ما تزال مسألة تشكيل الجيش السوري وإعادة بنائه مؤسساتيا قائمة منذ سقوط النظام المخلوع، حيث تعتبر من أكثر المسائل تعقيدا في ظل وجود فصائل عسكرية على امتداد الجغرافيا السورية، مختلفة التوجهات والمرجعيات، وهو ما يعد تحديا بحد ذاته. لكن الوصول إلى حل يرضي جميع الفصائل ليس مهمة سهلة على الإطلاق.
هذه المهمة هي من أكثر المهام صعوبة التي تواجه الإدارة الجديدة، إذ إن إنهاءها يعتبر بمثابة حجر الأساس للاستقرار في البلاد من خلال حصر السلاح والقوة بيد الدولة وحدها وفرض الأمن في الأراضي السورية، لذلك يسعى القائد الفعلي المؤقت، أحمد الشرع، إلى وضع ثقله في هذا الملف وإغلاقه بأسرع وقت.
وتحظى الإدارة السورية الجديدة بتوافق عربي وإقليمي والعديد من الدول الفاعلة في الشأن السوري، وهي تدفع باتجاه تشكيل الجيش السوري، الذي يعتبر نواة بناء الدولة واكتساب الشرعية الداخلية والخارجية، لكن إلى الآن لم تحقق وزارة الدفاع السورية تقدماً ملموسا في هذا الشأن، على الرغم من مواصلة الاجتماعات مع قادات الفصائل ومحاولات تقريب وجهات النظر، وهو ما يطرح تساؤلات حول القدرة الفعلية على إنهاء حالة الانقسام والفصائلية والانضواء تحت مظلة واحدة.
الفصائل وتوزعها
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وتحولها فيما بعد إلى ثورة مسلحة، تشكلت مئات الفصائل العسكرية على امتداد الجغرافيا السورية، من الجنوب إلى الشمال، بينما انشق آلاف العناصر والضباط وصف الضباط عن جيش النظام، خاصة في السنوات الأولى، قلة منهم بقوا في الداخل في حين لجأ الأكثرية إلى دول الجوار.

هذه الفصائل تشكلت بناء على المناطقية والأيديولوجية ومن دون مرجعية عسكرية، وهذا يعود إلى الظروف التي كانت تحكم هذه الفصائل في ذلك الوقت، وعدم القدرة على التنقل بين المناطق والمحافظات، في حين تعرض معظمها إلى التهجير إلى الشمال السوري، كفصائل ريف دمشق ودرعا.
وخلال المرحلة الحالية يعتبر “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة من أكثر الفصائل العسكرية تعدادا، إذ يصل إلى نحو 100 ألف مقاتل، حيث يسيطر على ريفي حلب الشمالي والشرقي وهو متوافق مع الإدارة في دمشق إلى حد كبير، بحسب تصريحات مسؤوليه.
أما في إدلب، تعتبر “هيئة تحرير الشام” من أقوى الفصائل وهي التي قادت معركة الإطاحة بالنظام المخلوع، وتتكون من نحو 20 ألف مقاتل بينهم أجانب، وكانت تسيطر على “المحرر” من إدلب إلى جانب بعض فصائل “الجيش السوري الحر”، أبرزها “جيش العزة”.
وفي درعا، تتواجد عدة فصائل عسكرية ضمن “غرفة عمليات الجنوب” وهي التي دخلت العاصمة دمشق في الساعات الأولى لسقوط النظام السابق، إذ يعد “الفيلق الثامن” من أبرزها ويقوده أحمد العودة، والذي يفاوض للانضواء ككتلة واحد تحت مظلة وزارة الدفاع، إلى جانب “تجمع أحرار حوران” والذي يتفق مع إدارة دمشق.
بينما يوجد فصيلان في محافظة السويداء، “لواء الجبل” و”قوات شيخ الكرامة”، وأبديا موافقة لحل نفسهما والدخول إلى الجيش السوري.
ويتواجد “جيش سوريا الحرة” في منطقة التنف، مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية المعروفة بـ “55”، وهو مدعوم أميركياً وكان يتولى ملاحقة تنظيم “داعش”، وأعرب عن موافقته على الاندماج.
هذه الفصائل العسكرية المذكورة أعلاه بقيت في حالة انقسام داخلي، حتى وإن جرى العمل على جمعها ضمن مسميات لفصائل عسكرية أكبر وهو ما يزيد من صعوبة التوصل إلى توافق معها من قبل وزارة الدفاع.
إلى جانب تلك الفصائل، تتواجد “قوات سوريا الديمقراطية” في شمال شرقي سوريا، وتتكون من مقاتلين عرب وأكراد، وتحظى بدعم من قوات التحالف الدولي وتتولى مهمة محاربة تنظيم “داعش”، لكنها ترغب بالدخول ككتلة واحدة ضمن الجيش السوري.
تحديات وعوائق
يعد إعادة بناء المؤسسة العسكرية السورية من أكثر أولويات القيادة السياسية الجديدة وأكثرها صعوبة، إذ يضع أحمد الشرع كل ثقله في هذا الاتجاه، في سبيل إنهاء هذا الملف الصعب والأكثر تعقيدا، بحيث يتم إنهاء حالة الفصائلية في البلاد والالتفات إلى ملفات أخرى، لا تقل أهمية.

