أثار وجود وزير الدفاع السوري في الأردن كثيراً من الأسئلة والتحليلات والنقاشات. فقد فوجئت الأوساط العربية والأردنية، باللقاء الذي عقده الوزير السوري، العماد “علي أيوب”، مع اللواء “يوسف الحنيطي”، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية. يوم الأحد التاسع عشر من أيلول/سبتمبر، في العاصمة الأردنية عمّان.

ويعتبر تواجد وزير الدفاع السوري في الأردن الأول من نوعه منذ بدء الصراع المسلّح في سوريا عام 2011. وعلى الرغم من الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية. والروابط التاريخية والاجتماعية التي تجمع بين البلدين. فإن هذه الزيارة لم تكن متوقعة. وزاد من غموضها طابع السريّة الذي أضفي عليها. والتحفّظ الكبير في تصريحات الطرفين لوسائل الإعلام.

لكن بعض التطورات التي شهدنا المنطقة في الفترة الأخيرة. سواء المعلومات التي رشحت عن اتصالات ولقاءات سرية بين ممثلي مختلف الدول الفاعلة في المنطقة. أو الأنباء عن مشاريع اقتصادية مشتركة. كانت  كفيلة بإعطاءِ مؤشرات مهمة عن نوعية الزيارة. وطبيعة تواجد وزير الدفاع السوري في الأردن. فما أهم تلك المؤشرات؟ وكيف يمكن قراءة تلك الزيارة المفاجئة؟

 

أهمية تواجد “أيوب” في الأردن

«زيارةٌ بهذا المستوى تعني أن سوريا في طريقها للعودة للحضن العربي عبر الأردن»، كما يرى “منصور المعلا”، الصحفي الأردني المتخصص بالشؤن الأردنية –السورية.

ويؤكد “المعلا”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «أهمية الزيارة تكمن في أن الواجهة الجنوبية لسوريا، وتحديداً درعا، كانت نقطة انطلاق الأحداث في سوريا. وهو ما رتّب أعباءً أمنية واقتصادية على الأردن. فقد عمل الجيش الأردني على حماية الحدود بين البلدين. ووقعت عليه مسؤولية دولية في التصدي للإرهاب والجماعات المسلّحة. ووجود وزير الدفاع السوري في الأردن اليوم يعني بداية انفراج الأوضاع. وإمكانية عودة الاستقرار واستتباب الأمن على جانبي الحدود».

ويعتبر الصحفي الأردني أن حضور وزير الدفاع السوري في الأردن يعني أن «دمشق ستنهض بواجباتها في حماية الحدود. في مقابل المساعدة التي ستقدمها لها عمّان. خصوصاً أن الأردن سيكون الرئة التي تتنفس منها سوريا اقتصادياً. عبر خط الغاز المصري نحو لبنان. الذي سيمرّ بسوريا والأردن. ومشاريع الربط الكهربائي. وكذلك سير خطوط النقل والتجارة بين سوريا ومحيطها العربي» .

 

نقل مخاوف الأردن إلى وزير الدفاع السوري

إلا أن المؤشرات حول عودة نوع من الدفء إلى العلاقات بين البلدين، التي بلغت ذروتها مع حضور وزير الدفاع السوري في الأردن. لا تعني أن عوامل التوتر بين دمشق وعمان قد زالت ببساطة. فبالنسبة للصحفي الأميركي “وليام كريستو”، المتخصص في شؤون المنطقة، كان الهدف الأساسي من السماح بتواجد وزير الدفاع السوري على الأراضي الأردنية هو «نقل مخاوف الأردن بشأن جنوب سوريا. فأولويات عمّان الأمنية ما زالت إبعاد الميلشيات المتحالفة مع إيران، مثل الفرقة الرابعة من القوات النظامية السورية، ‏عن ‏حدودها الشمالية» ‎.‎

ويضيف “كريستو” في حديثه لـ«الحل نت»: «من الواضح أن الملك الأردني عبد الله الثاني خلص إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يرحل. والنظام السياسي في سوريا باقٍ على ما هو عليه. لذا فهو يتطلّع إلى التعامل مع الامر الواقع. والمضي قدماً لتحقيق مصالح الأردن، وسط هذه المعادلة السياسية».

