في ظل كثرة التقارير التي تتحدث عن إقامة مناطق آمنة في سوريا، يبدو أن الحديث أيضا عن منطقة آمنة جديدة لبنانية في سوريا تستوعب اللاجئين السوريين في لبنان هو شكل جديد من أشكال انتهاك حقوق السوريين وآمالهم، فلم تكن المناطق الآمنة نابعة من رغبة السوريين بقدر ما هي وسيلة لتحكم دول إقليمية في الملف السوري تحت ذريعة حماية أمنهم القومي. فرضية المنطقة الآمنة اللبنانية في سوريا هي ضرب من الخيال كما هو الحال في خطة بيروت لإعادة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها. ففي ظل عدم وجود ضمانات دولية وعدم توفر البيئة المناسبة لعودتهم، فضلا عن احتلال ميليشيا “حزب الله” اللبناني لعديد المناطق الحدودية داخل الأرض السورية وتواجد عناصره أيضا في مختلف المناطق، يجدر بالدول الإقليمية والمجتمع الدولي وضع حد للخطة التعسفية اللبنانية القاضية بإعادة قسرية لـ15 ألف لاجئ سوري شهريا.

هل تطبق الخطة اللبنانية؟

الخطة اللبنانية بحسب ما نشرت تقارير صحفية اطلع عليها موقع “الحل نت” وتابعها مع مراقبين لبنانيين وسوريين، تقضي بإعادة الـ 15 ألف لاجئ بشكل شهري إلى سوريا، حيث تتولاهم حكومة دمشق وتقيم لهم مراكز إيواء خاصة بما يمكن تسميته “منطقة آمنة لبنانية” تعيد العلاقات السياسية والديبلوماسية بين بيروت ودمشق، رغم أن العديد من السوريين في لبنان غادروا بلادهم بسبب الأعمال العسكرية التي رعاها “حزب الله” اللبناني بتوجيه ودعم من “الحرس الثوري” الإيراني، ولعل المناطق الحدودية السورية مع لبنان لا سيما تلك التابعة لمحافظة حمص خير دليل على أبرز أسباب لجوء السوريين إلى لبنان.

محمد حسن، الصحفي والمدير التنفيذي لمركز “وصول” لحقوق الإنسان، قال خلال حديثه لـ”الحل نت”، ” لقد تم بالفعل تشكيل لجنة من عدة وزارات وقد صرح وزير المهجرين، عصام شرف الدين، بنيّة الحكومة اللبنانية إعادة اللاجئين السوريين من لبنان بالتعاون مع الحكومة السورية ومفوضية اللاجئين، إلا أن المفوضية نفت تصريح الوزير يوم أمس الخميس، وقالت إنها ليست جزءا من الخطة الثلاثية”.

وأضاف حسن، أنه لم يصدر بيانات رسمية عن الأمم المتحدة تفيد بأن سوريا أصبحت دولة آمنة وأنها بالفعل تضمن عودة اللاجئين إلى بلادهم، حيث أكدت مفوضية اللاجئين ببيانها يوم أمس على تواصلها بدعوة الحكومة اللبنانية إلى احترام الحق الأساسي لجميع اللاجئين في العودة الطوعية والآمنة والكريمة ومبدأ عدم الإعادة القسرية.

إقرأ:لماذا تصر لبنان على إعادة اللاجئين السوريين؟

الخطة خرق للقانون الدولي

وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، يستعد لزيارة رسمية إلى دمشق في الأسبوع القادم، بتكليف من الحكومة اللبنانية لعرض خطة إعادة اللاجئين على حكومة دمشق، وذلك بعد أن أعلن شرف الدين، يوم الأربعاء الماضي، عن اتصالات مكثفة مع الجانب السوري، لـ”تأمين عودة آمنة وكريمة للنازحين السوريين إلى بلادهم”، مضيفا أن حكومته لمست تجاوبا من حكومة دمشق، بتجهيز مراكز إيواء على قاعدة جغرافية، وهذا يعني تأمين قرية مقابل قرية، أو ضاحية مقابل ضاحية في سوريا.

ويرى محمد حسن، أن أي تحرك من قبل الحكومة اللبنانية، نحو إعادة أي لاجئ من دون منحه الوقت الكافي لتقديم الدفاع عن نفسه والاعتراض على قرار ترحيله وتوضيح أسباب عدم رغبته بالعودة إلى سوريا، ومراجعة القضاء، أوالبحث عن بلد آخر للانتقال إليه إن وُجد، يعد خرقا للقانون الدولي الذي يلتزم به لبنان.

