السيطرة على درعا: هل خضع أهالي حوران لهيمنة حكومة دمشق وجيشها؟

السيطرة على درعا: هل خضع أهالي حوران لهيمنة حكومة دمشق وجيشها؟

سيطرة النظام على درعا اعتبرت نجاحاً عسكرياً. منذ أن دخلت القوات النظامية إلى المحافظة بموجب  اتفاق التسوية، الذي رعته روسيا مع فصائل المعارضة في تموز/يوليو 2018.

إلا أن كثيراً من المراقبين يعتبرون ادعاء السيطرة على درعا من قبل الحكومة السورية شكلياً. لأنها فشلت اجتماعياً وسياسياً في إدارة المحافظة. وقد ظهر هذا واضحاً في رفض الأهالي والفعاليات الشعبية بدرعا المشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية، وعدم اعترافهم بشرعيتها. ما دفع القوات النظامية للقيام بممارسات انتقامية. فجّرت الأوضاع في المحافظة.

وبحسب دراسة نشرها مركز كارينغي «تكتسب سيطرة النظام على درعا، ومعها عدد من مناطق جنوب سوريا، أهمية إضافية. مع الحديث عن إعادة العمل بـمشروع “خط الغاز العربي”، الذي يمرّ عبر أراضي المحافظة. وضرورة أن تكون تلك المناطق منضبطة أمنياً وهادئة. إضافة إلى أهميتها الإستراتيجية، لوقوعها على الحدود مع الأردن، وبالقرب من حدود إسرائيل».  

فهل تنجح الحكومة السورية بفرض هيمنتها الكاملة على هذه المنطقة شديدة الأهمية؟ أم أن أحاديثها عن “النصر” ليست أكثر من تهويل إعلامي؟

المجتمع المحلي يرفض سيطرة حكومة دمشق على درعا

بدت سيطرة النظام على درعا مترهلة على المستويين الرسمي والشعبي. من خلال جملة من المحطات السياسية والعسكرية والظواهر الاجتماعية، التي بدأت تطفو على السطح مع مرور الوقت. على الرغم من الدعم الروسي لعودة القوات النظامية إلى المحافظة، عبر مسارات التفاوض.

فعلى المستوى السياسي لاقت “خارطة الطريق الروسية” رفضاً شعبياً في درعا. ورأى الأهالي فيها سعياً روسياً لإفراغ الساحة من جميع القوى الفاعلة، إلا موالي الحكومة السورية وإيران. فتم التراجع عنها.  

في الوقت نفسه أعلن المستشار في وزارة الخارجية الروسية “رامي الشاعر” أن «روسيا، ومعها مجموعة أستانة والمجتمع الدولي، لن تسمح بأية عمليات قتالية في درعا». ما يجعل سيطرة النظام على درعا شكلية، ويحدّ من سيادة حكومة دمشق.

ويروي مصدر خاص من داخل مدينة “طفس” لـ«الحل نت» أن الأهالي «باتوا يأخذون تصرفات ضباط القوات النظامية بتهكم وسخرية. فعندما تم عقد تسوية في المدينة طلب وفد ضباط القوات النظامية من اللجنة المركزية للتفاوض في طفس تسليم السلاح، الذي كان مقاتلو المعارضة قد سيطروا عليه في العام 2013. عند استيلائهم على منطقة المساكن العسكرية، ومركز الأغرار التابع للفرقة الخامسة. وعند رفض الأهالي تسليم السلاح طلب منهم الضباط مبالغ مالية، لا تُقارن البته بقيمة السلاح المأخوذ من المركزين المذكورين».

عدم استقرار الوضع العسكري في درعا

وعلى المستوى العسكري تمكّن مقاتلو فصائل المعارضة في درعا من أسر عشرات عناصر القوات النظامية السورية، خلال ما يسمى “معركة الكرامة“، التي انطلقت في عموم مناطق حوران، نصرة لأحياء درعا البلد. ما أدى لفرار عدد من عناصر الأمن العسكري والفرقة الرابعة. وسيطرة مقاتلي المعارضة على كميات متنوّعة من الأسلحة.

الصحفي السوري “مؤيد أبازيد” يؤكد، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «مقاتلي المعارضة سيطروا على ثلث حواجز القوات النظامية، في تموز/يوليو الماضي، خلال نصف يوم. وكان هذا بمثابة رسالة لحكومة دمشق. تمت بالتفاهم بين قائد اللواء الثامن “أحمد العودة” والروس. مفادها أن هذه السيطرة من الممكن تطويرها، وإخراج المحافظة برمتها عن سيطرة الحكومة السورية والميلشيات الإيرانية. ما لم يتم الالتزام بتوجيهات الروس. وهو ما شهدناه لاحقاً عبر التوصّل إلى حل، كانت القوات النظامية ترفضه مع الأهالي. وإزالتها لحواجزها فيما بعد. وفي الوقت نفسه حافظ الأهالي على بقائهم في أرضهم».

