ثم الدولي لرأب الأزمة التي يعاني منها السودان منذ نحو خمسة أشهر، أم أن هناك دلالات أخرى.

تعتبر زيارة البرهان لمصر هي الأولى له منذ اندلاع الحرب في بلاده منتصف نيسان/أبريل الماضي، وبالتالي خروجه لجولات خارجية واجتماعه بقادة بعض الدول التي لها تأثير وثقل في المنطقة، ولا سيما في الملف السوداني، يشير إلى أن هناك عدة رسائل وإشارات، إضافة إلى أن الصراع السوداني بات واضحا أنه يدخل مرحلة جديدة، والفترات المقبلة ستكشف خبايا ما يجري في الحدائق الخلفية لمن يرسم السياسات الخارجية في المنطقة.

السودان وإنهاء الحرب

مصادر سودانية قالت لموقع “سكاي نيوز عربية“، مساء يوم أمس الخميس، إن قائد الجيش السوداني، سيصل إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، في ثاني زيارة خارجية له منذ اندلاع الصراع مع “قوات الدعم السريع”، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.

عبد الفتاح البرهان- “إنترنت”

المصادر السودانية ذاتها أردفت أن عبد الفتاح البرهان سيزور جوبا، يوم الإثنين المقبل، حيث سيلتقي رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، وأنهما سيعقدان جلسة مباحثات تناقش الأوضاع في السودان وتأثيرها على دول الجوار والجهود المبذولة لإنهاء الحرب.

هذا وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد زار مصر في 29 آب/أغسطس الفائت، وتباحث مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مدينة العلمين الساحلية شمال مصر تطورات الأوضاع في السودان والجهود الرامية لتسوية الأزمة، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية ويصون مصالح الشعب السوداني وتطلعاته نحو المستقبل.

الدكتور إسماعيل تركي، الباحث في العلاقات الدولية، يقول في هذا السياق إن زيارة البرهان للقاهرة وزياراته المقبلة تحمل دلالات عديدة، لعل أبرزها السعي إلى حشد الجهود الإقليمية من أجل وضع حدٍّ للحرب السودانية ولكن بشروط معينة وهي الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وأن لا يقتطع كل طرف حصة لمصلحته، كما تشتهي بعض الأطراف التي تخدم أجندات بعض الدول الأجنبية.

الخبير في العلاقات الدولية، أردف لموقع “الحل نت”، أن دول الجوار، بما فيها جوبا والقاهرة والرياض، تُعتبر من أهم الأطراف الفاعلة في الملف السوداني، ولهم القدرة على إرساء الأسس الأولية لإنهاء الصراع في السودان، وعدم جر البلاد إلى حرب أهلية. وتزايدت هذه الجهود منذ انعقاد “مؤتمر دول جوار السودان” في مصر وتشكيل لجنة وزارية في هذا الشأن للتباحث مع القوى الإقليمية والدولية فيما يتعلق بالسودان، والتنسيق الأميركي المصري الأخير في ملف السودان، فضلا عن جهود ودور السعودية بالتعاون مع واشنطن في عقد عدة اجتماعات ومباحثات في مدينة جدة السعودية بهدف إنهاء هذا الصراع الذي لم يسفر إلا عن الدمار وهجرة أعداد كبيرة من السودانيين، ولذلك فإن زيارات البرهان لها أهمية كبيرة من أجل التوصل إلى الخطوات الأولى لإنهاء الحرب المستعرة هناك.

كما أن البرهان أكد ذلك بشكل غير مباشر، حيث صرّح بأن وحدة الأراضي السودانية في خطر ما لم يتم حلّ الحرب الدائرة بين قواته و”قوات الدعم السريع”. وقال البرهان، الذي كان يخاطب قوات الشرطة في مدينة بورتسودان يوم أمس الخميس، إن الحرب الدائرة حاليا قد تتسبب في تفكك السودان وتصيب وحدته في مقتل ما لم تحسم بالسرعة المطلوبة.

لتقريب وجهات النظر

زيارة البرهان لجوبا بعد مصر، يتوقع منها تلعب هذه الدولتين بالإضافة إلى دول إقليمية أخرى، أدوارا في تقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع السوداني، من أجل وضع خارطة طريق للدفع والمضي قدما نحو حلٍّ للأزمة السودانية، بحسب ما يحلله الباحث في العلاقات الدولية.

بالنظر إلى ثقل هذه الدول في المنطقة، فضلا عن تعاونهم وعلاقاتهم الاستراتيجية مع القوى الدولية، فإن تشجيع أطراف الصراع السوداني على البدء في الانخراط في مفاوضات حقيقية وجادة أمر محتمل.

الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور إسماعيل تركي لموقع “الحل نت”

بالنظر إلى ثقل هذه الدول في المنطقة، فضلا عن تعاونهم وعلاقاتهم الاستراتيجية مع القوى الدولية، فإن تشجيع أطراف الصراع السوداني على البدء في الانخراط في مفاوضات حقيقية وجادة، إضافة إلى إجراء حوارات سياسية بين مختلف القوى المدنية والأحزاب السياسية السودانية، وخاصة قوى الحرية والتغيير، أمر ممكن، لكنه سيواجه تحديات وصعوبات، وذلك لتعقيد عوامل وأسباب هذا الصراع، حسب تقدير الباحث في العلاقات الدولية.

كما أن البرهان يحتاج للاستقواء بالظهير المصري لكونها دولة ذات ثقل إقليمي ودولي وتستطيع فتح كثير من الأبواب المغلقة في وجه السودان، خاصة عند الدول التي لها اتصال مع أزمة السودان مثل الرباعية الدولية التي تتكون من أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات، وفق محللين تحدثوا لموقع “الحل نت”. 

تدعيما لهذه الفرضية، فقد قال البرهان خلال تصريحات إعلامية للبرهان عقب محادثات مع السيسي، إن القوات المسلحة لا تسعى إلى الاستمرار في حكم السودان، مشددا على سعيه إلى إقامة نظام ديمقراطي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة يقرر فيها الشعب السوداني ما يشاء.

السودان- “رويترز”

قائد الجيش السوداني استدرك بالقول “أطمئن كل أصدقاء السودان بأننا نسعى إلى تحول ديمقراطي ولا نطمع في الحكم”، معتبرا أن الجيش يواجه “جماعات متمردة ارتكبت جرائم حرب من أجل الاستيلاء على السلطة”، مضيفا، “شرحنا للقيادة المصرية تطورات الأوضاع ونثمن موقف القاهرة في شأن استقبال اللاجئين السودانيين”.

طبقا للبرهان فإن الحرب التي جرت في السودان كانت بسبب محاولة مجموعة متمردة السيطرة على السلطة، موضحا “نسعى إلى وضع حد للحرب وإنهاء المأساة الحالية”، نافيا في الوقت ذاته الاتهامات بالتعاون مع النظام السوداني السابق أو إيواء الجيش لعناصر إسلامية أو إرهابية، معتبرا تلك الاتهامات فزاعة يستعين بها كل من يريد أن يستأسد على الشعب السوداني.

ترتيبات إقليمية ودولية جديدة

توقيت زيارات البرهان الخارجية، يشي بأن هناك مرحلة جديدة أمام السودان، وأن ترتيبات إقليمية ودولية تتحضر بهدف إنهاء هذا الصراع. ويردف إسماعيل تركي، أن أهم أسباب هذه الزيارة هو دخول الأزمة مرحلة جديدة، والبرهان يريد توضيح رؤية وموقف الجيش السوداني واطلاع مواقف الأطراف الداعمة للجيش السوداني وعلى رأسها مصر وجنوب السودان.

بالتالي كانت الزيارة الأولى له لمصر والثانية لجوبا، وقد تكون له زيادة لبلدان أخرى، بغية التباحث والتشاور معهم وتقديم شرح حول الأزمة السودانية، والحصول على الدعم خلال المرحلة المقبلة لمواجهة التحديات التي تواجه السودان وتهدد أمنه وسلامة أراضيه وقد يكون هناك طرح آخر.

أما عن النتائج المرجوة من هذه الزيارات، فيرى تركي، أن الأمر لن يتحسن كثيرا، ولن تكون هناك حلول سياسية مستدامة في الأفق المنظور. وحتى عملية الحسم العسكري، فإن قوات الجيش السوداني غير قادرة عليها بعد، بسبب الدعم الكبير من بعض الدول لـ”قوات الدعم السريع”.  

الحرب السودانية منذ اندلاعها وحتى الآن، نتج عنها نحو 5 آلاف ضحية وفق منظمة “أكليد” غير الحكومية، لكن الحصيلة الفعلية مرشحة لأن تكون أكبر لأن كثيرا من مناطق البلاد معزولة تماما، وفق العديد من التقارير الصحفية.

أجبر الصراع السوداني أكثر من 4.6 مليون شخص على الفرار، وفق إحصاءات “الأمم المتحدة”.

عليه فإن الأزمة السودانية ستبقى مستمرّة، وستستمر معها معاناة الشعب السوداني، بجانب استمرار التهديدات التي تواجه السودان، إلا إذا تمكنت الأطراف الإقليمية والدولية من التوصل إلى صيغة ما بشأن إنهاء كل هذه المعاناة، وفي ضوء كل ذلك، فإن إمكانية التوصل إلى اتفاق بين البرهان و”حميدتي”، أمر محتمل في الفترة المقبلة، بحيث يتم وقف القتال العسكري والدخول في عملية سياسية شاملة، وإن تم ذلك بشروط وعوامل صعبة ومكلفة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات