إن موضوع الحلوى الطبيعية في سوريا وهي مصطلح شعبي يُقصد به “الفواكة” الطبيعية، قد أصبح محور اهتمام السوريين، وليس فقط لأسباب متعلقة بالذوق والتذوق، بل لأنه يعكس واقعا اجتماعيا معقّدا ويسلط الضوء على تحولات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.

في السابق، كانت الحلوى الطبيعية في سوريا متاحة للجميع؛ ولكن اليوم تشهد هذه الأصناف تحولا كبيرا حيث أصبحت حكرا على الأغنياء، وهذا التحول ليس مجرد تغيير في الأسعار، بل هو تعبير عن تفاقم الفوارق الاقتصادية في المجتمع السوري، ويشير إلى وجود فجوة كبيرة بين الطبقات والمناطق في البلاد، كما يكشف عن تأثير التضخم والنقص على مستوى المعيشة والصحة والتغذية للسوريين.

”اللبناني“ كسر سعر ”الصومالي“

هل تحلم بأن تأكل موزا طازجا ولذيذا في هذه الأيام، إذا كنت كذلك، فأنت بحاجة إلى كنز من النقود لتحقيق هذا الحلم، فالموز أصبح سلعة نادرة وغالية في سوريا، حيث يُباع بأسعار خيالية تفوق قدرة الكثيرين على شرائه، وليس من المتوقع أن تجد الموز في المحال التجارية بسعر رخيص، فهي تحتفظ به كسلعة فاخرة تبيعها بمبالغ طائلة.

بل حتى على البسطات المتنقلة في الشوارع، وبكميات قليلة وبنوعية سيئة، وصل سعره إلى 40 ألف ليرة سورية للكيلو، وهذا السعر يصدم كل من يسمع به، حتى لو لم يكن ينوي الشراء، فالموز كان يُباع بسعر أقل بكثير في السنوات الماضية، حتى في فصل الشتاء الذي ينخفض فيه إنتاجه، لكن الآن أصبح الموز حكرا على الأغنياء، كما هو الحال مع الفواكه المحلية الأخرى، التي شهدت ارتفاعات جنونية في الأسعار، لأسباب غير منطقية، تجعلها خارج متناول العائلات محدودة الدخل.

تذوق الحلوى الطبيعية في سوريا، بات بحاجة إلى معجزة لتحقيق هذا الرغبة، مع ملاحظة أن الارتفاع الجنوني يشمل كل الخُضر والفواكه بما فيها المحلية، فبحسب حديث مدير التسعير في مديرية التجارة الداخلية، ممدوح ميسر، فإن الموز بات المنتج الصعب، حيث وصل سعره إلى 60 ألف ليرة سورية، كونه يدخل بكميات قليلة بشكل نظامي نظرا لمنع استيراده هذه الفترة.

ميسر الذي نقل تصريحاته موقع “غلوبال نيوز” أمس الخميس، أوضح أن المصدر الوحيد لهذه الفاكهة من الصومال، لكن مع دخول الموز اللبناني، الذي تعتمد عليه الأسواق المحلية انخفض السعر إلى حدود 37 – 40 ألف ليرة، بالتالي عند توريد كميات أكبر وطرحها في السوق كما هو متوقع سينخفض سعره وينكسر سعر الصومالي، الذي يفضله بعض الناس كنوع من الفانتازيا، مع أن الطعم ذاته.

من أكل شعبي إلى رفاهية الأغنياء

من المعلوم أن الفواكه هي من أهم الأغذية الطبيعية التي تمدّ الجسم بالفيتامينات والمعادن والألياف والسكريات الصحية، وتساعد على تعزيز المناعة والوقاية من الأمراض والحفاظ على الصحة والحيوية، وكان السوريون يتمتعون بتنوع وغنى الفواكه المحلية التي تنتجها أراضيهم الخصبة، وكانوا يستهلكونها بكميات كبيرة وبأسعار معقولة، وكانوا يخزنونها في فصل الصيف ليستفيدوا منها في فصل الشتاء.

