مع تصاعد الأحداث في الشرق الأوسط منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، واحتدام الصراعات في المنطقة العربية بمزيد من الحروب بين الجماعات المسلحة المدعومة مباشرة من إيران وإسرائيل من جهة أخرى، أدت هذه التطورات إلى انهيار أذرع إيران، بدءًا من “حماس”، ثم تفتت “حزب الله” في لبنان، وتلاه سقوط الجناح الإيراني في سوريا. أصبح من المرجح بشدة أن نشهد نهاية النفوذ الإيراني في المستقبل القريب في المنطقة العربية. حيث يتم الآن العمل على تحجيم إيران داخل حدودها من خلال سقوط وكلائها وتراجع نفوذها في المناطق التي كانت مصدر قوتها.
على سبيل المثال، نشهد منذ شهور ضربات وغارات جوية متكررة من إسرائيل وأميركا على جماعة “الحوثي” في اليمن، وذلك بعد المحاولات المتكررة من الجماعة لإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه تل أبيب كنوع من الاعتراض على الحرب الدائرة في غزة.
استهداف قيادات “الحوثيين”
أفادت مصادر من الداخل اليمني أن القيادات “الحوثية” العليا أخلت منازلها في صنعاء خوفًا من الاستهداف بالطيران الأميركي أو الإسرائيلي، خاصة بعد الغارة الأميركية المفاجئة التي استهدفت قياديًا حوثيًا في صنعاء. وأوضحت المصادر أن قادة ميليشيا “الحوثي” هربوا من منازلهم وفرّوا إلى خارج العاصمة اليمنية خوفًا من الطيران، مع الإبقاء على الحراسات الفردية فقط.

وأضافت المصادر، أن قادة مليشيا “الحوثي” نقلوا الأشياء الثمينة من منازلهم وسط أنباء عن انتقالهم إلى محافظة صعدة التي تضم كهوفًا وملاجئ محصنة تم بناؤها خلال العقد الماضي، بعد سيطرة الميليشيات الحوثية على السلطة في اليمن.
وأكدت مصادر خاصة أن مرافقي وحراس الميليشيات عادوا إلى منازلهم وقراهم في صنعاء وصعدة وإب، بعد فرار واختباء قيادات حوثية كانوا يعملون معهم خوفًا من الاستهداف بالطيران. في حين تؤكد صحيفة “المشهد اليمني” أن قيادات “الحوثي” استأجرت أجنحة في فنادق العاصمة صنعاء والمدن التي تخضع لسيطرة الميليشيا.
ويعلق صالح أبو عوذل، رئيس مؤسسة “اليوم الثامن” للإعلام والدراسات، في حديثه مع “الحل نت”، قائلًا: “أعتقد أن لجوء القيادات الحوثية إلى الفنادق في صعدة، المعقل، يُظهر بوضوح حالة من القلق والخوف من عمليات اغتيال محتملة تقوم بها إسرائيل، خاصة في ظل تأكيدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أشار إلى أن العملية ضد أذرع إيران بدأت للتو، الخميس، باستهداف مطار صنعاء وميناء الحديدة”.
أبو عوذل، يرى أن قصة الهروب والتخفي التي تقوم بها القيادات الحوثية تعكس إحساسًا متزايدًا بالضعف وانعدام الثقة حتى بين أوساطهم. فمنذ بداية الصراع في غزة واستهداف خطوط الشحن في البحر الأحمر، يتجنبون التحركات العلنية أو التجمعات الكبيرة، ناهيك عن زعيم “الحوثيين” عبد الملك الحوثي، الذي تبنّى منذ عقدين استراتيجية مستوحاة من تجارب قيادات أخرى مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار في غزة، أو حسن نصرالله في لبنان، الذين اعتمدوا أنماطًا مشابهة لحماية أنفسهم من التهديدات الخارجية.
ويضيف أبو عوذل: “إن الهروب صوب صعدة، بطبيعة الحال، باعتبارها المعقل الرئيسي، قد يكون آمنًا من أي اختراقات استخباراتية. لكن، بطبيعة الحال، ستكون جبال وكهوف صعدة عائقًا أمام استهدافهم بسهولة، لكنها ليست حصنًا منيعًا إذا تطورت أساليب الاستخبارات والهجوم”.
انشقاقات واختراقات
أوضحت المصادر الصحفية، أن هذا التحرك جاء في إطار إجراءات احترازية تتخذها الجماعة تحسبًا لأي استهداف إسرائيلي أو أميركي مباشر لها. هذا، وقد أطلق وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تهديدًا شديدًا بشأن استعداد جيشه لشن ضربات قاسية قال إنها ستستهدف الحوثيين في اليمن، مؤكدًا أن إسرائيل ستوجه ضربات مماثلة لتلك التي نفذتها في غزة ولبنان وطهران.

