التعليم في محافظة حمص: ماذا تبقى بعد عشر سنوات من الحرب؟

التعليم في محافظة حمص: ماذا تبقى بعد عشر سنوات من الحرب؟

يعاني التعليم في محافظة حمص، بعد عشر سنوات من الحرب السورية، التي قاست منها المحافظة كثيراً، عدداً كبيراً من المشاكل والمعوقات. فبين الطرقات الوعرة، وركام المنازل المهدمة. وعلى أنقاض ما تبقّى من هياكل لمدن وأحياء. يسير طلاب مدينة حمص وريفها، الخاضع لسيطرة الحكومة السورية، كل صباح إلى مدارسهم شبه المدمرة من القصف. أو إلى منازل تعود لمُهجّرين. حوّلها من تبقى من السكان لمدارس من أجل تعليم اطفالهم. فقد حرمت ظروف الصراع طلاب حمص وريفها من ارتياد المدارس الطبيعية. التي تحوّلت إلى أهداف لطيران القوات النظامية. فخرج القسم الأكبر منها عن الخدمة

وبعد أن عرف التعليم في محافظة حمص ازدهاراً قبيل الأزمة السورية. وظهر عدد كبير من المتفوقين فيها. بسبب إقبال الأهالي والطلاب على العلم. توقفت العملية التعليمية في كثير من مناطق المحافظة. وانخفض الاهتمام بالتعليم إلى حدوده الدنيا. ما يجعل مخرجات العملية التعليمية دون المستوى المطلوب.

نداءات استغاثة لأجل التعليم في محافظة حمص

العملية التعليمية لا يمكن أن تستمر دون تأمين مستلزماتها الأساسية. مثل الأبنية المدرسية، التي تحتوي على بنى تحتية كاملة. من أبواب ونوافذ ومقاعد ووسائل تدفئة في فصل الشتاء وغيرها. إضافة إلى توفّر الكادر التدريسي والإداري. والكتب المدرسية بنسخ تكفي الطلاب.

إلا أن التعليم في محافظة حمص يعاني، مثل غيره من القطاعات الحيوية، من اهمال شديد من قبل الحكومة السورية. ويصف كثير من السكان المحليين هذا الاهمال بالمتعمّد. نظراً لخروج ريف حمص سبع سنوات كاملة عن سيطرة القوات النظامية. من عام 2012 وحتى 2018. ما أدى إلى تدمير ممنهج لمدارس الريف، التي أصبحت هدفاً أساسياً لقصف القوات النظامية. فضلاً عن هجرة الكوادر التعليمية المختصة، التي فضّلت النزوح نحو الشمال السوري. أو اللجوء خارج البلاد. فيما تعجز مديريات التربية الحكومية، أو تتقاعس عن  تأمين  الكتب واللوازم الدراسية لما تبقى من مدارس الريف. ما دفع بعدد من المدرّسين لتوجيه نداءات استغاثة لمديرية التربية في محافظة حمص. للقيام بدورها في ضمان استمرار العملية التعليمية

“مصطفى والي”، مدير المدرسة  الثانوية في بلدة “غرناطة” بريف حمص. وجّه نداءً، عبر صفحته الرسمية على موقع “فيس بوك”. طالب فيه مديرية التربية في محافظة حمص بتأمين الكتب والقرطاسية والمحروقات لثانوية القرية. كما طالب بتأمين كوادر تعليمية للمدرسة. مشيراً إلى أنها «تفتقد لمدرّسين في مواد الرياضيات والفيزياء والتاريخ والعلوم. فضلاً عن الموجهين التربويين وغيرهم من الكوادر التعليمية». واضاف أن «مدرسة القرية تحوي سبع عشرة شعبة دراسية. تضم ما مجموعه خمسمئة وخمسين طالباً وطالبة».

«لو اهتمت الحكومة بالتعليم لأمّنت الخبز أولاً»

بدوره يقول الناشط الإعلامي “مهران طه” في إفادته لموقع «الحل نت»: «لو أرادت الحكومة السورية استمرار التعليم في محافظة حمص، وريفها خصوصاً، لاهتمت أولاً بتأمين رغيف الخبز للسكان، الذين فضّلوا البقاء في الريف على النزوح». مؤكداً أن «مئات الأطفال تركوا مقاعد الدراسة. من أجل العمل لإعالة أسرهم. وسكان الريف يعانون أزمة حقيقية في سبيل تأمين قوت يومهم. ما دفع الغالبية العظمى من السكان لعدم الاهتمام بتعليم أطفالهم. فهم منشغلون بتوفير ضرورات الحياة».  