لكن هذا الوضع تغيّر بشكل جذري في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الفواكه سلعة نادرة وغالية في سوريا، وخرجت من متناول الغالبية العظمى من السوريين، وأصبحت حكرا على الأغنياء الذين يستطيعون شرائها بأسعار خيالية.

ميسر تحدث بصراحة أن اختلاف الظروف الاقتصادية عن العام الفائت نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج هو السبب، فكيلو الموز كان يباع العام الماضي بمثل هذه الفترة بـ 15- 20 ألف ليرة، لكن اليوم أثر ارتفاع سعر المحروقات وخاصة المازوت والبنزين بشكل كبير على أسعار الموز، كحال الفواكه والخضر المحلية، حيث ارتفعت تكاليف الإنتاج والتشغيل وأجور النقل والشحن بين المحافظات وسوق الهال ومحال المفرق، وإيجارات المحال ورواتب العمال وغيرها، إذ تضاف كل هذه التكاليف إلى سعر المادة، التي يتحمل تبعتها في النهاية للأسف المستهلك.

خلال السنوات الماضية، كان هناك إقبال على زراعة عدة أنواع من الفواكه، وذلك بسبب العائد الجيدة التي تعود بها على المزارع، مقارنة بزراعة الخضار والفواكه المحلية، إذ إن ارتفاع تكاليف الزراعة، جعلت من المزارع غالبا الطرف الخاسر، في ظل غياب الدعم الحكومي لعمليات الإنتاج.

تقرير لموقع “بي تو بي” المحلي، أكد أن الفواكه الاستوائية أصبحت منتشرة بشكل واسع في الأسواق السورية، ومعظم زبائنها من الطبقة الغنية، حيث أن متوسط سعرها يصل إلى 150 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، وتتوفر في معظم متاجر بيع الخضار والفواكه.

الحكومة تقتل الحلوى الطبيعية في سوريا؟

الفواكه أو الحلوى الطبيعية سجّلت مؤخرا أسعار مرتفعة متأثرة بانهيار قيمة العملة المحلية، حيث بلغ سعر كيلو العنب نخب أول 10 آلاف ليرة سورية، والنخب المقبول المتوسط مبلغ 8 آلاف للكيلو الواحد، أما التين سعر الكيلو الواحد منه بلغ 12 ألف، والإجاص والدراق 8 آلاف، أما الخوخ 4 آلاف.

حول العوامل التي أثّرت بشكل كبير على أسعار الخضار والفواكه، بيّن عضو لجنة تجار ومصدّري الخُضر والفواكه بدمشق موفق الطيار، أن ارتفاع أجور النقل بعد صدور قرار رفع أسعار المحروقات كان من أبرز العوامل التي ساهمت بارتفاع أسعار الخُضر والفواكه في السوق مؤخرا.

أيضا اتهم بعض الخبراء الزراعيين الحكومة السورية باتباع سياسة تسعير خاطئة للخضار والفواكه، تضرّ بالمنتجين والمستهلكين على حدّ سواء، وتشجّع على التهريب والتخزين والاحتكار، وتفتح المجال للمستوردين والوسطاء والمضاربين للتلاعب بالأسعار.

الطيار بدوره أكد انخفاض معدلات استهلاك الفواكه هذا الموسم في سوريا بشكل كبير نتيجة ارتفاع الأسعار، حيث انخفض الاستهلاك بنسبة 50 بالمئة مقارنة بالموسم الماضي، فضلا عن انخفاض حركة مبيعها بشكل واضح في السوق، حسب قوله.

يبدو أن زيادة الرواتب والأجور كانت بمثابة قنبلة فجّرت أسعار السلع والخدمات خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ إن الزيادة بنسبة مئة بالمئة على الرواتب، كانت انعكاساتها مضاعفة على الأسواق، حيث شهدت معظم السلع ارتفاعا وصل إلى 200 و300 بالمئة، فضلا عن القرارات الحكومية الخاصة برفع الدعم عن بعض المواد الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات