المحايدون في الصراع السوري: هل الموقف “الرمادي” بين أطراف الحرب ممكن؟

المحايدون في الصراع السوري: هل الموقف “الرمادي” بين أطراف الحرب ممكن؟

المحايدون في الصراع السوري، أو من يسميهم البعض بــ”الرماديين”، أثاروا دوماً شكوك وسخط أطراف النزاع المختلفة. وبعد عشر سنوات على اندلاع الحرب السورية. وازدياد الشرخ بين المؤيدين والمعارضين في البلاد. لدرجة صار كثيرون فيها يتحدثون عن شعبين سوريين مختلفين، لابد من التساؤل عن مصير من تمسّكوا، أو ادعوا التمسّك، بحيادهم. وحاولوا البقاء بعيداً عن السياسية. خاصةً من ظل منهم داخل البلاد. 

وإذا كان المحايدون في الصراع السوري قد حاولوا في البداية الحفاظ على نمط حياتهم، فإن هذا بات مستحيلاً بعدما تعرّضت له البلاد في السنوات الأخيرة من تقلبات اقتصادية واجتماعية. ما يزيد المسألة تعقيداً: على ماذا يبني “الرماديون”، إن وجدوا، حيادهم؟ وما هدفهم منه؟

ماذا يقول المحايدون في الصراع السوري؟

موقع «الحل نت» حاول التواصل مع عدد من الأفراد. الذين ما يزالون يعرّفون أنفسهم بوصفهم محايدين في الصراع السوري. “أحمد حربي”، من سكان حي “نهر عيشة” بالعاصمة دمشق، أكد للموقع أنه «خلال السنوات السابقة لم يخرج من حيه، حتى في أحلك ظروف الحرب. وزوجته، التي تنحدر من حمص، لم تزر أهلها لمدة ثماني سنوات. إلى أن استطاعت في العام الفائت السفر إلى حمص. ورؤية والديها».

“حربي”، الذي يصف الحياة في منطقته بأنها «طبيعية. وليست بالصورة التي تقدمها وسائل الإعلام»، لا يرى أن الأزمة الاقتصادية وصلت لمرحلة تدفعه للتفكير في الرحيل نهائيا إلى خارج البلاد. على الرغم من أنه يعمل مستخدماً في مكاتب بعض المحامين، براتب لا يتجاوز ثلاثين ألف ليرة في أحسن الأحوال.

وطبقاً لحديث “حربي” فإن «طرفي الصراع حكما على نفسيهما بالموت وعدم صفاء القلوب بسبب السياسية». أما عن موقفه الشخصي فهو يكرر ما يقوله عادة المحايدون في الصراع السوري: «أنا أتحرّك فقط من البيت إلى العمل. ولا أشاهد الأخبار. وعندما أسهر مع الأقارب والأصدقاء أتكّلم فقط عن العمل ومسلسلات التلفزيون».

ويضيف “حربي”: «لو قمت بالانحياز لطرف من الأطراف فسأخسر بيتي ورزقي، وربما سأخسر حياتي».  

المحايدون في الصراع السوري والتشبث بالمكان

أما الحاجة “أم وليد”، التي تعيش في حي المزة الدمشقي، فقالت لـ«الحل نت» إن «القاعدة، التي عوّدت عليها أولادها الثلاثة مع زوجاتهم، هي عدم الاختلاط بأقاربهم. والاستمرار بعملهم في مجال الآلات الثقيلة، للعيش بسلام. وعدم مجادلة رجال الأمن إذا أوقفوهم في الشارع».  

وتصرّح “أم وليد” بأكثر مما يقوله عادة المحايدون في الصراع السوري. فبرأيها أن «تجربة الحياة في البلاد تأخذ الروح من الجسد. فلا  الرئيس الأسد يقف مع مواليه. ولا المعارضة تستطيع تأمين الحياة الآمنة للشعب».

ورغم انخراط عدد من أقاربها في العمل المسلّح بريف دمشق ظلت “أم وليد” على حيادها. وجمعت أولادها في جلسة عائلية. قالت لهم فيها إنها «لا تودّ الخروج من دمشق. ولن تسمح لهم بالهجرة». مختتمة حديثها بالقول: «أنا ولدت وعشت وأنجبت أولادي هنا. وأريد أن أموت هنا وسط أهلي دون مشاكل».  

ما رأي المختصين بـ”الحياد”

“إبراهيم زكريا”، أستاذ علم الاجتماع، لا يبدو مقتنعاً بما يقوله المحايدون في الصراع السوري عموماً. مشككاً بمفهوم “الحيادية” نفسه. وأوضح لـ«الحل نت» أن «كثيرا من الباحثين شككوا بوجود حالات عاطفية محايدة. فليس من الممكن الشعور بالحياد. لأن الناس دائماً ما يشعرون بشيء ما. كما أن الحياد ليس حالة عاطفية. لأن التأثير العاطفي يجب أن يكون إيجابياً أو سلبياً. ولذلك فإن التأثير المحايد غير مهم، لأنه لا يُشعر به».  

ويتابع “زكريا”: «نحن نعرّف التأثير المحايد على أنه الشعور باللامبالاة. ونقص التفضيل بطريقة أو بأخرى. وعندما نستخدم مصطلح “غير مبالٍ”، فإننا لا نستخدمه للإشارة إلى عدم الإعجاب بشيء ما. لأن ذلك قد يعني رد فعل سلبي. وليس رد فعل محايد».

ومن المهم أيضاً، بحسب “زكريا”، أن «نضع بعين الاعتبار أن التأثير المحايد يمكن، نظرياً، أن يحدث بشكل متزامن مع تأثير إيجابي أو سلبي. فقد يكون شخص ما محايداً تجاه فكرة معينة. ولكنه يتأثّر بمن حوله، فيبني عنها انطباعات خاصة، إيجابية وسلبية».

ولذلك يرى “زكريا” أن «الحياد غير موجود. لأن الناس دائماً يشعرون بشيء ما. وكل التجارب تحدث في عالم مليء بالعواطف. والنقطة المهمة هي أننا لا نعيش في عالم محايد. وتجاربنا دائماً محمّلة عاطفياً. ولا يوجد شيء اسمه عقل بلا تأثير عاطفي. فكل التجارب مشوبة بدرجة أو بأخرى بذلك التأثير».

مقالات قد تهمك: الحواجز الأمنية في دمشق: هل ستقوم الحكومة السورية بإزالة حواجزها بعد “النصر”؟

ويخلص المختص في علم الاجتماع إلى القول: «من المستحيل على الناس ألا يشعروا بأي شيء تجاه قضية ما. لذلك لا يوجد شيء اسمه “الرماديون” في القضية السورية. كما أن ما يمارسه المحايدون في الصراع السوري هو موقف سياسي بشكل أو بآخر.  وهم قادرون على التعايش مع جهة معينة من فئات الصراع السوري، حتى ولو لم يكونوا راضين عن كل تصرفاتها».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.