ولفت “أبازيد” إلى أنه «بعد ما حصل من تسوية جديدة في درعا، بتاريخ التاسع من أيلول/سبتمبر الماضي. روجت القوات النظامية لقيامها بسحب كثير من حواجزها، خاصة حواجز الفرقة الرابعة، على اعتبار أن سيطرة النظام على درعا تحققت بشكل كامل. فضلاً عن محاولة إظهار أن مؤسسات الدولة تعمل بشكل طبيعي في المنطقة. وهو أمر مخالف للواقع، لاسيما أن نصف مدارس المحافظة ومراكزها الصحية لاتزال خارج الخدمة».

سيطرة النظام على درعا غير مستقرة أمنياً

ويتابع “أبازيد” بالقول: «على الصعيد الأمني اعتبرت القوات النظامية أنها نجحت في السيطرة على درعا وضبط الأمور فيها. بعد أن  باتت الاغتيالات نادرة جداً في صفوفها.  لكنها ما لبث أن عانت من جديد من الهجمات التي يشنها مجهولون على عناصرها وضباطها. ما أجبرها على اتباع أسلوب جديد في الرد على تلك الهجمات، عبر قصف المدينة أو البلدة التي تحصل فيها عملية ضد قواتها. وهو ما حصل في مدينة نوى، نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، التي تم قصفها بقذائف الهاون بشكل عشوائي. ما تسبب بمقتل وجرح عدد من المدنيين».

ويرى الناشط المدني “محمد الزعبي” أن «القوات النظامية، رغم ادعائها سيطرة النظام على درعا، تتبع سياسة ضرب النقط الضعيفة، لفشلها في مواجهة التهديدات الحقيقة لوجودها في المحافظة. فهي تنفّذ حملات مداهمة وتفتيش على خيام النازحين شرقي درعا، بل تقوم بحرقها وتشريد أهلها. وتعود هذه الخيام أصلاً  للبدو المُهجّرين من منطقة اللجاة، الذين تمنعهم القوات النظامية من العودة لمناطقهم. وتمثّل تجمعات البدو آنفة الذكر هدفاً سهلاَ وضعيفاً، مقارنةً بالتجمعات السكنية في القرى والبلدات، التي ترفض وجود القوات النظامية، ولديها القدرة على مواجهتها، في حال قررت القيام بعمليات اقتحام أو مداهمة».  

بروباغندا إعلامية لمدارة الفشل في سيطرة النظام على درعا

يتفق كل من الصحفي “مؤيد أبازيد”، والناشط “محمد الزعبي”، في حديثهما لـ«الحل نت»، على سعي حكومة دمشق لمداراة فشل سيطرة النظام على درعا بشكل كامل، من خلال الاستثمار في الدعاية لـ”انتصار” حققته القوات النظامية ضد الإرهاب في المحافظة.  

ويضيف الصحفي “أبازيد” أن «الحكومة السورية حاولت الترويج لسيطرة القوات النظامية على المحافظة بشكل كامل من خلال الإعلام. وبث المقاطع المصوّرة بشكل مباشر من عدد من مناطق المحافظة. أثناء عمليات التسوية وبعدها. إلا أن هذه المقاطع لم تأت إلا من مناطق محدودة، اعتاد الإعلام الموالي للحكومة السورية على التصوير فيها. وعلى سبيل المثال لم يستطع إعلاميو الحكومة السورية العودة للتصوير من درعا البلد أو طفس، حتى بعد التسوية. في حين دأبوا على بث المقاطع المباشرة من درعا المحطة والصنمين وأزرع».

الناشط “محمد الزعبي” يرى أن هدف حكومة دمشق مما يسميه «بروباغندا ادعاء سيطرة النظام على درعا» هو «بث اليأس والإحباط بين الأهالي. فعلى مستوى مدينة درعا ترى شريحة لا بأس بها من المدنيين أن الحكومة السورية حققت أهدافها، من خلال عمليات التسوية الأخيرة. وبات من الصعب بعد اليوم القيام بأي حركة ضدها».

مقالات قد تهمك: درعا.. مطامع روسيّة بآثار بصرى الشام

وفي المقابل اعتبر “أبازيد” أن الخطاب الإعلامي لحكومة دمشق لم يحقق كامل أهدافه. والدليل «استمرار استهداف القوات النظامية في درعا، حتى بعد التسويات الأخيرة، التي جرت في عموم المحافظة. وهو ما يبدو أمراً فريداً من نوعه، إذا تمت مقارنته ببقية المناطق التي استعادتها القوات النظامية في عموم سوريا. ما يشير إلى احتفاظ أهالي درعا بمعنويات إيجابية، وعدم انكسار رغبة المقاومة لديهم. ويعتبر دليلاً على فشل سيطرة النظام على درعا، التي باتت مصدراً لإرهاق القوات النظامية واستنزافها».  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.