محمد حبش

الأنظار تتجه صوب أبها في #السعودية، حيث اتفق الكبار جميعاً على اعتبارها طائف المسألة السورية، ولم يحصل في تاريخ الأزمة أن اتفق الروس والأمريكيون والأتراك والإيرانيون على العهدة بدور كهذا لأي مدينة عربية.

 

الجميع يتطلع إلى المدينة السعودية الراقدة على سفوح جبال السروات على ارتفاع ألفي متر عن سطح البحر، التي تشبه ريف #سوريا الجميل من حيث هواؤها وماؤها وأشجارها وظلالها، تبعد عن #دمشق نحو ألفي كم، ولكنها تقع في منطقة قيادة العمليات لعاصفة الجنوب التي تقود تحالفاً عربياً عسكرياً فعالاً، كما أنها تقع على بعد 100 كم فقط من مراكز قيادة الحوثيين في جبال صعدة على تخوم السعودية.

لا تنتهي إيحاءات المدينة الهادئة التي تشبه مصايف الشام في #الزبداني ووادي بردى إلى حد كبير، وتشهد فعاليات ونشاطات سياحية كثيرة لا تشبه في شيء كآبة الصرامة السائدة في المملكة المحكومة بسلطان هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن الآخر… وبعيداً عن شغف الوصف الجغرافي والسياحي، فالمدينة اليوم صارت آخر محطات السوري التائه، ويراد لها أن تكون أول محطات إيابه وعودته.

اللقاء في أبها يتم تحت عنوان توفير وفد مفاوض يتحدث باسم السوريين، وهو هدف ينبغي أن يكون معقولاً وممكناً خاصة بعد اجتماع الدول المعنية في #فيينا، أعقبه تراجع ملحوظ لدور العسكر وتقدم لدور السياسي، وإصرار دولي على دعم الفريق السياسي ليتمكن من توحيد العسكر والتأثير فيهم، وأفرز ذلك نجاحاً معقولاً لسلسلة من تجارب الهدنة ووقف النار في الزبداني والغوطة وعدد من المناطق السورية.

الآمال ضئيلة ولكنها ممكنة في ظل اتفاق الكبار، أما النظام فهو يتجرعها كلقمة الحنظل، فالسعودية هي أسوا قدر يمكن أن يتخيل النظام منها خلاصاً أو نجاة، فهي العاصمة التي أعلنت الحرب على النظام وقامت بإذكاء نار المعارضة ضده ودعمت علانية معارضيه بالمال والسلاح، ومنذ عشر سنين فإن الدبلوماسية الوحيدة السائدة بين النظام السوري والرياض هي دبلوماسية التشاتم والتسفيه والتحقير.

أما أهداف الثورة ومطالبها وغاياتها فقد صار الجميع متفقاً على خيار جنيف واحد وفيينا اثنين، وهو قيام فريق حاكم جديد، يتولى قيادة الجيش والأمن ورفع المظالم ومحاربة الإرهاب،  والجميع متفقون بدون استثناء أن سوريا لا بد أن تذهب نحو نظام جديد لا مكان فيه للذين صنعوا الكارثة أو أداروها بهذا الشكل المأساوي، وبعد خمس سنين خلفوا سوريا نهباً لذئاب الأمم لا مكان فيها لشيء من إرادة السوريين.

وحراك القوى المعارضة اليوم لم يعد في إطار بلورة الحلول ورسم خارطة الطريق ورسم المستقبل السوري فهذه المسائل كلها أصبحت كلها متطابقة متماثلة على صعيد القوى السياسية في سوريا، وبيانات المساواة والمواطنة واحترام حقوق الإنسان صارت ديباجة كل ميثاق سياسي ومن العسير تمييز البيان اليساري عن اليميني عن الإسلامي عن الليبرالي في سوق البيانات والمواثيق والخطب وإعلانات المبادئ.

قناعتي أن كل البيانات متشابهة، وقد تم التعبير عنها بنجاح في بيانات #جنيف وفيينا، أما البيانات الانفعالية والمتطرفة فهي على الرغم من رواجها وشعبيتها ولكنها الأقل حضوراً في سوق التداول السياسي، وهي من طبيعة الخطاب الانفعالي الفالت، وليست طبيعة العمل السياسي الجاد.

وقناعتي أن كل الثوار محترمون، وأن تجار الثورة هم الأقل عدداً في جمهورها المقاوم، وهم مكشوفون مفضوحون لا يراهن عليهم أحد، ومن العسير أن يكون لهم موطئ قدم في لقاءات مصيرية كهذه.

كل الذين وقفوا في وجه هذا النظام الاستبدادي هم شرفاء وأحرار، وعلى الرغم من بعض بثور الشر ولكن الغالب في هذه المقاومة هو التضحية والشراد والعناء، وهم يستحقون دعم السوريين كلهم.

إنها ثقافة لا تحظى بموافقة الانفعاليين من شعبنا المنكوب والذين فقدوا الأمل في كل شيء، واختاروا سياسة الاتجاه المشاكس الاتجاه الذي يطلق رصاصات الفشل على كل عامل من الساعات الأولى التي ينطلق فيها لأداء مهمته، ويرصدون خطأه وعثاره، ويجزمون بفشله وإحباطه وقهره، ويترصدون له في كل مرصد، يهزؤون بالنجاح ويفركون أيديهم بشماتة لدى أول فشل، تماماً كما قال الأول:

ولو ألف بان خلفه هادم كفى…. فكيف ببان خلفه ألف هادم؟؟؟

إنها دعوة للاستنفار في تأييد كل الأصوات التي ستحظى بثقة السوريين في هذا المهرجان العجيب، وأنا على يقين أن مهرجان السعودية لن ينتج فريق الإخلاص والنبل والطهارة والتكنوقراط والخبرة والكفاءة بين السوريين، ومن العسير أن تقدم الديمقراطية في ظروف كهذه مهما كانت شفافة ونبيلة فريق القيادة الحقيقي، فكيف إذا كانت هذه الديمقراطية في صخب الهول السوري وبإشراف دولة لا تزعم أبداً أنها مثال ديمقراطي لأي أحد.

ولكنني اعتقد أن أي فريق سينتجه اللقاء سيكون مناسباً إذا حظي بدعم السوريين الحريصين على وطنهم، فاللقاء سيضع الأطر الضامنة لتحقيق آمال السوريين بعد هذا الشراد اللئيم، وستحظى شروط ومحددات قليلة ودقيقة بتوقيع سائر المشاركين تكون كافية لرسم المسار، وبعد ذلك فلن يكون ضرورياً معرفة اسم من يحمل هذه الراية وانتماءه السياسي والحزبي لأن الهدف واضح والمسار مرسوم، ولكن الذي يحتاجه الفريق المفاوض هو دعم السوريين واحترامهم وتقديرهم وتفهمهم.

المطلوب اليوم من السوريين هو التوحد في اختيار رجالاتهم، والتالي الاستنفار لدعمهم واحترامهم والاصطفاف خلفهم في مهمة التفاوض للانتقال إلى سوريا المختلفة، وبالتالي تأمين نجاحهم في هذه المهمة العصيبة…

لن يكون هذا الفريق ممثلاً للسوريين، ولكنه يفترض أن يكون معبراً عن السوريين، عن آلامهم وآمالهم وطموحاتهم، أو بتعبير أشد مرارة معبراً عن مطالب من تبقى منهم على قيد الحياة!!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.