يبدو أن تطبيع العلاقات السورية الأردنية شهد تسارعاً كبيراً خلال الشهرين الماضيين. ما أثار عدداً كبيراً من الأسئلة بين المراقبين والمحللين السياسيين. إذ لم تنقطع الأنباء طيلة الفترة الماضية، في وسائل الإعلام العربية والدولية، عن اللقاءات والاتصالات بين الجانبين. والتي بات الإعلان عنها يتم دون حرج.
المتابعون للعلاقات بين البلدين يؤكدون أن الاتصالات بين الأردن وسوريا لم تنقطع يوماً منذ بدء الأزمة السورية. إلا أنها كانت تتم بشكل سري. ويغلب عليها الجانب الأمني والعسكري. اليوم يتخذ تطبيع العلاقات شكلاً علنياً. ما يشير إلى بروز عوامل سياسية واقتصادية في العلاقات بين دمشق وعمّان. وعدم اقتصارها على الجوانب الأمنية.
وكانت ذروة التسارع في تطبيع العلاقات السورية الأردنية الاتصال الهاتفي بين الرئيس السوري بشار الأسد والعاهل الأردني عبد الله الثاني . ففي الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الحالي، نشر موقع الديوان الملكي الأردني أن «جلالة الملك عبدالله الثاني تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري بشار الأسد. تناول العلاقات بين البلدين الشقيقين. وسبل تعزيز التعاون بينهما».
قبل ذلك، وفي نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وصل أربعة وزراء سوريين إلى العاصمة الأردنية عمان. لإتمام مجموعة اتفاقيات متعلقة بتمديد خطوط الطاقة من الأردن إلى لبنان عبر سوريا. وفتح المعابر البرية بين البلدين. واستئناف الرحلات الجوية. واتفاقيات متعلّقة بملف المياه. ما يعطي انطباعاً أن تطبيع العلاقات السورية الأردنية يشمل كل الملفات. ويؤسس لعلاقة جديدة بين البلدين.
وبعد لقاء رئيس هيئة الأركان الأردني “يوسف الحنيطي” مع وزير الدفاع السوري “علي أيوب”، في العاصمة الأردنية عمان. أعلن “مازن الفراية”، وزير الداخلية الأردني، إعادة فتح الحدود الأردنية السورية (مركز حدود “جابر”). اعتباراً من صباح الأربعاء، التاسع والعشرين من أيلول/سبتمبر. أمام حركة الشحن والمسافرين. وأوضحت وزارة الداخلية الأردنية في بيان لها أن «هذا القرار يأتي بهدف تنشيط الحركة التجارية والسياحية بين البلدين. مع مراعاة الإجراءات الأمنية والصحية المطلوبة».
ومعلومٌ أن “محمد الرحمون”، وزير الداخلية السورية، كان قد أجرى في السابع والعشرين من تموز/ يوليو 2020، اتصالًا هاتفيًا مع وزير الداخلية الأردني. كان الأول من نوعه على مستوى الوزراء منذ سنوات. واتفق فيه الطرفان على «التنسيق المشترك، لتسهيل عبور شاحنات الترانزيت، وحافلات الركاب بين البلدين». وهو ما اعتبر المؤشر الأول على تطبيع العلاقات السورية الأردنية. الذي يقال إنه جاء بضوء أخضر من الإدارة الأميركية. بقيادة الرئيس جو بايدن.
الاقتصاد واسطة تطبيع العلاقات
“عمر الرداد”، مدير عام “مركز الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية”، يلخص، في حديثه لـ«الحل نت»، الرأي السائد بين المحللين السياسيين: «لا شك بأن هنالك تسارعاً في تطبيع العلاقات السورية الأردنية على أساس عاملين. سياسي واقتصادي. ويبدو أن الملف الاقتصادي يأخذ اليوم حيزاً أكبر من السياسي».
وهذا ما أكدت عليه “فيكتوريا سيلفيا”، الباحثة الأكاديمية الإسبانية المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر، بالقول: «العلاقات بين الأردن وسوريا لم تكن سهلة على الإطلاق، حتى قبل عام 2011. ومع ذلك، وبعد عشر سنوات من الحرب في سوريا، بات الجميع متعباً من الوضع».