ومن جهة ثانية، فإن الخطة اللبنانية تخالف القانون الدولي واتفاقيات اللجوء، إذ تحاول الالتفاف على اتفاقية اللجوء من خلال ادعاء أن سوريا باتت آمنة لعودة اللاجئين، حيث تم اعتماد مذكرة صادرة عن مفوضية شؤون اللاجئين تنص على أنه “يحق للدول بموجب القانون الدولي طرد الأشخاص الذين يتبين أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية، وأنه من واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها، وينبغي أن تتم العودة بطريقة إنسانية مع احترام كامل لحقوق الإنسان وكرامته”.

ولكن في مقابل ذلك فإن كل التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية الدولية، تقول بأن سوريا لا تزال حتى الآن غير آمنة لعودة اللاجئين، فهناك الكثير من المخاطر التي من الممكن أن يتعرضوا لها، وخاصة الملاحقة والاعتقال والقتل خارج نطاق القانون.

كما أن ما تقوم به الحكومة اللبنانية، يخالف مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي نصت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب، والتي يعتبر لبنان طرفا فيها، وتنص في مادتها الثالثة على أنه “لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توفرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب”.

وكان تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” تحت عنوان “حياة أشبه بالموت”، والذي يتحدث عن عودة اللاجئين السوريين من الأردن ولبنان، والصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2021، إلى أن اللاجئين السوريين الذين عادوا من الأردن ولبنان بين عامي 2017، و2021 “تعرضوا لانتهاكات حقوقية جسيمة واضطهاد من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، مثل التعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والاختفاء القسري”.

وبين التقرير أنه “لا تزال السلامة والأمن في سوريا في طليعة المخاوف بالنسبة إلى اللاجئين عند اتخاذ قرار العودة إلى ديارهم. وحتى الذين يقررون العودة هم غالبا يفعلون ذلك تحت ضغط شديد، وفي الأردن، تسبب الانكماش الاقتصادي وتدابير الإغلاق الصارمة في تقويض سُبل عيش آلاف اللاجئين السوريين، اللاجئون الذين يقررون العودة إلى سوريا، ليس لديهم في الغالب سوى معلومات محدودة عن الأوضاع داخل البلاد”.

قد يهمك:لبنان تُهدد وتركيا تتوعد.. ما الذي ينتظر اللاجئين السوريين؟

عودة العلاقات

لبنان يسعى في الآونة الأخيرة، إلى زيادة تطبيع العلاقات مع دمشق، على المستوى السياسي، مستغلا قضية اللاجئين السوريين، وأيضا لتعويم الحكومة السورية بعد استعادتها السيطرة على قسم واسع من الأراضي السورية، وبرز ذلك من خلال زيارات مسؤولين لبنانين إلى دمشق، أبرزهم جبران باسيل أحد مؤيدي حكومة دمشق لعدة مرات بشكل سري، وزيارة وزير المهجرين المقررة الأسبوع القادم، والتي سبقتها زيارات سابقة لنفس الوزير.

الكاتبة السياسية اللبنانية في موقع “إندبندنت عربية”، سوسن مهنا، خلال حديث سابق لموقع “الحل نت”، ترى أن ملف اللاجئين في كل مرة يعاد فتحه، من أجل عودة تطبيع العلاقات مع سوريا، “لكن ليس له أساس دولي أو داخلي”.

وبحسب مراقبين فإنه وفي ظل عدم وجود ضمانات دولية تحفظ حياة العائدين وأمنهم من أي ملاحقة من قبل السلطات السورية، تجدر الإشارة إلى ضرورة مغادرة عناصر “حزب الله” اللبناني للأراضي السورية بدلا من إعادة تفعيل العلاقات السياسية والدبلوماسية وحتى الاقتصادية بين دمشق وبيروت، تحت ذريعة إعادة اللاجئين بشكل قسري وإلى بيئة غير مستقرة لا أمنيا ولا اقتصاديا، فضلا عن استحالة عودتهم إلى مناطقهم الأصلية التي خرجوا منها منذ أعوام.

إقرأ:موجة عنصرية جديدة ضد اللاجئين السوريين في لبنان؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.