لكن الشرع، وفق المعطيات، لم يحقق أي تقدم ملموس على أرض الواقع، بينما تواصل وزارة الدفاع عقد سلسلة اجتماعات مع قادة الفصائل ومحاولة حل الخلافات والوصول إلى توافق معها. إذ إن نقاط الاختلاف والتحديات تختلف من فصيل إلى آخر، بناء على الأيديولوجيا والدعم الخارجي والأبعاد القومية والمناطقية والطائفية، ناهيك عن الحديث عن بعض المكاسب لدى بعض الفصائل.
تتمثل عملية تشكيل الجيش السوري الجديد، بحل الفصائل العسكرية وتسليم السلاح والانتقال إلى مرحلة الاندماج ضمن صفوف الجيش كأفراد والخضوع لدورات عسكرية. وهو الأمر الذي ترفض الفصائل الدخول فيه، إذ إن ذلك يعني أن قادة الفصائل سيفقدون مصدر قوتهم بعد حل الفصائل وتسليم السلاح.
“هناك مشاكل تواجه هذه الخطوة، أبرزها تعدد المرجعيات والأيديولوجيات والولاءات لهذه الفصائل، التي يرفض بعضها الانخراط بخطة الدمج مثل اللواء الثامن الذي يقوده أحمد العودة وطلب الانضمام كـ كتلة واحدة، كما طلبت أيضا بعض الفصائل الدرزية الانضمام كوحدة واحدة دون انفصال وهذا الأمر يخلق مشاكل تتعلق بالولاءات وقد تؤدي الى إنشاء جيش هيكله التنظيمي يشابه المليشيات أكثر من الهياكل التنظيمية للجيوش”، بحسب حديث الخبير العسكري والاستراتيجي، الدكتور نضال أبو زيد.
لكن العائق الأكبر أمام الإدارة السورية لا تكمن في الجنوب السوري، إنما في شمال شرقي البلاد، حيث تسيطر “قسد” على مساحات واسعة وترفض إلى الآن دخول “إدارة العمليات العسكرية” وتُصر على دخول ضمن الجيش السوري الجديد كـ كتلة واحدة. بينما من المتوقع أن يكون هناك لقاء جديد يجمع قائد الإدارة السورية أحمد الشرع، بـقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي لمتابعة النقاش.
وقال الشرع في تصريحات إعلامية، مؤخرا، إن القوات الكردية هي الطرف الوحيد الذي لم يلب دعوة الإدارة الجديدة لحصر السلاح بيد السلطة، مضيفا أنه لا يمكن القبول بوجود مجموعات المقاتلين الأجانب في سوريا.
وزارة الدفاع ترفض أي مقترح يمنح الفصائل المسلحة خصوصيات طائفية، دينية، أو مناطقية ضمن هيكلية الجيش الوطني المزمع تشكيله. إذ أعلنت الوزارة مطلع الأسبوع الماضي، عن سلسلة اجتماعات موسعة شملت أكثر من 60 تشكيلاً عسكرياً، بهدف مناقشة انخراط هذه التشكيلات ضمن الهيكلية الجديدة للإدارة العسكرية.
الوزارة أكدت التوصل إلى توافق عام على دمج التشكيلات في إطار الإدارة الجديدة، مشيرة إلى أن الوزير قاد 47 جلسة مكثفة مع قادة وضباط يمثلون مختلف الفصائل العسكرية المنتشرة في الشمال والجنوب والشرق والساحل.
وقال وزير الدفاع، اللواء مرهف أبو قصرة، مؤخراً، إن جميع الفصائل السورية أبدت تفاعلاً إيجابياً تجاه خطة الاندماج والانخراط في وزارة الدفاع، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار الأمني والعسكري في البلاد.
عقيدة الجيش
رغم اللقاءات مع الشرع وأبو قصرة، والحديث عن تشكيل الجيش السوري الجديد وحل الفصائل العسكرية، إلا أنهما لم يتحدثا عن هوية الجيش ومنهجيته، إضافة إلى بنيته وعقيدته القتالية.
وقال الخبير العسكري، نضال أبو زيد، إن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الشكل والعقيدة للجيش الجديد ستختلف عن جيش النظام المخلوع، بحيث تكون أقرب إلى توجهات تركيا، التي تتناغم مع العقيدة القتالية لحلف “الناتو”. بينما أوضح أن العقيدة القتالية لجيش النظام السابق كانت عقيدة شرقية تقوم على الحشد والكتلة النارية الكبيرة.
“تركيا عرضت على دمشق تدريب الجيش الجديد ما يعني أن أنقرة ستساهم في إعادة بناء الجيش السوري ضمن تصورات تركيا وتخدم عمليات ضبط الأمن ومكافحة الإرهاب، من دون الحاجة الى جيش بحجم كبير أو تسليح ضخم”، وفق أبو زيد.
وفيما يتعلق بضباط الاختصاص، مثل الجوية والبحرية والهندسة، يرى أبو زيد أن الشكل الجديد للجيش سيختلف من حيث البنية التنظيمية عن الجيش السابق، بحيث يتشكل من وحدة خفيفة وسريعة تقوم على المحافظة على الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، أكثر من أن يكون جيشا تقليديا يمارس حروبا تقليدية.
لكن شكل الجيش وعقيدته لن تتضح إلا بعد تشكيل الجيش الجديد، إذ قال الوزير أبو قصرة، إن الوزارة تعمل على تحويل جميع الوحدات العسكرية والفصائل المنتشرة على امتداد الأراضي السورية إلى إطار تنظيمي موحد تحت مظلة وزارة الدفاع.
وأشار الوزير إلى أن وزارة الدفاع تعتمد منهجية مؤسساتية صارمة، تضمن هيكلية واضحة وقوانين تنظيمية ملزمة للجميع، بما في ذلك وزير الدفاع نفسه، مضيفاً: “الجميع، دون استثناء، يجب أن يخضع للهيكلية والنظام الداخلي للوزارة، ولا مكان لأي فصيل يحتفظ بكيانه الخاص داخل المؤسسة العسكرية”.
وشدد على أهمية الالتزام بمنهجية واضحة في عملية دمج الفصائل، مع ضمان أن تسهم هذه الخطوة في تحقيق المصلحة الوطنية وبناء جيش موحد وقوي قادر على مواجهة التحديات الأمنية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

