من جديد تذر حكومة دمشق الرماد في عيون مواطنيها، مدعية مؤخرا بقدرتها على إلغاء طوابير الخبز المصطفة بازدحام اعتاده السوريون في مناطق سيطرتها خلال السنوات الماضية. حيث أعلنت المؤسسة السورية للحبوب، أنها استوردت 2 مليون طن من القمح لتأمين الاحتياجات اليومية من الخبز، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه مناطق عدة من سوريا أزمة في حصول السوريين على أرغفة خبزهم.

الواقع مغاير للتصريحات الإعلامية؟

المدير العام للمؤسسة عبد اللطيف الأمين، قال في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، إنه لا خوف على رغيف الخبز مطلقا، وأضاف: “كميات القمح القادمة إلى سورية تكفي حاجة المواطن السوري حتى الموسم القادم”.

وتابع: “لدينا كميات كبيرة من القمح وردت من مرفأي طرطوس واللاذقية حيث يتم الآن تفريغها لتزويد كافة المحافظات، وهناك كميات كبيرة قادمة تصل إلى مليون طن قيمتها مليارات الليرات وصل منها حاليا 300 ألف طن”.

وخلال الفترة القريبة المقبلة، لن تستطيع حكومة دمشق تأمين الكمية التي تحتاجها الأسواق من القمح وبالتالي تأمين كميات وفيرة من الخبز. بحسب رأي المحلل الاقتصادي محمد لومان، الذي نوه إلى تأثير وجود مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية خارج مناطق سيطرة حكومة دمشق. وذلك إلى جانب غياب البنى التحتية، والتكلفة الباهظة التي تحتاجها الأراضي الزراعية من أجل تحسينها واستصلاحها.

وتابع لومان حديثه لـ “الحل نت” بأن “المناطق الزراعية في سوريا تحتاج لوضع خطط واستراتيجيات موسعة من أجل مواجهة واقعها المتراجع المتدهور. تلك المناطق أيضاً بحاجة إلى ترحيل مخلفات الحرب، وذلك بالتوازي مع إعادة المزارعين المهجرين لأراضيهم، وحل مشكلة انخفاض منسوب المياه الجفاف”. فبينما تزيد عوامل التغير المناخي خطر الجفاف والحرائق في كل أنحاء العالم، واجهت سوريا تدنيا في مستوى الأمطار هذا العام.

بالمقابل كشف وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق، عمرو سالم، أن حجم القمح الموجود في سوريا حاليا 275 ألف طن وهي تكفي لنهاية شهر نيسان/أبريل من العام المقبل، وأن هناك كميات كبيرة جرى التعاقد عليها في طرقها إلى البلاد وعددها أكثر من تسع بواخر قيمتها مئات المليارات.

وأضاف في تصريحات صحفية بأن هذه الكميات من القمح ستوضع في الصوامع لتوزيعها على المحافظات، موضحا أنه وبشكل يومي هناك 100 سيارة من طرطوس، و100 من اللاذقية محملة بالقمح إلى المحافظات.

كما ادعى أن “الأمن الغذائي مؤمن وأكثر من ممتاز وهناك جهود كبيرة من الحكومة لتأمين كميات كبيرة من القمح”، بحسب وصفه. وهو ما ناقض به التقارير الأممية التي أشارت إلى أن ما نحو 60 بالمئة من السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

بدوره قال وزير الزراعة السوري السابق نور الدين منى، أن مؤشرات الأمن الغذائي تعد انعكاسا حقيقيا للواقع السياسي والاقتصادي، أو الفشل في إدارة الموارد بحسب تعبيره.

وأضاف منى في حديثه لقناة “سي إن بي سي عربية” أن الدول العربية تشهد توزيعا غير متكافئ للموارد، مبينا أن المشكلة تكمن في إدارة الموارد الغذائية بسبب الغطاء السياسي الذي يسيطر على العملية، ما يمنع الوصول للأمن الغذائي المستدام.

فشل مستمر وتحذيرات من مجاعة

وأصدرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” تقريرا قالت فيه أن إنتاج سوريا من القمح هذا العام هو الأدنى منذ 50 عاما. وأوضح التقرير الصادر منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي أن 12.4 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي و90 بالمئة يعيشون في فقر.

وبيّن أن إنتاج الحبوب مثل القمح والشعير في سوريا تراجع بنسبة 63 بالمئة حيث بلغ الناتج 1.05 مليون طن بعد أن كان 2.8 مليون طن عام 2020، كما أن إنتاج القمح في سوريا أصبح ربع ما كان عليه قبل عام 2011.

ولفت تقرير المنظمة الأممية إلى أن ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات الحشرية أثر بشكل كبير على الزراعة السورية، فضلا عن أثر العقوبات المفروضة على سوريا على قطاع الزراعة وارتفاع أسعار مستلزماتها، محذرا بأن وضع القمح في سوريا ينذر بحدوث مجاعة قريبة في كثير من المحافظات.

بينما تحتل سوريا المرتبة 101 على مؤشر الأمن الغذائي التابع لمجلة “إيكونوميست” البريطانية، الصادر في 25 من شباط/فبراير الماضي.

وتؤمّن حكومة دمشق القمح عبر طريقتين، الأولى من خلال شرائه من الفلاحين، أما الطريقة الثانية، فهي لجوء الحكومة إلى توقيع عدد من العقود مع روسيا لاستيراد القمح، بعضها كان على شكل مساعدات.

وسعت دمشق خلال 2020 للقفز فوق أزمة القمح عبر أربع مناقصات طرحتها “السورية للحبوب” لشراء القمح.

وتحتاج سوريا إلى مليوني طن من القمح سنويا لتأمين حاجتها من الخبز، بحسب عدد السكان الحالي في مناطق سيطرة حكومة دمشق، إضافة إلى 360 ألف طن من البذار، ونحو 800 ألف طن للاستخدامات الأخرى من صناعة البرغل، والمعكرونة، والفريكة، والسميد، وغيرها.

ورفعت حكومة دمشق في بداية كانون الأول/ديسمبر، سعر مادة الخبز بنسبة 100 بالمئة. حيث وصل سعر ربطة الخبز “المعبأ بالنايلون” (نحو 1100 غرام) إلى 200 ليرة سورية. لتصبح بعدها بـ 250 ليرة بعد زيادة 50 ليرة “عمولة المعتمدين.

إذ قامت محافظة دمشق في وقت سابق من هذا العام، برفع العمولة التي يتقاضاها معتمدون من القطاع الخاص لبيع الخبز، في محلاتهم عبر “البطاقة الذكية“، ووصلت العمولة لـ 50 ليرة سورية على الربطة.

بينما كانت العمولة سابقا لا تتجاوز 10 ليرات سورية، وتتوزع العمولة الجديدة بين 25 ليرة نفقات نقل ومثلها بدل خدمات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.