اعتبر تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية، بأن الفساد المستشري السائد في إقليم “كردستان العراق” لا يترك أمام الشباب أي خيار آخر سوى الفرار من البلاد أو الانتفاض ضد السلالات السياسية القائمة.

فمن الحدود البولندية إلى قناة “المانش” بين فرنسا وانكلترا، يشير تدفق المهاجرين من كردستان العراق إلى أوروبا إلى التفاوتات العميقة التي يعاني منها مجتمعهم الأصلي. وما الأزمة الحالية إلا إحدى آثار الهوّة الموجودة منذ عقود بين الجهات الحاكمة هناك وأغلبية السكان، وهو انقسام لا يطاق لدرجة أن شباب كردستان العراق ليس لديهم خيار آخر سوى الفرار من البلاد أو الانتفاض ضد الجهات السياسية القائمة هناك.

فساد وظلم؟

في مقابل نزوح البعض، نجد تمردا للبعض الآخر جاريا في عدة مدن في كردستان العراق، حيث قمعت السلطات ولا تزال مظاهرات طلابية منذ نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

يشيد رئيس حكومة الإقليم باستمرار باصلاحاته. لكن يتساءل التقرير عن ماهية الإصلاحات في وقت لا يوجد فيه قانون مالي في إقليم كردستان. ويتابع التقرير بأن “مسرور بارزاني يكتفي بتخصيص أموال لمشاريع مختلفة كما يشاء، دون استشارة البرلمان أو حتى وزرائه”.

وفي وقت مبكر من عام 2020، بدأت لجنتان من برلمان إقليم كردستان دراسة الزيادة في عدد المغادرين المتوقع إلى أوروبا بين الشباب والأسر الكردية في العراق. وكان قادة كردستان العراق على علم بالمشكلة قبل أن تصل الأزمة إلى المرحلة الحالية، لكن حكومة بارزاني لم تفعل شيئاً للحد من هذه الظاهرة، بحسب “لوموند”.

بين بارزاني وطالباني؟

يعطي الوضع الحالي لمن هم في السلطة الآن بإقليم كردستان العراق، الفرصة لإلقاء اللوم على خصومهم السياسيين ودعوة المجتمع الدولي مرة أخرى إلى “تشمير سواعده لحل المشاكل التي هم أنفسهم سببها. ومع تصدر أزمة الهجرة الكردية المستمرة على الحدود البولندية البيلاروسية عناوين الصحف الدولية، ظهرت حركة اجتماعية، خاصة بين الطلاب، في إقليم كردستان. فالظاهرتان متلازمتان: إنهما تشكلان صرخة إنذار واحدة موجهة إلى القادة الأكراد”.

ومنذ بداية القرن العشرين وتقسيم الأراضي التي يسكنها الأكراد بشكل أساسي بين دول الشرق الأوسط الأربع، تركيا وسوريا والعراق وإيران، سلك الأكراد مرارا وتكرارا طريق المنفى هربا من الأنظمة الاستبدادية الحاكمة لبلادهم. لكن منذ التسعينيات في كردستان العراق، كانوا يفرون من نفس الأشخاص الذين كان من المفترض أن يكونوا محرري الأمة.

هذا ولا تزال فكرة “الازدهار” الاقتصادي الكردي، الذي يميز المنطقة عن بقية العراق في ظل الفوضى، التي روج لها بعد عام 2003، قائمة. ولكن كانت هذه مجرد تغييرات سطحية، بسبب التدفق المفاجئ للأموال الدولية وتحويل السلطات الجديدة القائمة في بغداد إلى السلطات الكردية 17 بالمئة من إجمالي الميزانية العراقية. وقد تحول الاقتصاد الريعي بالنسبة للسكان، إلى لعنة.

وأخيراً، لا تزال القوات المسلحة وقوات الأمن الكردية، المدعومة من باريس وعواصم غربية أخرى، مستقطبة وفقا لولاءاتها للعائلات الحاكمة. ويتم استخدام هذه القوات الآن لقمع جميع أشكال المعارضة الشعبية. ولا يزال استخدامها لأغراض سياسية يشكل تهديدا كبيرا لأمن واستقرار إقليم كردستان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.