وأصدر جهاز الأمن والمخابرات “الحوثي” قرارًا عملياتيًا قبل أيام، بسحب الأجهزة الهاتفية من كبار قيادات الميليشيات الحوثية خوفًا من تتبعهم واستهدافهم بغارات جوية. وأكدت المصادر أنه تم الإبقاء على خطوط هاتفية محدودة للتواصل مع هذه القيادات، ويتم تغييرها بشكل مستمر، بالإضافة إلى منع خدمة الإنترنت عنها.
هذا، وقد شنت المقاتلات الإسرائيلية من طراز “إف-16” غارات على مناطق مختلفة في صنعاء والحديدة، استهدفت محطات للطاقة وميناءي رأس عيسى والصليف في مدينة الحديدة. ولهذا، رأى بعض المراقبين أن إسرائيل أصبحت بعد تقويضها لقدرات كبيرة لدى “حزب الله” في لبنان، فضلًا عن “حماس”، أكثر استعدادًا وتصميمًا على ضرب “الحوثيين”.
ويؤكد أبو عوذل، أن “الحوثيين” يدركون أن بيئتهم السياسية والعسكرية تجعلهم أهدافًا مثالية لاغتيالات من قبل خصومهم المحليين أو الإقليميين. قد يخشون أن تُستخدم معهم استراتيجيات مشابهة لتلك التي نُفذت ضد قادة بارزين في الشرق الأوسط، من خلال استهدافهم بطائرات مُسيّرة أو صواريخ دقيقة، خاصة في ظل تقدم التكنولوجيا العسكرية. هذا قد يعزز احتمالية وجود عمليات استخباراتية تستهدف قيادات الصف الأول بدقة، مما يجعل التحرك الشخصي والمكوث في أماكن محصنة ضرورة لهم.
يبدو أن إسرائيل، التي لم ترد على هجمات الحوثي لأكثر من عام، كانت تعمل على تحقيق اختراقات في صفوف الجماعة اليمنية، وبدء العمليات فعليًا. الحديث عن بنك أهداف يؤكد وجود الاختراق. حتى “الحوثيون” أعلنوا أكثر من مرة ضبط خلايا تجسس تعمل لصالح إسرائيل، مما يثبت الاختراق، بحسب تصريحات “الحوثيين” أنفسهم.
وأضاف، أن هذا الاختراق يعود إلى بعض الانشقاقات في صفوف الجماعة والخلافات على المكاسب المالية. وقد كان رئيس “الحوثيين” السابق، صالح الصماد، قد لقي حتفه نتيجة خلافات عاصفة داخل هرم القيادة للجماعة المسلحة. فالصراعات الداخلية في صفوف “الحوثيين” قد تعكس حالة من الانقسام والتفكك، مما يضعف قدرتهم على السيطرة ويشير إلى مرحلة جديدة من الاضطراب في مناطق نفوذ الجماعة.
الإجراءات الاحترازية لـ “الحوثي”
وفي ظل الخوف من الاغتيال، تم فيما سبق نقل عبد الملك الحوثي، زعيم ميليشيا “الحوثي”، إلى صعدة، مقره الرئيسي، حيث الكهوف الوعرة التي تعزز من صعوبة الوصول إليه.