وتتابع “سيلفيا” في حديثها لموقع «الحل نت»: «إن استقرار سوريا، وبناء علاقات وديّة مع حكومتها يأتي في مصلحة الأردن. الذي يحتاج أن تكون سوريا مستقرة، من أجل تزويد لبنان بالطاقة عبر أراضيه. ومن الضروري للاقتصاد الأردني استعادة أسواقه في سوريا ولبنان. وبالتالي فإن تطبيع العلاقات السورية الأردنية خطوة ضرورية للأردنيين. انتظروا طويلاً وضعاً دولياً ملائماً لاتخاذها».
وبالحديث عن الاقتصاد لا بد من أخذ رأي الجانب المصري. إذ أن خط الغاز الواصل إلى لبنان عبر سوريا والأردن. مخصص لنقل الغاز المصري أساساً. هنا يؤكد “كريم شفيق”، الصحفي والباحث المصري، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «تطبيع العلاقات الأردنية السورية يحقق المصلحة المصرية بالتأكيد. ويأتي ضمن توجه إقليمي عام لتطبيع العلاقات مع دمشق. في ظل ترتيبات إقليمية جديدة. تستهدف حلحلة بعض الملفات. وخفض التصعيد».
إلى أين سيصل تطبيع العلاقات؟
ولكن ما الدرجة التي يمكن أن يصل إليها تطبيع العلاقات السورية الأردنية؟
“عمر الرداد” يرى أنه «من الواضح أن هذا التسارع في اللقاءات والعلاقات سيذهب بعيداً. وقد يتوّج بلقاءات بين رئيسي حكومتي البلدين. وربما يصل لاحقاً للقاء بين العاهل الأردني والرئيس السوري. لا سيما أن كثيراً من المعطيات تشير الى أن تطبيع العلاقات السورية الأردنية يحظى بغطاء عربي وأميركي. وربما سيكون الأردن البوابة التي ستعود منها دمشق للجامعة العربية والمجتمع الدولي».
لكن الباحث الأردني يستدرك بالقول: «ومع ذلك يبقى السؤال مفتوحاً حول ما يمكن أن تقدمه الحكومة السورية مقابل كل ذلك. هل ستقبل بالابتعاد عن المحور الإيراني، أو إجراء تواصل مباشر مع إسرائيل؟».
ما الذي تريده مصر من تطبيع العلاقات السورية الأردنية؟
“كريم شفيق” يحاول شرح السياسات المصرية تجاه الملف السوري. والمدى الذي يمكن أن تصل إليه في دعم تطبيع العلاقات السورية الأردنية: «الجهود المصرية السياسية تتجه نحو إنهاء الأزمة السورية. وإجهاض المشاريع التي تجري لتقسيم البلاد. من خلال خلق مناطق نفوذ وسيطرة بين الوكلاء المحليين للاعبين الإقليميين والدوليين». حسب تعبيره.
مضيفاً أن «حضور مصر الدبلوماسي. عبر لقاء وزير الخارجية المصري “سامح شكري” ووزير الخارجية السوري “فيصل المقداد” في نيويورك. على هامش جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة. له دلالة كبيرة. وخطوة لها حساباتها الاستراتيجية. ليس فقط لأنه أول لقاء يجمع الطرفين، بعد نحو عقد كامل من قطع العلاقات. منذ تم إعلان تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية. بل أيضاً للأهمية التي تحوزها مصر من عدة نواحٍ جيواستراتيجية. وكذلك علاقاتها التاريخية مع سوريا. مع العلم أن القاهرة لم تقطع يوماً صلاتها الاستخباراتية مع الطرف السوري، لضرورات الأمن الإقليمي. ولذلك فإن تطبيع العلاقات الأردنية السورية يلعب دوراً كبيراً في جهود مصر لاحتواء الملف السوري».
ويختتم المحلل المصري حديثه بالقول: «لدى مصر ملاحظات سياسية كثيرة على أداء حكومة دمشق. وأسلوبها في التعامل مع المحتجين السوريين. لكنها ترفض المآلات التي وصلت إليها سوريا. المتمثلة بظهور تكتلات ميلشياوية تستهدف التقسيم. فالقاهرة حريصة على الوحدة الجغرافية والسياسية، وصيانة الحدود الوطنية لكل الدول العربية. لأسباب تتعلق بأمنها القومي. ولذلك فهي ترى في تطبيع العلاقات السورية الأردنية فرصة لإعادة تأهيل حكومة دمشق على أسس جديدة. مع تهيئة كافة الفرص للسوريين، من مختلف المرجعيات القومية والدينية والإثنية والعرقية، كي يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي».
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.