تشهد سوريا توسعًا ملحوظًا في استخدام الليرة التركية كعملة رئيسية في التداول والمعاملات اليومية، في ظل أزمة سيولة متزايدة، على الرغم من التحسن الملحوظ في قيمة العملة السورية أمام العملات الأخرى، ما يفرض تحديات على اقتصاد يعتمد بشكل كبير على النقد في التعاملات اليومية.

وفي الوقت الذي يشهد فيه سوق الصرف في سوريا حالة من التخبط وعدم الاستقرار، لوحظ انتشار التعامل بالليرة التركية في سوريا، بعدما كان التعامل بها مقتصراً على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في السابق، لا سيما في مناطق شمالي البلاد. 

أسباب تمدد الليرة التركية في سوريا 

بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، زاد حضور العملة التركية لتصل إلى العاصمة دمشق ومناطق أخرى من البلاد، بدعم من عودة آلاف السوريين إلى بلادهم، وهو ما أدى إلى إغراق الأسواق بالليرة التركية والدولار الأميركى الذين يتم استخدامهما بكثرة في الأسواق. 

ووصل سعر صرف الليرة التركية أمام نظيرتها السورية، اليوم الأحد، 269 ليرة تركية لكل ليرة سورية، بينما وصل سعر صرف الدولار 10,000 ليرة سورية للدولار الواحد، بحسب موقع “الليرة اليوم“. 

وشهدت العملة السورية انهيارًا قبل أن تتحسن عقب سقوط نظام الأسد،  وفقدت قيمتها أمام العملات الأجنبية بسبب تضخم تجاوز 300 بالمئة، خلال السنوات الأخيرة، وفق تقديرات دولية. 

 ويعزو هذا التحول بالتوسع في استخدام العملة التركية في الداخل السوري، أيضًا إلى تحويلات المغتربين، حيث يُحوِّل العمال السوريون في تركيا جزءًا من رواتبهم التي تتراوح بين 400 و2500 ليرة تركية شهرياً إلى عائلاتهم داخل سوريا. 

انتشار بالمعاملات اليومية 

تُضخ الليرة التركية عبر 11 مركز بريد تركيًّا منتشرًا في مدن شمالية منها: جرابلس، الباب، عفرين، أعزاز، الراعي، مارع، بزاعة، قباسين، جنديرس، تل أبيض، رأس العين، حيث تتولى الجهات التركية دفع رواتب الموظفين في المناطق التي كانت تُدار سابقاً بواسطة المعارضة. 

ارتفعت قيمة الكتلة المالية التي تضخ من تركيا إلى سوريا نظرًا لارتفاع الرواتب، إذ إن أقل راتب في الحكومة يبلغ ما يعادل 240 دولارًا بالليرة التركية، بينما تتراوح قيمة الرواتب بين ما يعادل 350 و400 دولار في المتوسط، وتصل إلى نحو 1400 دولار للعاملين في المنظمات. 

وباتت الليرة التركية تُستخدم بشكل واسع في المعاملات اليومية، بدءاً من دفع أجور العمال وصولًا إلى شراء السلع الأساسية، ففي محافظة إدلب (شمال)، يتقاضى العاملون في قطاع البناء ما بين 50 إلى 100 ليرة تركية يوميًا، مقابل 10 ساعات عمل، وهو ما يعادل نحو 15 ألف ليرة سورية. 

بينما في دمشق، تشهد محلات الصرافة إقبالاً متزايداً على استبدال الليرة التركية، خاصةً من قِبل العائلات التي تعتمد على تحويلات أبنائها العاملين في تركيا، سواء في القطاعات الرسمية أو غير النظامية. 

تداعيات خطيرة

من جهته حذر الخبير الاقتصادي، جورج خزام، من تداعيات خطيرة لانتشار العملة التركية، واصفًا الاعتماد عليها للتداول في سوريا بأنه استعمارًا اقتصاديًا و”تتريك” للأسواق، يهدف إلى ذوبان الاقتصاد السوري الضعيف بالاقتصاد التركي القوي. 

وشدد خزام، خلال منشور له بموقع التواصل “فيسبوك” بأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال تداول الليرة التركية كبديل للتعويض عن نقص السيولة بالليرة السورية. 

وأوضح أن تداول الليرة التركية في حال تقديمها على شكل قروض أو إعانات، يعني إحلال الليرة التركية بدلاً من الليرة السورية تماماً كما حصل بإحلال البضاعة التركية والأجنبية بدلاً من البضاعة الوطنية، وهو ما نتج عنه توقف المصانع وزيادة البطالة. 

وتتزايد المخاوف من تأثير التعامل بعملة غير المحلية على السوريين وما يعرف بـ”التضخم المستورد”، خاصة وأن استخدام عملة بلد آخر يعني انتقال مشاكل ذلك البلد الاقتصادية إلى سوريا، وأن الاقتصاد التركي يتعرض للتضخم والليرة التركية ليست قوية بما يكفي، مما يجعل التعامل بها بمثابة استيراد للتضخم. 

مؤامرة تجفيف السيولة

كما يعد تفاوت الأسعار من أبرز المخاطر بسبب تعدد العملات المتداولة (الليرة السورية، التركية، والدولار)، ما يعقّد عمليات التسعير ويُربك الأسواق. 

“تتريك” الأسواق بإستبدال الليرة السورية بالليرة التركية يهدد بأكبر كارثة مالية واقتصادية سوف تصيب الاقتصاد والشعب السوري، مشددًا على ضرورة أن تكون أي إعانات مالية في حال الرغبة بتقديمها من الحكومة التركية إلى نظيرتها السورية بالدولار حصرًا. 

الخبير الاقتصادي، جورج خزام

ورأى أن مثل تلك الإعانات تمثل بالأساس تعويضًا عن جزء من الأضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد السوري من غزو البضائع التركية. 

وألمح الخبير الاقتصادي، إلى وجود تعمد من بعض الصرافين المتواجدين في تركيا مع متآمرين معهم في الداخل السوري لتجفيف السيولة بالليرة السورية بغرض إحلال العملة التركية بدلاً، مردفًا: “نحن أمام أكبر مؤامرة على الشعب”. 

واختتم قائلًا إن “تتريك” السوق السوري يعد الخطوة الأولى للقضاء على الليرة السورية وعلى آخر ما تبقى من الصناعة والزراعة والتجارة الوطنية. 

معالجة الأزمة 

تعدد العملات في سوريا أدّى إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية بين المناطق، حيث تتفاوت أسعار السلع بين المحافظات الشمالية (المتعاملة بالليرة التركية) والمناطق الأخرى. 

كما يزيد هذا الوضع من صعوبة إعادة إعمار النظام المصرفي واستعادة ثقة المواطنين، الذين يُفضّلون تخزين مدخراتهم بالعملات الأجنبية أو تحويلها إلى أصول عقارية، خاصة في ظل السياسة النقدية الواضحة من “المصرف المركزي السوري” بتجفيف السيولة. 

إلى ذلك طرحت الأوساط الاقتصادية السورية عدة حلول لمعالجة الأزمة، منها اصدار فئات نقدية سورية كبيرة (مثل 10 آلاف أو 25 ألف ليرة) لتبسيط المعاملات، إضافة إلى تنظيم عمل الصرافين عبر فرض رقابة صارمة على أسعار الصرف. 

هذا بالإضافة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتعزيز الليرة السورية، عبر إصلاحات هيكلية تشمل تحفيز الإنتاج المحلي، وجذب التحويلات عبر القنوات الرسمية، وإعادة هيكلة السياسة النقدية بما يضمن استقرار الأسعار وحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات