بعد أن طالب المرشد الإيراني علي خامنئي رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية خلال لقائهما في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بإسكات الأصوات التي تطالب إيران و”حزب الله” بالتدخل في الحرب ضد إسرائيل، مؤكدا أن طهران لن تدخل الحرب نيابة عن “حماس”، تعهد هنية بانتصار “حماس” على الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وهو ما اعتبره محللون “ضحكا على اللحى”.

كلمة هنية جاءت عبر شريط مصور تم بثه على التلفزيون، حيث قال من العاصمة القطرية الدوحة، حيث يقيم فيها، أن “الشعب الفلسطيني وحده له الحق في تقرير مستقبل قطاع غزة وكل فلسطين”، مدعيا أن “المقاومة” في غزة مستعدة لحرب طويلة مع الجيش الإسرائيلي.

حماس وأكذوبة “المقاومة”

نحو ذلك، اعتبر هنية في كلمته المتلفزة، الخميس، أن حركة “حماس” تخوض “صراعا استراتيجيا” مع إسرائيل، قائلا “إن أرادها العدو معركة طويلة فنحن نفسنا أطول”، مشيدا بصمود الشعب الفلسطيني وتضافر جهود فصائل “المقاومة” من أجل تشتيت قدرات الجيش الإسرائيلي وإضعافه على جبهات متعددة.

كتائب عز الدين القسام- “إنترنت”

وتطرق هنية إلى “الانتصارات التي تحققها عناصر المقاومة على الأرض في قطاع غزة”، وهو ما يبدو حديثا تعبوي، بعيدا كل البعد عن برهانات الواقع، مضيفا: “أبطال المقاومة يسطرون على أرض غزة صفحات مجد عزَّ نظيرها في البطولة والشجاعة والإقدام ويوجهون ضرباتهم الموجعة لجيش عدونا ولآلياته”.

وزاد بالقول “سوف يرى العالم كتائب القسام وفصائل المقاومة وهي تدحر الإسرائيليين، من قطاع غزة كما دحر قبل 18 عاما ولن يحصد إلا المزيد من الفشل والخيبة والانكسار”، وفق ما نقلته وسائل الإعلام.

لا يختلف خطاب هنية عن خطاب زعم “حزب الله” حسن نصر الله، الأخير الذي اعتبر أن ما يحدث من “المقاومة” على الحدود الجنوبية للبنان ذات أهميةٍ وتأثير حتى “وإن رآه البعض متواضعا”. وأوضح أن “جبهة لبنان استطاعت جذب ثلث الجيش الإسرائيلي إلى الحدود مع لبنان، وجزء من هذه القوات قوات نخبة ونظامية، وأن نصف القوات البحرية الآن موجودة في البحر المتوسط قبالتنا وقبالة حيفا، وأن ربع القوات الجوية مسخّرة تجاهنا، وكذلك قرب النصف من الدفاع الجوي”.

لذا، يبدو أن القرار هو إيراني بحت، وهو بقاء بيئة “حزب الله” في حالة تعبئة وشحن وتجييش، لكن تبقى الدائرة دون اتساعٍ وتفلّت يؤدي إلى تفلّت الأوضاع، وتآكل وكلاء الملالي في المنطقة، الذين يلعبون أدوارا استراتيجية لصالح أجندات طهران.

ومن ثم الحقيقة تكشف عن مبدأ لاعب واحد في الساحات ممثل في القوى الولائية وتغييب الآخرين أو بالأحرى منحهم فرصة التواجد بهدف الإضعاف لحساب تقوية الطرف الأول. حيث إن “حماس” و”كتائب عز الدين القسام” وغيرها من الفصائل المسلحة تحديدا السُّنية ستلقى مصيرها ميدانيا في المعركة من دون الدعم الإيراني الذي أعلنه علانية.

ويبدو أن الحرب بالنسبة لطهران وميليشياتها، ليست سوى عملية تحريك لخلق آلية جديدة لتراكم مكاسب استراتيجية في عدة ملفات عاجلة مثل ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع إسرائيل، وتخفيف الضغوط عن إيران في ما يخصّ الملف النووي والعقوبات.

ربما لا تهدف إيران إلى تصفية “حماس” والقوى السنية التي لها أدوار وازنة ووظيفية في حساباتها، لكنها لا تمانع في وضعها تحت وطأة الضغوط وربما المساهمة بتوريطها أكثر فأكثر (تماما مثلما تغض روسيا الطرف عن استهداف المواقع الإيرانية في سوريا من قبل إسرائيل) حتى لا تجد ثمة فرصة للمنافسة الجيواستراتيجية وترفع رأسها خارج الطوق الإيراني.

ماذا تريد طهران من “حماس”؟

في المقابل، دعا هنية في خطابه المتلفز، إلى تنفيذ ما صدر من قرارات عن “القمة العربية الإسلامية” التي عقدت في الرياض مطلع الأسبوع الحالي، خاصة “المتعلقة بوقف العدوان وكسر الحصار فورا عن قطاع غزة وحماية المقدسات”.

“حماس” التي تقاتل بمفردها في غزة، تبدو الآن محبطة من عدم دعم ما يعرف بـ”محور المقاومة”، كما ظهر هذا الإحباط في التصريحات العلنية الأخيرة لقادة “حماس” بشكل متزايد بعد إدراكهم بعدم تدخل إيران أو “حزب الله” في المعركة.

هذا وكانت “القمة العربية الإسلامية” التي عقدت السبت الماضي، قررت كسر الحصار المفروض على غزة، وفرض إدخال مساعدات إنسانية تشمل الوقود للقطاع على الفور، و”أدانت أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من شمال إلى جنوب غزة أو خارج القطاع والضفة الغربية والقدس”.

وزار هنية مع وفد فلسطيني القاهرة الأسبوع الماضي لبحث العديد من الملفات من بينها ملف الرهائن ووقف إطلاق النار. بينما تلعب قطر التي تستضيف قادة من “حماس” دورا في الوساطة بهدف تحرير الرهائن لدى الحركة مقابل هدنة إنسانية. وفي هذا الشأن، قال هنية، إن “إسرائيل لن تستعيد أسراها إلا بدفع الثمن الذي تحدده حماس”.

ويبدو أن حركة “حماس” التي تقاتل بمفردها في غزة، تبدو الآن محبطة من عدم دعم ما يعرف بـ”محور المقاومة”، كما ظهر الإحباط في التصريحات العلنية الأخيرة لقادة “حماس” بشكل متزايد بعد إدراكهم بعدم تدخل إيران أو “حزب الله” بشكل مباشر في المواجهة مع إسرائيل، ومن بينهم خالد مشعل، الذي شكر “حزب الله” في مقابلة تلفزيونية يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، قائلا: “حزب الله اتخذ خطوات مشكورة، لكن تقييمي هو أن المعركة تتطلب المزيد، وما يحدث لا بأس به، لكنه ليس كافيا”.

رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية في خطابه المتلفز- “العربية”

وبعد أن كشف ثلاثة مسؤولين كبار  لـ”رويترز”، عن أن خامنئي أخبر إسماعيل هنية جهارا، أن إيران – التي تدعم “حماس” منذ فترة طويلة – ستواصل تقديم دعمها السياسي والمعنوي للحركة لكن دون التدخل بشكل مباشر، فإن “حماس” باتت تدرك جيدا أنها في مأزق وأصبحت منخرطة رغما عنها في خارطة أجندات إيران.

لذا يمكن القول إن طهران، بعد إعلانها الواضح والصريح بعدم التدخل إلى جانب “حماس” في حربها مع إسرائيل بغزة، (وهي معركة أفعلته طهران أساسا)، تسعى إلى استنزاف “حماس” إلى حد التهلكة في ساحة المعركة، وبالتالي جعل هذا الكيان الذي يمكن تمرير عدة مصالح وصفقات من خلاله بالدرجة كذلك التي تجعل إيران تملك الورقة الفلسطينية كلاعب إقليمي ضمن آخرين ويمكّنها من تحقيق مصالحها بالضغوط والابتزاز كما هي العادة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات