تاريخيا يعتبر شعر المرأة الطويل واللامع دليل على صحتها وبالتالي على خصوبتها وقدرتها على الإنجاب، ولذلك اعتنت النساء بشعورهن وحرصن على تركه طويلاً، لأن ذلك يعني أنهن صغيرات في السن و قادرات على التزاوج والإنجاب؛ هكذا أعادت الباحثة الاجتماعية، رغدة جبري، أهمية شعر المرأة إلى جذورها التاريخية، موضحة لـ “الحل نت” أنه طالما تم اعتبار قص المرأة لشعرها تمردا على المجتمع، لأن ذلك يعني أنها غير مهتمة بالزواج والإنجاب، فكلما ازداد جمال وطول شعر المرأة كلما ازدادت فرصها بالزواج وقصها لشعرها يعني أن تلك الفرص غير مهمة بالنسبة لها.

وتتابع جبري “لأن كثافة الشعر وجماله كانت تحمل دلالات جنسية عند القدماء ارتأت بعض الحضارات القديمة كالحضارة الآشورية إلى ضرورة تغطية شعور النساء الأحرار، وإظهار شعور النساء العبيد كون قدراتهن الجنسية تدخل في تحديد سعرهن في سوق العبيد، ومن ثم أخذت بعض الأديان ذلك التشريع”.

قصصت شعري لأعلن تمردي!

ويبدو أن شعر المرأة مازال إلى اليوم محتفظا بدلالة التمرد على المجتمع، فأغلب النساء تلجأن إلى تغيير قصة أو لون شعورهن للتعبير عن تمردهن.

تحكي الناشطة الحقوقية، بيان ريحان، لـ “الحل نت”، أنها كانت في المرحلة الإعدادية عندما رفضت الزواج التقليدي وأن الأمر أحدث جلبة وتوتر بين أبناء عائلتها، وتتابع “شعرت بالحاجة إلى أن أقص شعري وكأني اعلن لعائلتي أنني متمردة و رافضة للعادات والتقاليد، خاصة أن الأعراف في عائلتي تمنع على الفتاة أن شعرها أو حتى أن تقصره قبل الزواج”.

وتصف ريحان مشاعرها عندما قصت شعرها “أحسست بالاختلاف والقوة، وكأنني كسرت تابو مقدس كان مفروضاً علي”.

وكذلك تحكي المسؤولة في “المبادرة السورية للقضاء على انعدام الجنسية”، كندة عماريان، كيف أعلنت من خلال شعرها عن بداية جديدة في حياتها، قائلة “منذ أربع سنوات عند طلاقي من زوجي الأول كان شعري طويل جداً، وفي أحد الأيام كنت أشعر بالغضب والاختناق قصصت شعري بيدي دون أي تردد”. وتضيف: “كنت مع كل خصلة عم تنقص عم حس وكأنه جبل عم ينزاح من فوقي”.

تقول عماريان أنها لم تندم أبدا على قص شعرها لأن ذلك كان حسب وصفها تفريغا لغضبها، ولأنها أحست بعد ذلك بالكثير من القوة.

كما ربطت الحقوقية، رهادة عبدوش، قص وتلوين شعرها باتخاذها لقرارات جديدة في حياتها، تقول لـ”الحل نت”: “دائما عندما أقرر بداية جديدة أفكر أولاً بالتغيير الذي سأجريه بشعري، وكأن البداية تكون من شعري”.

قد يكون لقص الشعر الطويل عامل نفسي ايجابي، أو تفريغ لجزء من الهم، أو تجديد للمشاعر والانتقال من مشاعر معينة لمشاعر مختلفة، وقد يكون تعبير عن غضب أو مشكلة نفسية تمر بها الفتاة فتتجه لإيذاء نفسها عموما. ومن بين ذلك تدمير الشعر، كثورة ورسالة مفادها أنها قادرة على التخلي عن أهم شيء بالنسبة لها، فتقطيع شعر أخذ منها سنوات من العناية والتمشيط ليس بالأمر الهين فذلك يحتاج إلى شجاعة وجرأة كبيرتان أو لصدمة نفسية تجعل الأنثى خارج نطاق الإدراك بما تفعله.

بعض النساء تقص شعرها انتقاما من نفسها؟

بينما توضح الأخصائية النفسية منى الشمالي، لـ “الحل نت”، أن بعض النساء تلجأ إلى قص شعرها انتقاما من نفسها تماما مثلما قد يلجأ بعض الرجال إلى جرح وتشطيب أنفسهم، مبينة “إننا بعد المرور بتجارب مؤلمة للغاية، قد نحتاج إلى تجسيد الألم بطريقة فيزيائية كي نفهمه ونهضمه، فالوجع النفسي الناتج عن بعض التجارب، قد يكون أكبر من قدرتنا على الاحتمال والفهم في حين أن فهم الوجع الجسدي يعتبر أسهل كوننا قادرين على رؤيته وبالتالي معرفة كيفية إيجاد الحلول المناسبة له”.

وبحسب مجلة “اي موخير” الإسبانية فإن المرأة تتخلص من الشعر الطويل كرسالة إلى المجتمع بشكل عام، وللرجال بشكل خاص، مفادها أنها ليست مهتمة بالدخول فى علاقات عاطفية فى الوقت الحالي، لذا ولأن غالبية الرجال يفضلون الشعر الطويل، تلجأ المرأة إلى قص شعرها وفعل عكس ما يجده الرجل جذابا فيها، بغاية إبعادهم عنها. كما أنها تلجأ إلى قص شعرها للتعبير عن عدم إشباع شريكها لرغبتها الجنسية، فتقوم باستخدام شعرها كوسيلة لإظهار استياءها وعدم رضاها عن حياتها الجنسية.

وفي هذا السياق، كشفت دراسة أجريت في العام 2013 على 128 مشتركا، أن أحداث الحياة المجهدة قد تؤدي إلى عدم الرضا عن صورة الجسد، وتكمن وراء الدوافع لإحداث تغييرات في مظهر الجسم بغية تعزيز الصورة الذاتية، بمعنى آخر، قد تكون التغييرات المتتالية أو الدراماتيكية في المظهر الخارجي مؤشرا للتجارب المُجهدة التي يمر بها المرء في حياته.

الشمالي، تروي تجربتها الخاصة بالقول “في أحيان كثيرة يكون قص الشعر تعبيرا عن الثورة والتمرد وليس عن الانتقام، مثلما حدث معي بعدما انفصلت عن شريكي السابق الذي كان يحب شعري الطويل ويمنعني من قصه، فقمت بقص شعري بعد انفصالي عنه تمردا على القالب الجندري الذي كنت أشعر أنني محبوسة داخله، شعرت بعدها بأنني سيدة قرارتي”.

وتوضح الأخصائية النفسية أن بعض الرجال قد يلجأون إلى حلق شعرهم بالكامل أيضا عند تلقي صدمات نفسية لكن النسبة الأكبر منهم يقومون بأذية أنفسهم بشكل أكبر من مجرد الحلاقة لأن الرجل بطبعه -حسب وصفها- أكثر عنفا من المرأة، وتضيف: “شعر المرأة في اللاوعي الجمعي هو تعبير عن جمالها وأنوثتها لذلك غالبا ما يكون لتغيير قصة أو لون شعر المرأة بعد نفسي عميق عندها”.

وعلى مر التاريخ، قامت العديد من النساء بإحداث تغييرات طفيفة وحتى جذرية في مظهرهنّ كوسيلة للتعامل مع الصدمات النفسية والضغوط الحياتية، وهكذا يمكن اعتبار قصّ الشعر، بشكل جذري، بمثابة رسالة قوية للأصدقاء والعائلة بأن شيئاً ما قد حدث، بالإضافة إلى كونه وسيلة لتفريغ نوبات الحزن والغضب وحتى اليأس مما وصلت إليه الأمور.

ففي عشرينيات القرن الماضي، كانت النساء القويات ينظرن إلى الشعر القصير للغاية كوسيلة للتمرد على المعايير والقوالب التقليدية، وخير دليل على ذلك هو ما قامت به فريدا كاهلو. فبعد طلاقها من زوجها دييغو ريفيرا في العام 1940، قامت كاهلو بقص شعرها الطويل بشكل لافت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.