الشرع.. أول رئيس سوري يزور إدلب منذ سبعينيات القرن الماضي

مؤتمر باريس حول سوريا ينتهي دون موافقة أميركية.. ما توجه إدارة ترامب تجاه دمشق؟

هل أعاد الشرع تحالف دمشق مع روسيا لضبط الساحل السوري؟

الشرع يتلقى اتصالاً من بوتين.. والشيباني يزور العراق قريباً
الأكثر قراءة

وعود حكومية بلا تنفيذ.. هل توقفت بوادر حلول الأزمات السورية؟

وزير النقل السوري يتحدث عن آليات جديدة لتسعير السيارات.. ماذا قال؟

وزير الداخلية السوري: التعاون مع روسيا يخدم دمشق

وزارة الداخلية دفعت محمد الشعار إلى تسليم نفسه.. ماذا قالت؟

وثّقَ تعذيب السوريين بسجون الأسد.. تفاصيل جديدة عن “قيصر”

واشنطن تتحدث عن سحب قواتها من سوريا.. و”قسد” تؤكد عدم تلقيها خططا رسمية
المزيد من مقالات حول في العمق

هل أعاد الشرع تحالف دمشق مع روسيا لضبط الساحل السوري؟

الجزيرة السورية.. ثروة زراعية مهدرة في ظل عقود من التهميش

عن ضرورة انفكاك دمشق عن موسكو

الإرث الحضاري بشرق سوريا.. بين تهميش الأسد وتخريب “داعش”

روسيا في سوريا: مصير مجهول وفرص ضعيفة للبقاء

التعليم في شرق سوريا.. عقود من التهميش الممنهج

عودة أم فشل جديد: ماذا وراء التحركات الإيرانية في أوراسيا؟