كما تم تغيير وسيلة التواصل بينهم عبر دائرة اتصال مغلقة طُوّرت مؤخرًا للتحدث، وتم التخلي عن دائرة اتصالات سابقة. جاء ذلك خوفًا من الاستهداف من قبل إسرائيل، خاصة بعد مقتل قادة مثل إسماعيل هنية، يحيى السنوار، وحسن نصرالله وغيرهم في غارات إسرائيلية. فقد تمكنت الأجهزة الإسرائيلية من اختراق صفوف حزب الله واغتيال بعض قادته.
في هذا الصدد، يعلق الإعلامي اليمني أحمد شبح، المختص بالشأن العسكري والأمني لليمن، في حديثه مع “الحل نت”، قائلًا: “الحوثيون، منذ مطلع العام 2024، اتخذوا سلسلة احترازات أمنية، وأعادوا تحديث نظام اتصالاتهم الداخلية وآليات القيادة والسيطرة. كما فرضوا مزيدًا من القيود على تحركات وأنشطة قادتهم، وأعادوا تعبئة مقارهم ومخازن السلاح والأصول الاستراتيجية، على خلفية انخراطهم في العمليات الإيرانية التي تستهدف الملاحة العالمية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن تحت لافتة نصرة غزة وفلسطين”.
ويضيف شبح: “يخشى الحوثيون مصير حزب الله والجماعات الإيرانية في سوريا وغزة. لكن مخاوفهم اتسعت منذ انخراط أميركا وبريطانيا في هجمات تستهدف قدرات الجماعة منذ يناير الماضي، والتي تهدف إلى ردع استهداف الجماعة للسفن التجارية والعتاد البحري الأميركي. ثم زادت المخاوف أكثر منذ أن بدأت إسرائيل شن هجمات ضدهم ردًا على تبني الجماعة إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية”.
اتجهت الجماعة إلى بناء منشآت محصنة في الجبال الوعرة والبعيدة شمال البلاد، خصوصًا في المحافظات الحدودية مع السعودية، وهي معقل الجماعة. نقلوا إليها قدراتهم الاستراتيجية، وزادوا من إجراءات التخفي وفرض القيود على أنشطتهم، وبنوا ملاذات آمنة لقيادة عملياتهم. كما أعادوا الانكماش داخل الإطار التنظيمي على حساب الواجهات العامة والهياكل الحكومية.
وتابع شبح قائلًا: “استطاعت الجماعة صقل خبرات متراكمة في التخفي منذ نشأتها كحركة متمردة، وخلال عمليات عاصفة الحزم. ومن الطبيعي أن يتم تأمين تحركات قادتها بين صنعاء وصعدة والمناطق الجبلية المجاورة. كما أنهم يختبئون داخل الأحياء السكنية في العاصمة صنعاء والمدن الكبرى. وهذا يمثل عقبة، بلا شك، أمام الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية في العمليات التي تستهدفها”.
وأضاف: “من الطبيعي أن تخشى الجماعة اختراق منظومتها الأمنية، فهذه المنظومة ذات بنية مادية وتنظيمية مستوحاة من الطريقة الإيرانية، ولا تختلف كثيرًا عن منظومات جماعات المحور الإيراني. ولا يُستبعد وجود اختراقات إسرائيلية داخل صفوف الحوثيين. مع أن جماعة الحوثي، سابقًا، لم تكن هدفًا لإسرائيل من ناحية التهديد المباشر، إلا أن إسرائيل تعترف بوجود صعوبة في الحصول على المعلومات حول الحوثيين وتمركز قادتهم. ومع ذلك، بفضل الدعم الأميركي اللوجستي والمعلوماتي والتقني، تستطيع إسرائيل الحصول على ما تريده”.
حتى أن جماعة “الحوثي” قامت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بحملة اعتقالات واسعة داخل صفوف قياداتها، مما دفع عشرات من قادة المليشيات الحوثية إلى الهروب من صنعاء خوفًا من الاعتقال بتهم التجسس والعمالة لصالح إسرائيل.
وأخيرًا، أصبح من الواضح أن القضاء على جماعة “الحوثي” ما هو إلا مسألة وقت، خاصة بعد قيام الجيش الإسرائيلي بقصف المنشآت ذات الأهمية الاستراتيجية للجماعة، مثل مطار صنعاء وميناء الحديدة، التي تمثل شريان الحياة لـ “الحوثيين”، حيث توجد المنشآت النفطية والبنى التحتية كمحطات الكهرباء.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

خطط بريطانية لتعديل العقوبات على دمشق.. وإسرائيل لن تغادر سوريا بدعم من ترامب

إسرائيل تواصل التصعيد في جنوبي سوريا.. عمليات برية وغارات جوية

غارات إسرائيلية على منطقة دير علي بريف دمشق.. ماذا استهدفت؟

أبرزها سوريا.. ترامب يُعلّق المساعدات الخارجية الأميركية فما الأسباب؟
الأكثر قراءة

وعود حكومية بلا تنفيذ.. هل توقفت بوادر حلول الأزمات السورية؟

وزير النقل السوري يتحدث عن آليات جديدة لتسعير السيارات.. ماذا قال؟

وزير الداخلية السوري: التعاون مع روسيا يخدم دمشق

وزارة الداخلية دفعت محمد الشعار إلى تسليم نفسه.. ماذا قالت؟

وثّقَ تعذيب السوريين بسجون الأسد.. تفاصيل جديدة عن “قيصر”

واشنطن تتحدث عن سحب قواتها من سوريا.. و”قسد” تؤكد عدم تلقيها خططا رسمية
المزيد من مقالات حول في العمق

هل أعاد الشرع تحالف دمشق مع روسيا لضبط الساحل السوري؟

الجزيرة السورية.. ثروة زراعية مهدرة في ظل عقود من التهميش

عن ضرورة انفكاك دمشق عن موسكو

الإرث الحضاري بشرق سوريا.. بين تهميش الأسد وتخريب “داعش”

روسيا في سوريا: مصير مجهول وفرص ضعيفة للبقاء

التعليم في شرق سوريا.. عقود من التهميش الممنهج

عودة أم فشل جديد: ماذا وراء التحركات الإيرانية في أوراسيا؟