“محمد زراع”، وهو من أهالي ريف حمص، أكد في حديثه لـ«الحل نت» إفادة “طه” بالقول: «أفضّل أن يتعلّم أطفالي مهنة ما، تعينهم في حياتهم مستقبلاً، على إضاعة الوقت في التعليم، الذي لا يطعم خبزاً في الوقت الحالي».  

«من تبقى من الطلاب لا يتعلّم شيئاً»

تمتنع “أم فاضل”، من سكان ريف حمص، عن إرسال ولديها إلى المدرسة منذ ثلاثة اشهر، خوفًا عليهما من فيروس كورونا. لكنها لا تعتبر الخوف من كورونا السبب الرئيسي لعدم إرسالهما إلى المدرسة. بل نقص الخبرات وتراجع مستوى المعلمين أيضاً. بعد أن كان التعليم في محافظة حمص مدعّماً بخبرات عدد من أفضل المدرّسين في البلاد.

 تقول “أم فاضل” لموقع «الحل نت»: «غادر ريف حمص من كانوا يوصفون بأنهم أهمّ المدرسين. إما إلى الشمال السوري أو إلى خارج البلاد. ما ترك مصير أطفال الريف معلقاً بيد أي أحد يرغب بالتدريس، دون النظر إلى مستواه الأكاديمي أو تحصيله العلمي. فالمهم الآن لدى الحكومة السورية أن تبقى أبواب المدارس  مفتوحة. وأن يستمر توافد الطلاب. حتى لو كانوا لا يتعلّمون شيئاً. ويقاسون أسوأ الظروف».

بدورها أكدت “ليليا سمور”، وهي معلمة في إحدى مدارس ريف حمص الشمالي، أن «عدم توفّر مدرّس لمادة ما. أو غياب أحد المدرّسين أو المدرّسات. إضافة لعدم وجود مدرّسين احتياطيين، يدفع إدارات المدارس لدمج طلاب شعبيتين أو أكثر في شعبة واحدة. ليصبح عدد التلاميذ ما بين سبعين إلى ثمانين طالباً. وبالطبع لا يتمكّن المدرّس في هذا الشرط من إعطاء الدروس بكفاءة. ولا يستوعب الطلاب أي شيء، بسبب الاكتظاظ الكبير والفوضى».

وتختتم إفادتها لموقع «الحل نت» بالقول: «بسبب هذه الحالة أغلب المدرّسين لا يعطون دروسهم. ويقضي الطلاب فترة الدوام باللعب واللهو والعراك. ما يجعل التعليم في محافظة حمص في أسوأ أحواله»

التعليم في محافظة حمص أكثر القطاعات التي طالها الدمار

اعتماداً على أرقام غير رسمية فإن التعليم في محافظة حمص يعاني من واقع  مأساوي. وهو  يتراجع يوماً بعد يوم. فعدد طلاب المرحلتين الأساسية والثانوية بريف حمص  يقدّر بنحو أربعين ألف طالباً وطالبة. يحتاجون إلى نحو مئة وعشر مدارس. بينما لا يوجد حالياً إلا حوالي خمس وثلاثين مدرسة. والباقي مدمّر بشكل كلي أو جزئي..

“محمد إبراهيم”، مدرّس من ريف حمص هاجر للشمال السوري، يقول لموقع «الحل نت»: «إذا تتبعنا مسار الحرب السورية سنجد أن القطاع التعليمي من أكثر القطاعات التي طالها الدمار. ما ينذر بكوارث قادمة. فعدد الطلاب المتسرّبين من مرحلة التعليم الأساسي، في بعض قرى ريف حمص الشمالي الشرقي، يتجاوز نصف العدد الكلي للطلاب».

مقالات قد تهمك: الطلاب السوريون في تركيا: هل توجد خيارات سوى التسرّب من المدارس؟

واتهم “إبراهيم” الحكومة السورية بـ«تدمير التعليم في محافظة حمص بشكل ممنهج، عبر استهداف بنيته التحتية، منذ عام 2012، بالقصف المكثّف. واعتقال المعلمين أو قطع رواتبهم».

وهجر معلمو حمص بنسبة كبيرة منهم، حيث قدّر عدد المعلمين، الذين هُجّروا إلى الشمال السوري، بنحو «40%، أما الذين تعرّضوا لإصابة فيبلغون حوالي 10%. فيما تسرّب حوالي 20% من سلك التدريس، ووجدوا لأنفسهم أعمالاً أخرى. وهاجر حوالي 13% إلى تركيا ولبنان والأردن والدول الأوروبية. وهذا ما يجعل التعليم في محافظة حمص بلا مدرّسين عملياً».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.