مازالت قضية التسوية مع دمشق عربياً، وإعادة تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، تثير كثيراً من الأخذ والرد. خاصة بعد تصريحات السفير “عبد الله المعلمي”، المندوب السعودي الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة، في حديثه أمام الجمعية العامة، يوم الخميس السادس عشر من كانون الأول/ ديسمبر، والتي قال فيها: «النظام السوري لم ينتصر، والحرب لم تنته بعد». مضيفاً: «الأسد يقف على هرم من أشلاء شعبه».كما اتهم “المعلمي” حكومة دمشق بـ«الاستعانة بحزب الله اللبناني الإرهابي. لحسم المعركة التي يخوضها ضد السوريين».

وبسرعة أثارت هذه التصريحات موجات متباينة من ردود الفعل. وتكهنات حول مستقبل التسوية مع دمشق. فقد أعجبت تصريحات “المعلمي” المعارضة السورية. ودفعت “سالم المسلط”، رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، إلى الاتصال هاتفياً بـه. لتقديم الشكر على تصريحاته. فيما ردت حكومة دمشق ومناصروها بشيء من الغضب. فقد كتب “عمر رحمون”، عضو “هيئة المصالحة” المقرّب من النظام، تغريدةً على موقع “تويتر”، كال فيها الاتهامات والتهديدات للرياض.

لكن ما الذي دفع “المعلمي” لإطلاق تلك التصريحات، في وقت ظن فيه كثير من المراقبين أن التسوية مع دمشق، وقطار التطبيع مع حكومتها، الذي يقوده الأردن والإمارات، قد أوشك على الوصول إلى محطته الأخيرة في الجزائر، في شهر آذار/مارس ٢٠٢٢. بعد دعوة دمشق للمشاركة في مؤتمر القمة العربية المزمع عقده هناك. فضلاً عن الحديث عن أنها ستستضيف مؤتمر الطاقة للدول العربية المصدّرة للنفط (أوابك) عام 2024؟ وهل يمكن لتصريحات العلمي أن تعرقل مسار التسوية والتطبيع مع حكومة دمشق؟

«لا يجب المبالغة في قراءة التصريحات السعودية حول دمشق»

“عمر الرداد”، المحلل الأمني والاستراتيجي الأردني، يرى، في تعليقه لـ«الحل نت»، أن «تصريحات المندوب السعودي في الأمم المتحدة، رغم حدتها في نقد الحكومة السورية، إلا أنها لن تغيّر من حقيقة قبول السعودية بالأسد وحكومته. ولن توقف مسار التسوية مع دمشق. ويمكن القول إنها تأتي من باب ممارسة الضغط على إيران في هذه المرحلة. لا سيما وأن حضور ممثلي حكومة دمشق في القمة العربية القادمة بالجزائر أصبح بحكم المؤكد».

ويتابع “الرداد”: «الإمارات والأردن تقودان جهداً عربياً باتجاه التسوية مع دمشق، وإعادة تطبيع نظام الأسد. وهذه الجهود لا تتم إلا بموافقة الرياض والقاهرة والجزائر. وفقاً للخطة التي تم تسريبها. ومضمونها إعادة تأهيل حكومة دمشق، التي أبدت مرونة بقبولها مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية، غير البعيدة عن مصادر الطاقة الإسرائيلية، عبر أراضيها. بالتزامن مع إشارات روسية، حول الوجود الإيراني في سوريا، مفادها تنسيق موسكو مع إسرائيل في ضرب الميلشيات الإيرانية».

ويرى الخبير الأردني أنه «لا يمكن المبالغة في تفسير الموقف السعودي، الذي يكاد يتطابق مع الموقف الأمريكي، وجوهره القبول بسلطة الأسد. مع ممارسة ضغوط عليه حول علاقته مع إيران. وفتح ملفات مرتبطة بحقوق الإنسان وجرائم الحرب، بما في ذلك استخدام السلاح الكيماوي».

التهدئة في اليمن لحساب التسوية مع دمشق

وضمن السياق نفسه، استبعد المحلل السياسي اليمني “عبدالكريم الانسي”، مدير “منظمة اليمن أولاً”، توقف التسوية مع دمشق. والتطبيع مع نظامها. معتبراً أن «تصريحات المندوب السعودي في الأمم المتحدة لن تحول دون ذلك».

