في سابقة ربما تبدو لافتة، افتتح في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” في العاصمة الفرنسية باريس “متحف سجون داعش”.
وحضر المتحف عدد كبير من الفرنسيين والعرب، وكان من بين الحضور وزير الثقافة العراقي أحمد البدراني، وشخصيات تمثل الخارجية الألمانية والأميركية والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وعدد من الإيزيديين الناجين من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي.
متحف لـ”داعش” بباريس
وأقيم “متحف سجون داعش” تحت عنوان “ثلاثة جدران: حكاية المكان في الموصل القديمة”، حيث قدم جولات ثلاثية الأبعاد لمباني الموصل القديمة التي حولها التنظيم الإرهابي إلى سجون بعد إعادة بنائها افتراضيا، وذلك بغية توثيق جرائمه ودعم جهود العدالة والمساءلة.
وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام، فإن المتحف، رقمي تفاعلي فريد من نوعه، في محتواه الإنساني وسردياته البصرية عن حقبة تاريخية مريرة في العراق وسوريا.
كما أن العرض الأول للمتحف ركز على تاريخ مدينة الموصل العريق وتراثها المعماري الغني الذي تعرّض للدمار والتحولات الكبيرة خلال فترة سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي.
وركز المعرض أيضا على إعادة بناء الفضاء المعماري الرقمي للموصل القديمة من خلال تقنيات السرد الرقمي والجولات الافتراضية ثلاثية الأبعاد، وفق ما ذكرته “العربية“.
لماذا إقامة هكذا متحف؟
ويستعرض “متحف سجون داعش” في باريس، ثلاثة مواقع رئيسية في الموصل القديمة – مسجد، كنيسة، ومنزل – لإبراز كيف حول التنظيم الإرهابي هذه المباني من مواقع تاريخية وثقافية إلى سجون خلال فترة احتلاله للمدينة.
وفقا لتقارير صحفية، فإن المعرض يعتمد على تكامل جهوده مع مبادرة اليونسكو “إحياء روح الموصل”، حيث يساهم في إعادة بناء المدينة من خلال تسليط الضوء على الذاكرة الجماعية للموصل القديمة وتراثها الثقافي الفريد.
ويعكس المعرض بشكل مباشر جهود اليونسكو في ترميم المواقع التاريخية المتضررة، مثل جامع النوري، ويعزز هذه الجهود من خلال إعادة تصور الهندسة المعمارية للمدينة قبل تدميرها.
كما يُظهر المعرض كيف أن الحفاظ على التراث الثقافي يتكامل مع جهود اليونسكو لإحياء الهوية الثقافية المتعددة للموصل واستعادة مكانتها كمركز حضاري متنوع.
ويركز المعرض أيضا بالواقع الافتراضي على السجون التي كانت جزءا رئيسيا من حكم التنظيم في سوريا والعراق، حيث اعتقل عشرات الآلاف، منهم كثيرون اختفوا قسريا، ولم يُعرف مصيرهم حتى الساعة، في عمل توثيقي – بحثي – صحفي، ويقوم على أرشيف ضخم، يضم نحو 70 ألف وثيقة ومئات الشهادات المصورة، بحسب التقارير الصحفية.
عرض المتحف ملفات مهمة لانتهاكات خطيرة لسجن الأحداث ومنها “16” شهادة مصورة من داخل سجون “داعش” ومن الذين تمكنوا من الهروب من هذه السجون، وركزت هذه المقابلات المصورة مع الشهود المعتقلين والهاربين في حقبة “داعش” على تجربتهم في السجن وقصص هروبهم الصعبة، ووثقت سبب اعتقالهم تتعلق بانتمائهم الديني، أو بتُهم التخابر ضد التنظيم.
ويستعرض المتحف أيضا 15 سجنا أمنيا لبيوت موصلية قديمة حولها “داعش ” إلى سجون ومعتقلات في مدينة الموصل، ويقدم مجموعة من التفاصيل عن طبيعتها ومواقعها، وأسباب الاعتقال، وأبرز سجانيها، وتنظيمها الإداري، بناء على شهادات الناجين منها، جمعها المتحف.
هذا بالإضافة إلى تقرير يستعرض معاملة “الأحداث في أنظمة السجون العراقية”، ويتناول الملف الإطار القانوني العام الذي حكم واقع سجون الأحداث في العراق منذ وصول “حزب البعث” إلى الحكم في ستينيات القرن الماضي، مرورا بالتدخل الأميركي والحكومات العراقية التي أعقبته، وصولا إلى سيطرة تنظيم “داعش” على أجزاء من العراق، كما يتحدث عن واقع هذه الفئة من الأطفال في إقليم كردستان، وفق “العربية”.
سجون الرقة
يحوي المتحف ملف سجن “الملعب البلدي” في مدينة الرقة السورية، والذي استخدمه “داعش” سجنا أمنيا بين العامين 2013 و2017، وغيّب فيه المئات من الأشخاص، بينهم أبناء الرقة.
وقد عُرف بـ”سجن النقطة 11″ أو “سجن الملعب الأسود”. وكان غالبية المعتقلين فيه ناشطين سياسيين مدنيين، وممن اتهموا بالتخابر ضد التنظيم أو القتال ضدّه. وهناك آخرون اعتُقلوا لمجرد امتلاكهم خطوط إنترنت، أو حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، وفق تقارير صحفية.
كذلك، يضم ملف سجن الملعب البلدي بالرقة على مقابلات مع 11 معتقلا سابقا في السجن، بين العامين 2014 و2016. وقد شبّه أحد السجناء سجن الملعب بـ “غوانتانامو” أو “أبو غريب”، ويؤكّد أن الأيام الـ 15 التي أمضاها فيه بدت كأنها 15 عاما من شدّة التعذيب.
ومنذ عام 2017، بعد خروج التنظيم من مناطق سيطر عليها في سوريا والعراق، دخل فريق مؤلف من نحو 100 من الصحفيين الاستقصائيين والفنانين وصناع الأفلام والمعماريين وخبراء التصميم ثلاثي الأبعاد والقانونيين والمترجمين والمحللين والباحثين، إلى المباني التي تحولت إلى سجون، وكان دافعهم الأساسيّ البحث عن زملاء اختطفهم “داعش” في عام 2013.
وطبقا لـ”العربية”، فقد استطاع المتحف توظيف التقنيات ثلاثية الأبعاد تمكن زوار المتحف من رؤية البيوت التي حولها تنظيم “داعش” إلى سجون يمارس فيها شتى أنواع التعذيب واغتصاب النساء والإعدامات العشوائية.
كما ويسعى المتحف إلى زيادة الوعي العربي والعالمي بجرائم “داعش” بعد 10 سنوات على إقامة “دولته” المزعومة في المنطقة، وإلى المساهمة في تحقيق العدالة والمساءلة، كما يوجّه جهوده لدعم عائلات المفقودين في مساعيهم لمعرفة مصير أحبائهم، وتكريم الضحايا، واحتفاءً بحضارة الموصل العريقة، إضافة إلى سفارة العراق في باريس.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.