ويختتم حديثه بالقول: «من المعروف أن الأردن لن يتخذ خطوات كبيرة في السياسة الخارجية دون موافقة الولايات المتحدة الأميركية. وقد فهمت الحكومة الأردنية من إشارات واشنطن. مثل إعطائها الضوء الأخضر لنقل الغاز الطبيعي والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا. أن عمّان يمكنها أن تتخذ خطوات صغيرة نحو دمشق، دون تداعيات سلبية. وضمن هذا السياق يمكن قراءة تواجد وزير الدفاع السوري في الأردن» .

ومن المؤكد أن ملفي الاقتصاد والأمن كانا حاضرين في المباحثات، التي أجراها وزير الدفاع السوري في الأردن. وهذا ما ظهر من تسريبات إعلامية. أكدت أن العماد “أيوب” أثار في اجتماعاته مع المسؤولين الأردنيين مسألة خطي الغاز والكهرباء، ‏اللذين سيمران من الأراضي السورية. وربطها بمسألة الدعم غير المعلن، المقدّم من الجانب الأردني إلى مسلحي المعارضة في الجنوب السوري. ووجه طلباً لنظيره الأردني بالكف عن تقديم أي دعم بالسلاح ‏للتنظيمات المعارضة لحكومة دمشق. الأمر الذي قوبل بالموافقة من رئيس هيئة الأركان ‏الأردني.

‏ويبدو أن هذه النقطة مفتاح خارطة الطريق لتطور العلاقات السياسية والأمنية بين البلدين على المدى الطويل.

 

الزيارة وسياسة الامر الواقع

في هذا السياق قال “عمر الرداد”، خبير الأمن الاستراتيجي، لموقع «الحل نت» إن «تواجد وزير الدفاع السوري في الأردن يعطي مؤشراً على العناوين ‏المستقبلية للعلاقة بين عمان ودمشق. وهي عناوين عسكرية وأمنية واقتصادية بالدرجة ‏الأولى. فمنذ عام 2018 تواصلت اللقاءات والاتصالات بين السلطات الأردنية ونظيرتها السورية. على هذه المستويات تحديداً. وهو ما أنتج مناخاً إيجابياً. يؤسس لاتفاقات تبادل تجاري، وانسياب البضائع بين البلدين. ووصل تطور العلاقات إلى حد منح تسهيلات غير مسبوقة في إجراءات السفر لمواطني البلدين. كما أنّه العاهل الأردني عبد الله الثاني وضع الملف السوري على رأس أجندته لدى زيارته إلى واشنطن. مطالباً إدارة بايدن باستثناء بلاده من عقوبات قيصر المفروضة على سوريا».

ويلاحظ “الرداد” أن زيارة عبد الله الثاني لوشنطن تزامنت مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لموسكو. ولقائه بالرئيس الروسي ‏فلاديمير بوتين. معلّقاً على هذا بالقول: «الزيارتان تزامنتا أيضاً مع الحملة التي شنتها القوات النظامية السورية على المسلحين المعارضين في درعا. ولذلك فربما يكون حضور وزير الدفاع السوري في الأردن اليوم تتويجاً لمسيرة طويلة من التنسيق الأمني بين البلدين. برعاية روسية. وضوء أخضر أميركي».

في الخلاصة لم تكن العلاقات بين سوريا والأردن مستقرة حتى قبل اندلاع الأزمة السورية. فهناك تاريخ عميق وطويل من التوتر بين البلدين، منذ استقلالهما عن الاستعمار الأجنبي. إلا أن الأمر الواقع في المنطقة قد يدفع الأردنيين والسوريين إلى إعادة بناء علاقاتهما من جديد. وبدء مرحلة من التعاون الواسع في مختلف الملفات. خاصة مع الحديث عن انسحاب أميركي من المنطقة. وربما هذا ما أدركه المسؤولون الأردنيون عندما سمحوا بتواجد وزير الدفاع السوري في الأردن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.