وأضاف “الانسي” في حديثه لـ«الحل نت»: «من المؤكد أن التصريحات أثّرت على أجواء المصالحة والتطبيع. ولكنها لن توقفهما. وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار تصريحات وزير الخارجية الإيراني “أمير عبد اللهيان” التصالحية مع السعودية، التي أدلى بها للصحفيين على هامش فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يوم الجمعة السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر. عندما وصف الاتصالات التي جرت بين مسؤولين من إيران والسعودية بأنها كانت بنّاءة. وقدّمت إيران فيها اقتراحات ديناميكية بغية إحلال السلام في اليمن».

ويشير المحلل اليمني أيضاً إلى «حديث “عبد اللهيان”، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره العراقي “فؤاد حسين” في طهران، يوم  الخميس الثالث والعشرين من كانون الأول/ديسمبر، والذي أكد فيه مشاركة بلاده في الجولة القادمة من المفاوضات مع السعودية، التي ستنعقد بجهود عراقية. وأن إيران، في الجولة الأخيرة من المفاوضات، قدّمت مجموعة من الاقتراحات العملية للطرف السعودي. ينظر لها السعوديون بإيجابية».

مقالات قد تهمك: مناورة إيرانية مع السعودية.. هل يتصاعد التوتر في المنطقة؟

وحول سبب هذه التصريحات يرى “الانسي” أن «إسرائيل وضعت الجانب الأمريكي بصورة عمق التوغّل الإيراني داخل سوريا. خاصة في مجال المنشآت النووية، ولذلك قامت إسرائيل بضرب ثلاث من تلك المنشآت. كما أن عمق التواجد الإيراني في سوريا يزعج السعودية. ولذلك تحاول إيران تهدئة الأجواء، والتقارب مع السعودية فيما يخص الملف اليمني. علّها تخفف الضغط عليها في سوريا. وكل هذا يصبّ في مصلحة التسوية مع دمشق».

قرار (أوابك) أكثر أهمية من تصريحات “المعلمي”

من جانبه قلّل “سين ماثيو”، الصحفي الأميركي  المتخصص بسوريا والعراق، من شأن تصريحات “المعلمي”. قائلاً إنها «غير جادة. فالكل يتحدّث في الأمم المتحدة. وهذا الأحاديث غير مهمة». حسب تعبيره.

 ويضيف “ماثيو”، في حديثه لـ«الحل نت»، أنها «مجرد أحاديث للضغط على حكومة دمشق لتحقيق مكاسب سياسية. فضلاً عن أنها محاولة من السعودية لتمييز مقاربتها عن الإمارات. دون أن يعني ذلك سعيها لعرقلة التسوية مع دمشق».

مشيراً إلى أن «السعودية لو كانت جادة بهذا الشأن لاتخذت قرارات فعليه على الأرض. مثل التصريح برفض عودة سوريا الى جامعة الدول العربية. أو مقاطعة اجتماع منظمة الدول المصدّرة للبترول (أوابك)، الذي ستستضيفه سوريا عام 2024».

وكانت دول (أوابك) قد أعلنت، يوم الخميس، التاسع من كانون الأول/ ديسمبر، أن دمشق ستستضيف مؤتمر الطاقة العربي في عام 2024. وقالت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية إن «الإعلان جاء بعد موافقة أعضاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك) بالإجماع، خلال اجتماع عقد في الكويت بتقنية الاتصال المرئي، على أن تكون دمشق العاصمة التالية، التي ستستضيف الاجتماع، بعد العاصمة القطرية الدوحة، التي ستستضيفه عام 2023. كما تم الاتفاق أيضاً على أن ترأس سوريا مجلس وزراء منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول لمدة عام، بدءاً من سنة 2022، خلفاً للسعودية، الرئيس الحالي».

ويختتم “ماثيو” حديثه بالقول: «قرار منظمة (أوابك) هذا سيختبر على الأرجح تسامح البيت الأبيض مع شركائه العرب، في تعاملهم مع حكومة الأسد، وسعيهم في سياق التسوية مع دمشق. وهو أكثر تأثيراً ورمزية من مجرد تصريحات نارية لمندوب سعودي في الأمم المتحدة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.